*عتاب*
إلي أهالي المدن العربية ,إلي الملتزمين بتقاليد حمقاء صارمة أودت بحياة طفلة إلي الهلاك فدمرت معالم طفولتها ,عتابي إليكم مع اني موقنة أن أهل القراءة ليسوا من منعدمي الحضارة أمثالكم , فإن وصل عتابي ,فيسعدني أن أخبركم أن لكم يوماً ترتد فيه إليكم اعمالكم ،إن لم يكن في حياتنا الدنيا فإن لكم رباً يعاقبكم
********المقدمة*
لازال ذاك الصنبور القابع في الزاوية معطلاً ، لازالت المياه تتساقط من فتحته قطرة قطرة، فتصدر ضجيجاً وتوقع رجة بأرجاء المنزل، حتي القطرة صار لها صدي مسموع ، بل صدي قاتل، ولكن البعض ليس لأصواتهم صدي يذكر ، ليس لديهم صوت ، لا يملكون أفواههم، بل إنهم صاروا عبيداً لمنزوعي الضمير، كُممت أفواههم باسم الواقع الأليم ، وتدمرت حياتهم ، أما عن عقولهم فقد سقطت منهم منذ زمن بعيد ، سقطت في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، سقطت عقولهم إلي الهاوية حين أهلكهم التفكير ، فتحوا رؤوسهم علي مصراعيها وسمحوا لعقولهم بالانحدار نحو الأسفل ، ماذا عن قلوبهم ؟!قلوبهم صارت سبايا حرب العادات ، قلوبهم معربدة تتخبط بين شظايا أحلامهم المهشمة ، أعينهم لم تعد تبصر سوي صورة غير متضحة الملامح لمستقبل بدأ يتلاشي من بعيد ، اؤلئك ليسوا بأسري حرب ، أو سجينوا العدالة ، أو أحد الراغبين بالانتحار ، إنهم ضحايا ، ضحايا قرروا ذبحها كقرابين لعاداتهم وتقاليدهم ، احداهن كانت سارة ، ابنة الأربعة عشرة عاماً تلك الزهرة اليانعة التي استُهلكت تماماً في ذاك الصراع العنيف ،فتحول رونقها وجمالها إلي وردة ذابلة يدهسها أحد المرور وكأن شيئاً لم يكن ، لا يمكنك حينها أن تعيد تلك الزهرة إلي الحياة فالأمر ببساطة ينتهي ألي هذا الحد ، ويتوقف لدي هذا القدر ، تلك الزهرة فارقت الحياة ....(الفصل الأول)
(أمطار!!)
أمطار، نعم تلك رائحة الأمطار ، رائحتها أشهي من رائحة خبز في الفرن، وكأن قطرات المطر أناساً تسقط من السماء ، أناس يعملون علي نشر البهجة داخل قلوب البشر وكأن قطرات المطر وضعت عطراً مميز الرائحة ينشر سعادة تغمر الأنوف ، تلك الأفكار المجنونة تتجول وتتقافز وتتشاكس داخل عقلها الصغير الذي منحها خيالأً أوسع من البحار الجارية، إنها تعشق الأمطار رائحتها ، نكهتها ،ورونقها، فسارت من طريق طويل علي غير عادتها ، علها تحدث الأمطار لفترة أطول ، خلعت حذائيها الصغيرين ، ثم جعلت قدميها تتمرغ بمياه الأمطار ، غمست قدمها في تلك البحيرات الضحلة التي شكلتها الأمطار علي امتداد الطريق ،مدت كفها قليلاً فتجمعت قطرات المطر علي راحة يدها قطرة قطرة ثم انسابت بين أصابعها كما تهرب الرمال من الساعة الرملية ، ابتسمت بتلقاءية ثم دارت حول محورها دورتين معلنة عن سعادتها بزيارة الأمطار لها اليوم ، كانت تنورتها تنطلق مع كل دورة مرفرة كعصافير زرقاء.، أو كأمواج بحرية، إلي أن سكنت تماماً وانسدلت لتعطي صاحبتها رونقاً وجمالاً ، نظرت إلي الأفق البعيد عند نقطة التلاشي ، فرأت المنزل قد اقترب ، أطبقت جفونها محاولة نسيان ذاك المنزل وحسب ، محاولة نسيان الماضي والحاضر ، عل المستقبل يكون أفضل ، ثم عادت تفتحهما عائدة إلي أرض الواقع ، لديها عينان بريئتان تشبه عيني الغزال ، وكأن أحدهم سكب قدراُ من مشروب الليمون علي عينيها ليمنحها ذاك اللون المميز ، عينان خضراوتان مطعمتان بقليل من اللون البني المتداخل مع الأسود ، مزيج غريب منحها إطلالة مبهرة ، عيناها كفيلة بتنويمك مغناطيسياً وإن نجوت من عينيها فستسحبك ملامحها ببطء، لها ملامحٌ عربية أصيله ، لديها بشره مخملية وأنف صغير ، تساقطت الأمطار علي كامل وجهها فطالت شفتاها، شفاه ممزوجة باللون الوردي الطبيعي ، حين تبتسم تظهر نغزتان علي جانبي وجنتيها مضيفة جمالاً آلي جمالها ، لديها جسم صغير ضئيل ، مدت يداها الرفيعتان إلي حقيبتها فدست يدها بين أغراضها إلي أن وصلت يدها إلي جسم صلب استخرجته ، لقد كانت قلادة فضية كانت قد انقطعت ووجب عليها اصلاحها قبل الذهاب إلي المنزل ، وإلا تلقت عقاباً مؤلماً ، كانت قد استعارت تلك القلادة من خزانة والدتها لبضعة ساعات ، حتي تحضر بها الحفل الذي أقيم بالمدرسة احتفالاً بمجئ عام دراسي جديد ، كانت تلك هدية والدها لها حين كانت صغيرة ولكن والدتها منعتها من ارتدائها إلي حين تكبر، كانت تعلم أنها ستتلقي عقابها اليوم بلا شك إن اكتشفت والدتها أمر استعارتها للقلادة ، عبست قليلاً ثم عادت تبتسم ، متغاضية عن أحزانها ومخاوفها ، عادت إلي المنزل تتقافز بين قطرات المطر حتي تحول لون الدنيا إلي الأسود مرة أخري،إنها تقف أمام عتبة المنزل، خلف هذا الباب يوجد عالم ضبابي بغضته دوماً ،خلف هذا الباب يوجد جزء آخر من الكوكب الأرضي، الجزء المظلم البارد من العالم، الجزء الكئيب الممل البغيض، نظرت خلفها تطالع السماء بشئ من الرجاء ، هناك توجد أمطار وسعادة ، بينما هنا توجد التعاسة ، مدت يدها نحو الباب فوجدته مفتوحاً ، فدفعته تنظر إلي الداخل في ترقب ووجس ، بدأ صوت أنفاسها يتعالي أكثر فأكثر حين سمعت تلك القهقهات النسائية قادمة من الداخل ، بينما ترامت أحذيتهما في أطراف المكان ، وعاء الفاكهة انسكب رأساً علي عقب ، كوب الحليب مفتت إلي بضعة شقفات ، الستائر ملوثة بذاك المشروب الذي يثقل أدمغتهم ويغرقها في دنيا اللاوعي ، تنهدت بقلة حيرة ثم اتخذت خطوات سريعة نحو غرفتها علها تنفذ من بين ايديهم ،ولكنهم التقطوها كما يلتقط الجرو القط علي بعد مسافات ،
-سارة
نطقوا اسمها بطريقة تجعل السامعين يشمئزون فأفسدوا رونق الإسم وبهاءه وجلالته ،توجهت سارة نحو موضع جلوسهم فاحنت رأسها إلي الأسفل متوقعة اكتشاف.والدتها لأمرها
-أين كنتِ طوال هذا الوقت أيتها المتسكعة الحمقاء ؟!
لقد تحدث زوج والدتها لتوه، رجل بغيض ذو صوت أجش غليظ يخيف السامعين ، طأطأت سارة رأسها أكثر فأكثر ثم أخفضت نبرة صوتها وقالت في هدوء
-كنت في المدرسة،
-حمقاء مدللة
نظرت سارة نظرة سريعة إلي والدتها تتفقد ما إن كانت قد كشفت أمرها ، نظر زوج والدتها إليها بشئ من الاستعلاء ببنما يرفع كأسه ليتجرع قسماً كبيراً منه ثم تلعثم ببعض كلماتٍ تكاد تُستوعبها سارة
-لا تتاخري هكذا غداً
-ماذا يوجد غداً
سألت سارة بنية طيبة و صوتٍ مرتجف فجاءها رد قوي من زوج والدتها
-لا شأن لكِ يا هذه ، نفذي ما طلبته منكِ فحسب
أومئت برأسها بالإيجاب بينما تطالعها أعين الحاضرين ، فاتخذت مسارها نحو غرفتها ثم أخرجت القلادة ووضعتها قبالتها تفكر في حلٍ لورطتها ، تنهدت سارة بعمق ثم هرعت نحو خزانتها فاستخرجت مادة لاصقة ثم جلست إلي الطاولة فتناولت القلادة بين أصابعها ، عندما حاولت للمرة الأولي سقطت القلادة أرضاً فأعادت الكرة عدة مرات ، كان الفشل حليفها في كل مرة إلي أن فقدت الأمل في النجاة من ضربٍ مبرح ، هربت عبرتان خائفتان من عينيها فالتفت حول نفسها في الزاوية تفكر في مصيرها المحتوم ، حانت منها نظرة نحو قدميها فوجدت بياضهما قد اختفي أسفل مياه المطر المغمورة بالأتربة ، عليها أن تغسلهما فقدميها تشعران بالاشمئزاز ، نهضت بخطيً وئيدة فدست القلادة في خزانتها ثم اتخذت خطاها نحو الخارج ، تسللت شيئاً فشيئاً إلي أن سمعت وقع أقدام علاء يرحل ، اطمئنت بعض الشئ ثم استكملت مسيرتها نحو الخارج ، نظرت سارة عن يمينها فرأت والدتها منتصبة في غرفة الاستقبال تتطالع سارة بنظراتّ غريبه
-أين أخي علاء
سألت سارة عن زوج أمها فأردفت في نبرة هادئة
-لقد خرج مع أصدقاءه
تنهدت سارة بعمق ثم همت بالخروج من المنزل
-إلي أين؟
سألت والدتها في حزم فأردفت سارة
-سأذهب إلي النافورة سأغسل قدمي ثم سأعود
- لا اجلسي هنا أريد أن أحدثك
عقدت سارة حاجبيها دهشة وانتصبت موضعها دون تعليق
-لقد قلت اجلسي ألم تسمعي
زجرتها والدتها فصارت تدفع قنينات المشروب الفارغة وتمر بينها إلي أن جلست إلي الطاولة في رهبة ، جلست. والدتها هي الأخري ثم اقتربت منها تكاد تلتهمها
-ألم ترغبي دوماً أن تعيشي في مكان أفضل؟!
-هل وجد أخي علاء عملاً
-اجيبيني ألم ترغبي؟
-نعم
-لدي طريقة تكفل لكِ مكاناً أفضل، سيكون الخدم والحشم حولك من كل حدب وصوب ، ستوضع أرقي أصناف الطعام قبالتك ، ستكسين بأغلي الأثواب ستمتلكين أعظم المجوهرات
-أي طريقة
-هل ترغبين بكل ما عرضته عليكِ؟
-لا أعتقد أني أهتم للجواهر ، ولا أحبذ فكرة الخدم أيضاً، لماذا تسالين تلك الأسئلة
-إذاً هل ترغبين بالكثير من الدمي ؟
-بالطبع أرغب
-أنا سأحقق لكِ أمنياتك
-كيف؟!
-أخبرك فيما بعد هيا اركضي إلي النافورة
نظرت سارة إلي والدتها في شك ، وحيرة، ثم وثبت نحو الخارج كمن حصل علي طوق نجاته ،هرعت إلي الخارج في خطوات سريعة متجهة نحو النافورة القريبة إلي المنزل فوضعت قدميها أسفلها تغسل قدميها بينما بدأت قطرات المطر تقل شيئاً فشيئاً ، شعرت سارة بالراحة ثم نظرت إلي المنزل مرة أخري،لا لاداعي أن تعود إلي المنزل ، ستذهب إلي الساحة لتلهو قليلاً ، ولكن اللعب لم يخلق لسارة في الحقيقة فقد عاد علاء إلي المنزل
-أعدي قدحاً من الشاي أيتها المتسكعة
نعم سارة تعد أقداح الشاي ، وتجمع فوارغ الأطباق ، وترتب أرجاء المنزل ، تعمل كالحشم الذين تحدثت والدتها عنهم ، إنها حياة لا تلاءم طفلاً في ذاك السن الصغير إن ذاك المنزل الصغير كالسجن المؤبد ، أو كدور أيتام لا يوجد من يتبناها منه ، ولكن مسار الأحداث كان في طريقه لتحول كبير سيقلب حياتها راسا علي عقب.....
أنت تقرأ
زوجتي في الخامسة عشر
Randomالطائر الذي ظن أن حريته سُلبت منه أدرك أن حريته رُدت إليه حين سُجن في قفصك ، حين قيدته غلالك حينِ أصبحتِ أنتِ زوجتي بينما لم تتجاوزي الخامسة عشر بعد