الفصل السابع عشر

6.7K 193 4
                                    


(في السراء والضراء)
-اعذريني لا أستطيع النوم في غرفتها بعد الآن فرائحتها لازالت هناك
قالها بينما امتزجت كلماته بالدموع ، حين رأته سارة يبكي للمرة الأولي ، وما أبشع قهر الرجال !! إن كنا نحن النساء نستند إليهم حين تفاجئنا الدموع ، إن كنا نحن النساء نهرع إلي أحضانهم مع أول مشكلة فكيف إن بكي السند ؟! هل ينهار العالم في تلك اللحظه ؟!نعم هو إقرب تشبيه ، فهم لا يبكون لأمورٍ تافهة كالتي تبكي معشر النساء ، فالرجل إن بكي ، لم يكن ضعيفاً بل إن هماً عنيفاً حل به ، فكيف تتصرف سارة الآن ؟وإن كانت ابتسامته رغم الشدائد تشد أزرها ، هل ستفقد نفسها الآن؟.....
تزحزحت سارة قليلاً مفسحة له المجال جوارها علي الفراش ، فارتمي إليه لا واعياً بعد يوم مرير لم ولن يري مثله يوماً، ثم تنهد بعمق والتف حول نفسه كالجنين في رحم امه ، بينما راقبته سارة في صمت لا تعرف كيف تعقب ، حتي وجدت يداها تمتدان نحوه فتربت علي كتفه ، بينما ناظرها سداد بعينين احتقن الدم داخلهما فأصبحت حالتيهما مزرية وأصبحت الرؤية بهما شبه معتمه ، ثم وضع أنفه مقابل أنفها ليشاركها ذرات الأكسجين الذي تتنفسه ، ثم نطق بصوته المتهدج
-تشبهين الدواء
رفعت سارة نظرها إليه فحدق في عينيها الخضراوتان اللتان لم تتوقفا عن التحرك وكأن عينيها خجلتان، ذلك الأخضر الممزوج بلون الفستق ، ربما نومه معناطيسياً وأنساه ألم أمه لدقائق ...
-لا أستطيع النوم
قالها فناظرته في حيرة وقد بدأت عيناها تذرف الدموع هي الأخري دون سابق إنذار
-لأنك لم تحاول ، ولم تجرب إغماضهما
ضحك سداد بصورة مخيفة نوعاً ما ثم عاد يبكي كالمجنون
-لقد كانت تردد تلك الجملة حين كنت صغيراً
قالها ثم تقوس حول نفسه منخرط في بكاءٍ مرير ، بينما اقتربت سارة أخيراً فضمته رأسه إليها دون وعي ، حتي فقد كلاهما الوعي حين تغلب عليهما سلطان النوم أخيراً .... ولكن لم يسلم ليلهما تلك الليلة ، فقد انتفض سداد عدة مرات هاتفاً باسم نيرمين  وفي كل مرة كانت سارة تحاول تمالك نفيها حتي تنهار معه باكية فتزيد بكاءاً فوق بكاءه. ...وهكذا لم يناما سوي بضع ساعات من الليل
-سداد
.قالتها سارة هامسة بينما تهزه برفق ، تنهد سداد فاتحاً عينيه ثم انتفض كمن عادت إليه ذاكرته
-هل الجميع بخير ؟
قالها هلعاً وكأن سارة توقظه لتخبره بمصيبة أخري
-الجميع بخير ، أيقظتك لنلحق الجنازة
-فتون ؟كيف حالها ؟!
قالها فاركاً رأسه محاولاً حبس دموعه...
-لازالت علي حالها، لم توقف البكاء منذ البارحة ولم تتناول شيئاً، حطمت بعض الأشياء وبعثرت قليلاً لكنها لا تستمع لأيٍ كان
-دعيني أراها .
قالها ثم نهض متثاقلاً سائراً إلي غرفتها ، وهناك طرق الباب عدة مرات ولكن دون جدوي .-فتون إنه أنا ....
قالها سداد كالكلمات السحرية فهرعت فتون إلي الباب فاتحة إياه ، ليظهر وجهها الذابل من خلفه
-ماذا فعلت بحالك؟
قالها سداد مشفقاً بينما ارتمت في أحضانه جاهشة بالبكاء ، فشاركها سداد الانهيار ، حتي تمالك سداد نفسه قليلاً فدفعها برفق ناظراً إليها
-أين طعامك؟
-لم أعد أرغب بالطعام ، لم أعد أغب الحياة
-لأجلي
قالها محاولاً كبح دموعه بكل قوته ثم استكمل
-سأذهب لأجهز نفسي ، سارة ستأتيكِ بالطعام انسي ما تحملينه من ضغينة تجاهها اليوم فقط ودعيها تساندكِ
-أخي أنت تحبها
التفت سداد إلي جملتها معلقاً نظره عليها لدقائق ثم نطق لسانه بصعوبه
-أحبها مثلك تماماً فلازالت طفلة ...
قالها ثم ترك الغرفة متلعثماً ، بينما عقبه دخول سارة إليها
-أعرف أنكِ تكرهينني ولكن انسي هذا الكره ليوم واحد
قالتها سارة بينما ناظرتها فتون بنظراتٍ غير مفهومة المغزي
-أمي كانت قد أوصتني بكِ ، ولا أعتقد أني أكسر كلمتها بعد اللحظة
قالتها مكفهرة بينما تنهدت سارة براحة ثم قربت الطعام منها فقربته إلي فمها علي مضدد ثم تناولت القليل ......
وفي الطرف الآخر من المنزل أنهي سداد ارتداء ملابسه وقد ارتدي بدلتها المفضلة متذكراً كلماتها ، وقد رأت أنها تليق به وتعطيه رونقاً وبهاءاً ، ثم أمسك ربطة العنق مقلباً إياها بين كفيه متذكراً إياها حين أحكمت ربطها له ، فهربت عبرتان أخريتان لتلحق ببحر الدموع الذي تساقط في الساعات القليلة الماضية ، ثم حاول لفها عدة مرات فباءت محاولاته بالفشل ، فلم يستطع أن يقبض عليها لمرة ، حتي شعر أن يداه خانتاه ، فلم يعد يستطيع تحريكها ،حتي ‘جد يداً تربت علي كتفه ، عرفها منذ اللحظة الأولي فلمستها مختلفة ، التفت سداد إليها ليصطدم بتلك العينان الحارقتان كالعادة ، بينما التقطت هي ربطة العنق من بين أصابعه ثم لفتها حول عنقه محكمة ربطها ، ثم عادت تنفض كتفيه وتهندمه مواسية إياه بينما تحرك هو في صمت فلحقته ترافقها فتون إلي السيارة ليذهبا إلي التراب الذي سيختفي أسفله جسدها إلي الأبد ، وفي السيارة كانت سارة تنبهه بين الفنية والأخري إلي الطريق فقد كان في أشد حالات شروده سوءاً ، حتي وصلوا أخيراً إلي تلك الحفرة ، تلك الحفرة التي ستضم أغلي إنسانة علي قلبها ، تلك الحفرة التي ستسلبه إياها إلي الأبد ، وقف سداد يتأمل تلك الحفرة طويلة حتي جاءوا بجسدها ، فتوقف سداد عن الحراك وقد أصابه الشلل ، وقد أطال النظر ألي ذلك القماش الذي غطي وجهها وكساها حتي أخمص قدمها فاقترب متحسساً وجهها محاولاً حفظ معالمه جيداً ثم قبل رأسها وعاد يبكي ، حاملاً إياها برفق وصولاَ إلي قبرها ، يود لو أنه يرافقها هناك أيضاً ، لو أنه يضجع جوارها فلا يستيقظ أبداً ، لو أنه يشاركها الموت أيضاً كما شاركها كل شئ ، احتضن سداد رأسها قبل أن يتركها ثم جثي إليها يهمس لها
-أمي....عزيزتي إنه أنا ، هل تتركيني وحيداً بعد ذلك الشوط الطويل الذي قطعناه معاً هل تتركينني الآن ، أمي كيف سأعاود زيارة غرفتك بعد الآن ، رائحتك تجتاحها وإن دخلتها سأعاود الانهيار ، إنني آسف ، إن كنت مذنباً في حقك ، فأعتذر ولكن استيقظي ولينتهي هذا الكابوس ، لا أريد تصديقهم فجميعهم حمقي ، فليعاود قلبك النبض بمعجزة إلهية فنعود إلي البيت معاً ، لا أريد تركك وحيدة هنا فالمكان موحش ، أرجوكي لا تفعلي هذا بي ، دعينا نرحل يا أمي أنا لا أستطيع بدونك عجلة الحياة ستأبي أن تدور بعدك ، أو ربما تلك مبالغة مقبولة مني ،فهي للأسف ستعاود الدوران ولكنكِ كنتِ محرك سيارتي و زنبرك دراجتي ، وها هي فسدت دونك ، لقد أفسدت دراجتي يا أمي...

زوجتي في الخامسة عشر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن