الفصل السابع

8.3K 238 4
                                    

(المزهرية الأثرية )
ملقية علي الأرض في الزاوية كدمية سئمها صاحبها فألقاها ، هكذا نامت سارة علي الأرض الباردة تحلم بدخول الشفقة ، لقلوب أهل ذاك المنزل البائس ، آشعة الشمس تتسلل إلي عينيها فتوقظها ، لقد فقدت الذاكرة خلال غفوتها القصيرة ، ظنت أنها ستستيقظ بمنزلها كالعادة ، وتنطلق إلي مدرستها ، تفقدت سارة الغرفة حولها مدققة في تفاصيلها ...بعض الصور العائلية موضوعة علي القرب من فراش سداد ، أما عن مكتبه فهو يعج بالأوراق المتناثرة هنا وهناك ، كما تنتصفه بعض الكتب الضخمة ، اقتربت سارة تطالع الكتب في أسي ، فعليها ان تنسي كل ما يخص الكتب والدراسة في الفترة القادمة ، ليته تركها تهرب مساء البارحة ، دُفع الباب مقاطعاً أفكار سارة ؛ فظهر خلفه وجه الجدة
_ هل استيقظتي يا عزيزتي ، هيا أعدي الفطور لزوجكِ
_الفطور ؟؟
سألت سارة في دهشة فانقلب وجه الجدة
_ ألا تجيدين إعداد الطعام ؟ويحكِ!!
_ بل أجيد ، ولكن أليست لديكم خادمة
_ عليه أن يتذوق الطعام من يديكِ هيا لا تطيلي ، نفذي العادات
قالتها ثم تركت الغرفة متكأة علي عكازها كالعادة
_ تباً لتقاليدكم ، ننفذها بحذافيرها فقط لأنها تقاليد
ناجت سارة نفسها بتلك الكلمات ثم تركت الغرفة هي الأخري قاصدةً المطبخ
_ سيدتي أهلاً بكِ
قالتها الخادمة التي انهمكت في إعداد طعام العائلة
_ مرحباً ، هل أنت الخادمة ؟؟
_ نعم سيدتي إنني كذلك
_ هلا أعددتي طعامه أيضاً
_ من ؟؟
_ هذا المدعو سداد
_ أنا آسفة ولكن السيدة تقتلني إن فعلت
_ رجاءاً
_ أنا آسفة لا تضعيني في هذا الموقف
_ حسنا ً إذن دليني عن مكان الطعام
_ تجنبي زبدة الفول تماماً فسيدي يعاني حساسية ضدها
أردفت الخادمة بينما علق نظر سارة علي ذلك المطبخ الواسع ، وعلي أصناف الطعام العديدة القابعة أمامها ،اقتربت قليلاً ثم جمعت بعض الأغراض لتعد فطوراً تقليدياً، ولكن الشيطان تسلل إلي خلايا عقلها. .... زبدة الفول !!ماذا لو أضافت القليل أو ربما الكثير لتقتله وينتهي الأمر؟!!
                   ************
وضعت الطعام قبالته ثم ألقت نظرة سريعة علي المتحلقين حول الطاولة الضخمة الممتلئة بالطعام عن آخرها ، نظر سداد إلي الصحون الموضوعة أمامه ثم بدأ يقلب الشوكة بين أصابعه ،
_ اجلسي إلي جانب زوجكِ أيتها الكنة
قالتها العجوز خالعة قناع القسوة لعدة دقائق ، جلست سارة في الكرسي المجاور لسداد تراقب يده ترتفع إلي فمه يهم بتناول طعامه
_ لا تفعل !!
حدق الجميع بوجه سارة لدقائق ، بعد جملتها الأخيرة ثم قال سداد متعجباً
_ لا أفعل ماذا؟
_ لا تتناول ذلك الطعام
_ لماذا ؟؟
_ ملحه كثير
_ ولماذا جعلتِ الملح كثيراً إذن
_ أياً كان طعمه تناوله يا عزيزي إنه من يدي زوجتك
قالتها الجدة فرفع سداد الطعام واضعاً إياه في فمه ماضغاً إياه ببطء ، أما سارة فقد بدأ ضميرها يسبها، ربما يموت بالفعل ، حينها تكون قاتلة ، لم يكد سداد يبلع لقماته حتي ضرب الطاولة بيده ، ثم ألقي الطبق إلي الأرض فتفتت إلي أجزاء ؛فانتفض جسد ساره فزعاً
_ لماذا كسرت الطبق أيها الصبي
قالتها الجدة غاضبة فحدق سداد في عيني سارة بقوة ، إن أخبرهم أنها وضعت الكثير من زبدة الفول في طعامه ، ستقتلها الجدة
_ ملحه سئ ، طعمه ليس جيداً
قالها ثم ترك الطاولة مبتعداً، بينما تنهدت الجدة ببرودة أعصاب ثم نادت الخادمة لتنظف ما بعثره سداد بينما تنهدت سارة بارتياح بعد أن صفح عنها سداد
_ لماذا لازال هذا الولد يذهب إلي الجامعة يا نيرمين
وجهت الجدة حديثها لوالدة سداد فارتبكت المرأة ثم تلعثمت بالحديث
_ ماذا تقصدين ؟
_ أقصد أن عليه ترك الجامعة هذه الفترة ، فهو شهر عسله كما تعرفين
_ لديه محاضرات مهمة لا يمكن تعويضها في وقت لاحق
_أنا أيضاً  لدي دروس مهمة لا يمكنني تضيعها
قالتها سارة مندفعة دون تفكير فتوقف الجميع عن الحركة وكأنها تفوهت بكلمات بذيئة
_ السيدة في عائلتنا ليس لديها  سوي بيتها وزوجها، لا تنشغلي بالتفكير في أمور الدراسة وما شابه
قالتها الجدة في غضب فأردفت سارة بإندفاعها المعهود
_ ولكني لست سيدة بعد ، لست شابة حتي ، إنني طفلة
_ لا تغضبيني ، افهمي بالكلام كي لا تتحدث عصاتي بدلاً عني !!
عقدت سارة حاجبيها غضباً ثم تركت الطاولة مسرعة قاصدة أحد الأركان لتلتجئ إليها ، ثم جهشت بالبكاء، علي أي حال فلا أحد يلاحظ هنا إن كانت تبكي أم لا ، إن كانت مريضة أو بحالٍ جيدة ، لا أحد يهتم ..لا أحد هنا يراها كطفلة بل يرونها كامرأة كبيرة صالحة للزواج
_ من أنتِ
جاء صوت طفولي إلي مسامعها يخفف عنها ، رفعت رأسها فرأت طفلة بملابس رثة تقف قبالتها
_أنا سارة ، من أنتِ
_ أنا خديجة ابنة الخادمة ، هل أنتِ العروس الجديدة التي أحضرها أخي سداد
_ لست عروساً ولا أرغب في أن أكون عروساً قالتها بينما ازداد بكاءها بكاءاً
ربتت الطفلة علي كتفها مواسية إياها ثم ابتسمت بعفوية
_ لقد صنع أخي سداد أرجوحة في الخارج ، هل تلعبين
_ ليست لدي الرغبة
_ رجاءاً إن كنت لا ترغبين ، فتعالي لتدفعيني ....
أرجوحة !! لقد تذكرت سارة أنها لا تزال طفلة ترغب باللعب والطيران مع الأرجوحة صعوداً  وهبوطاً بعد أن أقنوعها أنها امرأة كبيرة ، نهضت سارة ملبية دعوة الصغيرة ثم سارت بمحاذاتها ، حتي دفعت الصغيرة الباب فاتحة إياه ، وقبل أن تخرجا كانت الكارثة في طريقها للحلول ......اصطدم الباب بتلك الطاولة الصغيرة التي انتصبت فوقها مزهرية ضخمة تفتت إلي قطع حال سقوطها ؛ ففغرت الطفلة فاها مناظرة سارة في هلع
_ ستقتلني السيدة ، إنها مزهرية العائلة الأثرية
قبل أن تجد سارة الوقت للتفكير في حل كانت الجدة في طريقها إليهما تتعكز ببطء بينما بدأت الصغيرة بالبكاء
_ من كسر هذه؟؟
قالتها الجدة صارخة بينما انتفض جسديهما ، اختبأت الصغيرة خلف سارة بينما بدأت أواصل سارة ترتعد
_ أنا كسرتها !!
قالتها سارة مستمدة بعضاً من شجاعتها ،بينما اتسعت عينا خديجة لقولها !!...
_ هل تعلمين قيمة تلك المزهرية المادية والمعنوية ؟؟ يا لكِ من وقحة ، فعلتها عمداً لأننا رفضنا تعليمك
_ أقسم أني لم أقصد
_ أنا أعرف كيف أعاقبك ، خديجة جيئيني بعود ثقاب
قالتها الجدة آمرة خديجة فاستمرت خديجة في البكاء دون تحريك ساكن ، قبل أن تكرر الجدة أمرها جاء أحدهم حاملاً أعواد الثقاب،إنه سداد!! ربما جاء ينتقم من سارة علي فعلتها هذا الصباح .....أعطي سداد لجدته أحد الأعواد فأشعلته يتطاير الشرر من عينيها تنوي إحراق يد سارة ، ولكن العود انطفئ حال إشعاله ، نظرت الجدة إلي سداد فناولها عودٌ آخر فانطفئ الآخر بدوره ...إنه سداد ينفخ فيه فيطفئه
_ هل تسخر مني أيها الصبي لماذا تطفئه ؟؟
_ ربما لأن العبث بالنار خطير
_ ما الذي تقوله أيها الفتي
_ جدتي أنا لا أسمح لك
_ بأي حق تحدثني بهذا الشكل ؟؟
_ لدي الحق ، لأن من تنوين إحراق يدها هي مع كامل أسفي زوجتي ..
_ خذها إلي غرفتها إذاً وعاقبها كما يجب كي لا أعاقبها أنا إذاً
قالتها ثم ابتعدت ضاربة الأرض بعكازها بينما تنهدت سارة براحة
_ أخي سداد ..أنا كسرتها لاذنب لحضرة العروس
_حضرة العروس !!
قالها سداد ساخراً بينما يقترب من خديجة
_ لا تعاقبها لم تكن تقصد
قالتها سارة واقفة كحائل بينه وبين سارة
_ابتعدي عن طريقي
_ لقد قلت أنها لم تقصد
_ ما شأنكِ علي أي حال ، لماذا تتهمين نفسك بدلاً عنها
_ ولماذا أطفئت عود الثقاب أنت؟
صمت سداد متجاهلاً سؤالها ثم استخرج بعض الحلوي من جيب بنطاله
_ خديجة ، خذي هذه ، وكوني حذرة فيما بعد
قالها ثم وضع قبلة علي جبين خديجة وابتعد ، بينما انتصبت سارة تراقبه في دهشة ، يبدو أن هناك قلباً داخل ذاك الشخص الحجري ...




زوجتي في الخامسة عشر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن