كانت تضغط على يده السمراء القوية بيدها البيضاء الضعيفة تحاول أن تستمد أكبر قدر من القوة منه والتي ستساعدها على مواجهة الصعوبات اليومية التي تعانيها في كل ثانية وكل دقيقة بينما وشعت رأسها فوق كتفه و عينيها تنظران للمكان الفارغ لا يهمها أي شيء سواه هو فقط.
رفع عمر رأسه لأعلى لينظر للفراغ الذي أمامه وشعر بنفس شعورها ثم حرك عينيه لينظر لها ليتقابل في مرآه شعرها الأحمر الناعم فسحب رائحته إلى داخله ثم طبع قبلة عميقة فوق رأسها و ضمها إلى صدره أكثر ليطمئن لوجودها و يشبع منها و من رائحتها الذي أدمنها في حين أن الفتاة لم تعترض أبداً و بادلته العناق كذلك.
أخذ شاه السمر شهيقاً عميقاً من أنفه ليطلق زفيره في تنهيدة طويلة حيث زاد من ضمها إلى صدره حتى آلمتها أضلعها من شدة عناقه و لكن لم تأبه لذلك و تابعت ضمه فهما كاللذان وجدا جنتيهما من بعد مشقة سنوات فكيف يرفضان عناقاً يزيل كل الشوق و كل الألم الذط عاشاه في الفترة الأخيرة.
لم تكن جيدة هو يعلم ذلك لأنه كان يعاني هو الآخر، كان يعاني بقدرها تماماً فكان يشتاق لها جداً لدرجة أنه لا يستطيع انتظار مكالمة ليلية منها و يذهب إلى البيت التي تسكنه يكتفي بالنظر على ظلها على الستار الأبيض للنافذة بالساعات بدون تعب.
- جئت إلى بابك ليلة أمس... أردت طرقه و لكني تراجعت.
رفعت الفتاة رأسها عن كتفه فور سماع صوته لتنظر مطولاً إلى وجهه تنتظر منه أن ينهي كلامه وتتفاعل بملامحها مع كل كلمة تخرج من جوفه إلى أن أنهى جملته وفي النهاية تكلمت هي حيث غطى قلبها كومة من المشاعر.
- ليتك أخبرتني...
نظر السنيور إلى عينيها البندقيتين ورسم ابتسامة بسيطة على شفتيه حيث رفع يده ليلامس بشرتها البيضاء الرقيقة بأنامله السمراء الطويلة.
- كنت منشغلة مع إمينة فقلت ألا أتعبك أنا أيضاً.
نظرت دفنة لوجهه تقرأه و تقرأ تعابيره الحزينة التي حاول إخفاءها بشتى الطرق و لكن لم ينطلي عليها تمثيله فقد ينطلي على الجميع عداها.
هي موقنة بشدة أنها متضررة مما حدث معهما و لكن هي مقتنعة أنه قد تضرر أكثر منها.
عمر قد اعتاد على وجودها و وجود طفلتهما في البيت، فهما زينة بيته التي أضاءت ظلماته و لكن اختفت فجأة من حياته و عاد لوحدته مجدداً، يقضي كل الأوقات وحيداً بدونهما و يشتاق لهما كثيراً و في بعض الأوقات لا يستطيع أن إزالة شوقه بأي طريقة و هذا يدمره بالتأكيد.
- ليتك تتعبني...
ولهذا لم تأبه دفنة بأي اعتراض على مجيئه حتى باب بيتها بل اقتربت منه و طبعت على شفتيه قبلة بسيطة ثم طوقت ذراعيها حول جسده الضخم و استنشقت من عطره الذي يجعلها ثملة.
- Çok özledim seni Ömer... Çok!
"اشتقت لك كثيراً يا عمر... كثيراً!"
وضع عمر ذقنه فوق كتفها و طوق ذراعيه حول جسدها الهزيل بقوة يزيل كل الآلام و الأشواق في ذلك العناق القوي و نظر إلى الفراغ يسترجع ذكريات ما حدث في اليوم الذي افترقا بسببه.
حينها كانا معاً، يريان بعضهما البعض في أي وقت و أي زمن يريدانه و لكن الآن، الآن يشتاقان لبعضهما البعض ولا يستطيعان البقاء معاً!
..............................................
في ظلام الليل العميق عم الهدوء العادي و اليومي لهذا الوقت فكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل و قد نام كل سكان هذا البيت بما فيهم طفلة المنزل الجميلة إمينة.
وقد دخل الزوجين ايبليكجي في نومٍ عميق منذ مدة طويلة و لكن شيء ما أزعجهما و قطع عليهما نومهما العميق ليوقظهما مفزوعين من النوم ينظران بعيونٍ متسعة و مندهشة و ذعر منتشر فوق ملامحهما النعسة.
- ماذا هناك؟!
- هاتفي يرن...
- من يتصل في هذا الوقت؟
- لا أعرف...!
نهضت ذات الشعر الأحمر من مكانها بوجهٍ مذعور تحاول النظر في الظلام و البحث عن هاتفها الخلوي الذي كان يرن باستمرار دون توقف و لكن كان ذلك دون فائدة حتى استوعب السينيور ذلك و ساعدها بفتح الإضاءة المجاورة له.
طال رنين الهاتف و في الحقيقة كان ذلك كافياً لإيقاظ طفلتنا الصغيرة إمينة و بكائها من الذعر و الانزعاج فنهض عمر بسرعة ليصل إلى طرفها بينما انشغلت دفنة للرد على الهاتف.
- إنها نيهان...
أجابت دفنة صديقتها بينما ازدادت نبضات قلبها إثر الصدمة من اتصال نيهان المفاجئ والغير متوقع في هذا الوقت من الليل.
- ماذا هناك نيهان؟!
سردت نيهان كل الأحداث الواحد تلو الآخر ولم تترك لدفنة المجال لتتكلم ثم أغلقت الهاتف لتترك دفنة متسعة العينين مصدومة مما سمعته منذ ثواني.
انشغل عمر بابنتهما للحظة ولم يلاحظ ما تمر به زوجته لأنه لم يسمع صوتاً منها و لكنه التفت في اللحظة التالية لينظر لها بفضول لمعرفة لماذا توقفت عن التكلم وإذ به يراها في حال يرثى لها فانتفض باتجاهها حيث وضع يده فوق كتفها ينظر إلى وجهها بقلق.
- دفنتي... هل أنت بخير؟ ماذا حدث؟
لم ترد دفنة عليه و ظلت محدقة بالفراغ بعينين متسعتين لا يستوعب عقلها ما سمعته قبل قليل و تكاد تشعر بنفسها حتى أنها قد شعرت انها مازالت تحلم حلماً غريباً بسبب استيقاظها من النوم فجأة.
مرت عدة ثواني و هي بهذا الحال، لا تسمع أي شيء مما يقوله السينيور و لا تشعر بلمسات يده لأن الصدمة كانت قوية عليها حتى شعرت أخيراً باسترجاع حواسها بعد فترة فخسرت توازنها و كادت أن تقع أرضاً و لكن أمسكها زوجها من ذراعها و أجلسها فوق السرير.
- دفنة، حبيبتي.. ماذا يحدث لك يا روحي؟ ماذا أخبرتك نيهان؟
سمعت صوته أخيراً فرفعت عينيها لتنظر له و الدموع تملأ عيونها فزمت شفتيها و بللتهما و هي تذرف أولى دموعها و تقول بشهقة باكية:
- لقد... لقد نقلوا جدتي إلى المشفى!
........................................
كان الجميع في غرفة المشفى الخاصة ينظرون لجسدها المستلقي على الفراش الأبيض بعيونٍ يملؤها الحزن و الأسى لرؤيتها بهذا الشكل.
كان الصمت يعم المكان حتى يظن المارئ بجانب الغرفة بأنه لا يوجد أحد فيها و لكن بالعكس، كانت الغرفة مكتظة حتى في هذا الوقت المتأخر من الليل.
رفع إسماعيل رأسه لينظر على توركان النائمة و لم تستيقظ بعد و تذكر ما قاله الطبيب حول حالتها و كيف سيستغرق استيقاظها فترة و قرر أن يتكلم ليضع حداً لهذا القلق و هذا الحزن الذي يعم المكان و يسكن قلوب الجميع.
- لقد سمعتم الطبيب و تدركون جيداً أنها ستكون بخير، هيا الآن إلى بيوتكم و في الصباح تأتون لتروها.
لم يحرك أحدهم ساكناً فاضطر الرجل التحدث إلى أعقلهم حين شعر أنه أكثرهم فهماً و تفكيراً.
- عمر، هيا خذ دفنة و ارحل... لن يفيد انتظارنا هنا بشيء.
حرك عمر نظره لينظر لزوجته و حين رأى حالتها أشفق عليها و لم يرغب برؤيتها بهذا الشكل فقرر أن يحاول إقناعها بالعودة إلى البيت كما قال إيسو وفور بدء الكلام معها منعته من إتمامه حتى.
- دفنة...
- لن أذهب إلى أي مكان قبل أن تستيقظ جدتي.
أخبرته باختصار ما تريده و لم تقبل النقاش لأنها ليست في حال يسمح لها بذلك فنظر عمر لها لثواني معدودة و حين أيقن أن التفاوض معها لن يجدي بنتيجة سليمة حرك رأسه ناحية إيسو و هز برأسه يميناً و يساراً يخبره بأن لا فائدة مما يحاولان فعله فتنهد إيسو بأسف و حرك رأسه ناحية صديقه و زوجته.
- هيا نيهان، هيا... عندك طفل بعمر السنة وحيداً في البيت.
رفعت نيهان رأسها حين استدركت أنها قد تركت ابنها الصغير مع أخت زوجها الصغيرة التي بالكاد قد تعتني به بسبب قلقها و تشوش عقلها بما هو أهم فهمست بصوتٍ خافت:
- نسيت أمر إيسو كلياً...
حركت رأسها لتنظر له ثم إلى زوجها فوضع يده فوق يدها ليطمئنها بأن ما تفعله هو الصحيح.
- اذهبي أنت حبيبتي، إيسو بحاجة لك... وغير ذلك، لا نترك إسرا وحدها في البيت.
- في الأساس عائشة جول معها و لكن ليكن، يجب أن تذهب نيهان إلى البيت كذلك.
تكلم إيسو يضيف كلاماً مطمئناً لهم كي لا يقلقوا و صمت للحظات ثم فتح فمه ليتكلم مجدداً موجهاً كلامه إلى صديقه الذكر.
- أنت على الأغلب لا تريد الرحيل سردار؟
اكتفى سردار بهز رأسه بثقة فتنهد إيسو بتعب من محاولة إقناعهم بالرحيل. هو أيضاً لم يكن ينوي الرحيل مثلهم لولا لاحظ تعبهم وإجهادهم وذعرهم.
- سأوصلك أنا نيهان وأيضاً...
توقف حين تذكر أن هناك عضواً مهماً داخل هذه الغرفة يحتاج أن يرحل هو الآخر ألا وهي الصغيرة إمينة التي لم يستطع والديها تركها وحيدة في البيت بالطبع واضطرا أن يحضراها إلى هنا و الآن هي نائمة في فوق ذراعي والدها لا دراية لها عن المكان التي هي فيه أو عن ما يحدث من حولها.
- عمر، لآخذ منك إمينة كذلك... لترتاح هي طالما والدتها لا تريد الراحة.
نظر عمر إلى طفلته بطرف عينيه ثم مسح على شعرها بلطف حين أيقن كلام الرجد فاقتربت منه نيهان هذه المرة وتولت مهمة حملها إلى حضنها فحركت دفنة رأسها تنظر لصغيرتها التي كانت في حضن صديقتها فعدلت الغطاء الذي غطوها به و نظرت لعيون نيهان بعيونٍ يملؤها القلق.
- أرجوكِ انتبهي لها نيهان...
- لا تقلقي عليها.
رحل كلاً من إيسو و نيهان و معهما إمينة الصغيرة و ترك الثلاثة الآخرين ينظرون لتلك المرأة النائمة غير قادرين على توقع ما سيحدث معها من بعد ذلك.
أما عن دفنة كانت لا تستطيع التفكير بشكلٍ سليم. فكيف لتلك المرأة التي حدثتها بالساعات في الهاتف ليلة البارحة قد تصبح طريحة الفراش بهذا الشكل المقلق.
- ماذا حدث لها كي تصبح بهذا الشكل يا أخي؟
بعد فترة من الصمت قررت ذات الشعر الأحمر أن تتكلم و تكسر هذا الصمت موجهة الكلام لأخيها الذي كان غارق في أفكاره و ذكرياته التي تحتضنه مع هذه المرأة و عندما وجهت دفنة ذاك السؤال رفع رأسه لينظر لها و قد رسم على وجهه علامات الذعر.
- ماذا حدث؟ وماذا كنتما تفعلان أثناء ما حدث؟
نظرت له بحدة كأنه من سبب إغماء جدتها و مكوثها على ذاك الفراش بهذا المنظر.
- دفنة... حبيبتي لا تقولي ذلك.
- ماذا أقول أنا؟ أنا أتساءل عمر... ألا يحق لي أن أتساءل على الأقل؟!
أدمعت عينيها وشعرت بقلة الحيلة لرؤية جدتها بهذا الشكل فشهقت باختناق و نهضت من مكانها لتخرج من الباب فنهض عمر من خلفها بسرعة حتى يلحق بها.
- دفنة، دفنتي... توقفي!
هرول عمر من خلفها كي يمسكها و لكنها كانت سريعة لا تريد التوقف فلم يستسلم السينيور و تابع اللحاق بها يزيد من سرعته كل ثانية حتى استطاع أن يمسك بساعدها في النهاية عند باب مخرج المشفى.
دارت جسد دفنة إثر إمساكه لها حتى اصطدمت بصدره فتوقفت عن المحاربة وعن الركض وتشبثت بقماشة ملابسه وراحت تنحب في صمت.
تنهد شاه السمر ورفع يديه ليضع واحدة فوق مؤخرة رأسها و الأخرى فوق كتفها بعد ما طوق ذراعه حول ظهرها.
- روحي...
تنهد عمر بحزن حين شعر بدموعها التي بللت عنقه فابتلع لعابه ليطوقها بشدة رغبةً منه أن يمنعها من البكاء فقد أضعفه رؤيتها هكذا بعد فترة كبيرة لم يرها بهذا الحزن و الضعف و لكن رغم ذلك تجاهل ما شعر به و طلب منها أن تفعل ما سيريحها.
- ابكي دفنتي... ابكي قدر ما تحتاجيه.
كانت قوية و لا تبكي بسهولة و لكنها كانت تحتاج لحظة الضعف تلك.
كانت تحتاج ضعفها بجانبه!
فازداد نحيبها و طوقت جسده الضخم بذراعيها النحيلين تبكي و تخرج كل الدموع الحبيسة في تلك العيون البندقية.
أنت تقرأ
Cinderella And Her Prince
FanficRicorda stanotte, perché è l'inizio di tutto! ﺗﺬﻛﺮ ﻫﺬﺓ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻛﺒﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ! بعد الفراقات و الأحزان و الآلام التي تعرض لها عمر و دفنة يحق للزوجين أن يعيشا بسعادة مع أطفالهما. عمر و دفنة من بداية خطبتهما الثانية و حياتهما اليومية سوياً و حبهما...