الجزء الخامس و الثلاثين

1K 20 9
                                    

مر شهرين على الجنازة، التي دفنت فيها كل من انيكا و والدتها وسط حزن شديد من أصدقاء انيكا، والدها، اختها، عائلتها و عائلة زوجها، و الأهم من ذلك زوجها الذي دفن قلبه معها في نفس اليوم و في نفس اللحظة، تعافت غوري من الإصابة، تطورت علاقتها مع اوم الذي لم يتركها ولا يوم منذ وفاة اختها، حتى أنهما قد خطبا، كذلك بالنسبة لرودي و بافيا، هما كذلك قد خطبا، و تطورت علاقة بريانكا بروهان و سوميا بموهيت، تحسنت حالة فاردان، لكن الحزن لا يفارقه ابدا. أما بالنسبة لشيفاي، فلقد أصبح جمادا، باردا، خالي المشاعر، قاسي، لا يحدث احد، أصبح يعيش بلا هدف في الحياة، يعمل في الشركة دون راحة، و بعدها يذهب إلى بيت المزرعة و يظل فيه ليحلم بها، كما يفعل كل يوم، يحلم بها و هي تحدثه و هي تضحك معه، و هي تقبله او تعانقه، يحلم انها مازالت حية، و كل يوم تحكي له كيف مر عليها نهارها، احيانا تضحك احيانا تبكي، أصبح يعيش في عالم الأحلام، حاول الجميع إعادته لما كان عليه، لكن لم يستطيعوا فعل ذلك، لقد كان فقد حياته فعلا.
في يوم، ذهب إلى منزل اوبروي، و تلك كانت أول مرة يذهب فيها إلى هناك خلال ذلك الشهرين، كانت تلزمه ملفات معينة من أجل شركته، و كانت في غرفته، دخل إلى الغرفة و اتجه إلى الخزانة يبحث فيها عن تلك الملفات، فوجد بين أغراضه لوحة إلكترونية، تلك التي استعملها لتتبع أثر انيكا في عملية سيدهارت، شقت ابتسامة خفيفة ثغره، أخذها بين يديه و جلس على حافة السرير و بقى يتأمل فيها، أشعل الجهاز، و دخل إلى برنامج التعقب، كان يامل ان يجد إشارة من جهاز التعقب الذي في يدها، رغم انه يعلم أن ذلك مستحيل، لكن زاوية في قلبه ترغب بذلك فعلا، انتظر ان يشتغل البرنامج، ثم آفاق على نفسه قائلا: انت جننت يا شيفاي! ماذا تنتظر؟ ان تظهر اشارتها و تذهب لها؟ مع انه لو ظهرت حتى و لو كانت في الجحيم لركضت إليها دون تردد او حتى تفكير في الأمر!
ضحك ضحكة ساخرة على حاله التي أصبح يشفق عليها، هم ليضع الجهاز جانبا و ينهض ليكمل ما أتى ليفعله، لكن اوقفه البرنامج الذي اشتغل، لينطق البرنامج بصوت انثوي آلي قائلا: ان موقع الجهاز في منطقة *****
تجمد شيفاي مكانه، اجتاحته مشاعر كثيرة، لم يفهم ماهي، صدمة، مفاجئة، خوف، قلق، فرح، سعادة، حزن... لم يعلم ماذا يفعل، تعقد تماما، انشلت وظائفه الحيوية، تغيرت وتيرة تنفسه، لا يستوعب ماذا يحدث، تمر في رأسه الكثير من الاسئلة: أيعقل انها مازالت حية؟ ايمكن ان يكون ما حدث قبل شهرين كذبة؟ او انه الجهاز أخطأ؟ او يمكن حتى أنه تعقب جهازا اخر؟
نفض تلك الأفكار من راسه و اخذ الجهاز بين يديه من جديد، نظر إلى موقع تواجده، فتفاجئ انه في المزرعة التي كان فيها، أخذه و ركض فورا خارج المنزل تحت أنظار الجميع المستغربة. ركب سيارته و قاد نحو المزرعة بسرعة. بعد مدة وصل إلى هناك، نزل من السيارة و ركض للداخل، تتبع موقع الجهاز، فوجده فوق طبق الفواكه في المطبخ، اقترب منه و أخذه بين يديه، و انزل راسه بخيبة امل اسفلا، كم تمنى ان يجدها واقفة هناك أمامه، دمعت عيناه و هو يتذكرها من جديد، ثم جلس على الأرض و اطلق العنان لدموعه التي حبسها طيلة شهرين منذ وفاتها، أصبح يبكي كالطفل الصغير الذي فارق والدته.. ظل هكذا لدقائق، و فجأة توقف عن البكاء، أغلق عينيه و سحب نفسا، فلقد تخللت رائحتها التي اشتاق إليها أنفه، سحب نفسا عميقا و طويلا جدا، خوفا ان تختفي تلك الرائحة ما أن يزفر! زفر بعد ذلك لضرورة فعل ذلك، و هذه المرة خاف ان يسحب ذلك النفس فيجد ان الرائحة اختفت، فقرر ان يتنفس ببطء، كي لا يصدم ان لم يجدها، فاخذ يسحب نفسه ببطء شديد، ليلاحظ ان الرائحة أصبحت قريبة منه جدا، وقف فورا، ثم التفت وراءه، ليشهق و يترنح ليعود خطوتين إلى الوراء، رآها أمامه مبتسمة بشوق وسط دموعها، كانت واقفة أمامه، مرتدية ثوبا ابيض فضفاض، ذو حمالات رفيعة، فيه حركة خفيفة من الأسفل، الذي يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل

ملائكة الواقعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن