جزء _٣٣_
الأشياء إلتي نفتقدها في الصغر تكبر معنا ، من قال أننا عندما نكبر تصغر الأشياء إلتي لطالما حلمنا بها ، الأشياء الرائعة إلتي لن تكرر كـ وجه الأم و صوت الأب، و الحضن إلذي قاتلنا ليالي الفقد بشراسة كي تأتينا بهِ و لم تأتِ به ،جميعها تكبر معنا .
_____
كان شريط الذكريات يُمر ببطء في مخيلة كاظم ، عندما أغلق الهاتف كانت الساعة تُشير إلى بعد منتصف الليل ،صوت رحاب و نور كان ممزوج في أذنه و هو يُعيد ترتيب المشاهد ،
كانت سهاد تتوسط كُل الصور في مخيلته .حمل علبة سكائره من فوق الطاولة ،تقدم نحو النافذةِ ، فتح النافذة على مصرعيها ،سامحًا لهواءِ لندن البارد إلذي يأتي باردًا بنكهة الربيع في نهاية شهر نيسان أن يمر من خلاله ثم يدور بأرجاءِ الغرفة ،فتح علبة السكائر ، أخذ سكارة و قام بتمرير عقبها على شفتيه ببطء ، مررها مرات عديدة و هو يجول بذاكرته ،لعق مؤخرتها ثم قام أخيرًا بحرقها ،كأنه يحاول احراق صورة عالقة في ذاكرته .
سحب نفس عميق و بعد ثواني نفثه خارج النافذة ، كان يطرد معه شياطينه إلتي توسوس في رأسه .
للحظة أغمض عينه ،عاد لشتاء عام ١٩٩٣ ،عمان الأردن .
هو واقف يطرق باب شقة أهل سهاد ،.
عاد إلى تلك اللحظة إلتي كانت فيه قدماه
ترتجف من العصبية والخوف وهو يستمع لسهاد وهي تقول "أني ما اريدك بعد ،لازم تطلكني "كان يرتجف ، يرتجف لفكرة فقدانها و رحيلها عنه بتلك الطريقة غير المفهومة .
كان يصرخ بوجهه "وين حبچ ، وين وعدج نظل طول العمر سوا ، بنتج المن تعوفيها "
كان كُل شيء في ذلك اليوم هستيري ،فقد كانت سهاد متخذة قرار الانفصال او الهجر لا يفرق لديها شيء ،المهم ان تبتعد عن كاظم و عن بغداد و العراق ،وكان كاظم يحاول التشبث بها بكُل الطرق .
لم يكن السفر وقتها أمرًا سهل من كل النواحي ،المادية و السياسية و الاقتصادية ، تكبد عناء السفر و ذهب إليها كي يتوسلها العدول عن قرارها و العودة معه . لكنها لم تستجيب .
قرار سفرها مع اهلها جاء مع سهولة سفرها بفعل مركز والدها في الدولة ، والذي بدأ بفكرة تغيير جو لها بعد أن تغيرت نفسيتها بعد أنجاب نور ،
فقد أصبحت اعصابها معطوبة و كثيرة المشاكل و التذمر ،وافق كاظم بسهولة ظنًا منه هذا حل لنهاية مشاكلهم ، لم يكن يعلم أنها كانت تخطط للرحيل الأبدي .
عاد كاظم بعد عشرة أيام من عمان وهو محطم الفؤاد و مخذول ، طلق سهاد بعد ان فشل بأن يُعيدها معه ، الطلاق تم بعد ان تنازلت هي عن حضانة نور و حقوقها .
لم يشعر إلا و سيكارة تحرق اصابعه ، رماها و أخذ الأخرى ،أشعلها و كأنه يُريد أشعال هذا الشريط بأكمله .
أنت تقرأ
ترجية بيبي رحاب
Romanceرواية ما بين الماضي و الحاضر ، بين بغداد الماضي و بغداد اليوم ، ورحاب الذكريات و نور المستقبل ،شخصيات كثيرة و حوادث كلها تدور ما بين الحب و الفراق والموت .