( 16 )
_ أنج من هذا ! _
أطلق "ريّان" نفخة قوية فوق سطح إحدى رفوف المكتبة الفخمة العامرة بالكتب المتنوعة، تطايرت ذرات التراب عن صف من المجلدات الضخمة الخاصة بالأدب النسائي الرديئ.. ليجد ضالته بالمنتصف تمامًا رواية عنوانها fifty shades of grey ( خمسون ظلًا للرمادي )
أفتر ثغره الدقيق عن إبتسامة صغيرة، و فورًا مد يده و إلتقط الكتاب، حمله و غادر مكتبة العائلة الثمينة التي تحوي أهم و أفضل الكتب من حيث الندرة و الجودة المتفاوتة.. توجه مباشرةً أسفل بنية المنزل قاصدًا مستودع الخمور و المشروبات الكحولية المعتقة
إستخرج قنيقة مخصوصة جدًا، كانت مهداة إلى والده منذ ردحًا طويلًا من إحدى جميلات مدن الضباب خلال سفرته الترفيهة حول أوروبا ...
كان زجاجها الكريستالي يعكس لون السائل الذهبي البراق بداخلها.. أجل ها هو، مشروب "الأوركية" الفاخر و المستخلص من ( التفاح - التوت - البرقوق - المشمش - الإجاص - التين - الكرز ) و مجموعة أخرى من الثمار اللذيذة النادرة ..
إنه يوم مناسب تمامًا ليحتسي هذا الشراب الفريد من نوعه، و خلال قضاء بعض الوقت بالمطالعة الترفيهية أيضًا، صحيح أنه لن يتذكر ما سيطلع عليه، سيذهب الخمر بعقله كالمعتاد.. لكن، أليس هذا مراده ؟ إنه بحاجة للإلهاء... و لو القليل من الإلهاء، فمن قال عن "ريّان البارودي" أنه غليظ القلب قد أخطأ، حتمًا أخطأ، اليوم قلبه متأذٍ، إن لم يكن مفطورًا
لماذا ؟ ربما لأنه تخلى بملء إرادته عن ثاني فتاة أحبها حبًا صادقًا في حياته.. الأولى تخلى عنها أيضًا قبل خمسة أعوام، و هي الآن متزوجة و أم لطفلتين جميلتين مثلها تمامًا
أما الثانية التي أنهى علاقته بها منذ عدة ساعات فقط.. قد تركها بشكل فجائي قاسٍ متعمدًا إيلامها، حيث أنه أخبرها بمنتهى البساطة أنه قد مل منها و من صحبتها، و أنها لم تعد تثير إهتمامه أو أيّ شيء بداخله ...
بالطبع كان يكذب، لكنها صدقته، و بكل سهولة تحول حبها له إلى كراهية شديدة ظهرت بوضوح في كلماتها و نعوتها التي وجهتها إليه بعنف يغلفه الألم... و هكذا إنفصلا بعد قصة حب ملحمية دامت لثلاثة أعوام، و لعل حبه الثاني هذا كان أقوى بكثير من حبه الأول
لقد تركها و قلبه يتمزق إربًا، ليس بيده حيلة، من يصدق ؟ "ريّان البارودي" يعجز عن الظفر بمناله، و لكن هذا المتوقع رغم كل شيء، تقاليد العائلة اللعينة تحكم قيودها على أفرادها و تفرض عليهم الشقاء و التعاسة الأبدية، و الأمثال كثيرة لا حصر لها، نساء و رجال العائلة جميعهم لم يربط بينهم رباط إلا الزواج، و لا شيء غير الزواج، لم يأنسوا بحب و وئام، و لم يعرفوا طعمًا للسعادة إلا الذين إنحرفوا عن ذلك المسار الشاذ و تمردوا على الأعراف الرجعية.. و لكن كيف كان ينتهي بهم الأمر ؟