( 10 ) _ دفء ! _

24.3K 890 59
                                    


( 10 )

_ دفء ! _

لقد مرت سنوات طويلة جدًا، قبل أن تحوز السيدة "ناهد" على رفاهية مفرطة كالتي تنعم بها الآن و هي تنتقل بالكرسي المتحرك من شقتها، مرورًا بالمصعد الكهربي، وصولًا إلى سيارة مخصوصة بجيب خلفي مخصوص لذوي الإعاقة أمثالها.. كان "هاشم" من أرسلها طبعًا بسائقها ليحضر الأم و إبنتها إلى منزل العائلة أخيرًا

منزل العائلة !

عائلة "البارودي"... إنها لم تكن محظوظة بالقدر الكافي لتطئه بقدميها، حتى في حياة زوجها.. لم يكن هناك مخلوقًا يعلم بأمر زواجهما أصلًا إلا عندما أصابه المرض و أخذ يقضي على حياته شيئًا فشيء

اليوم هي ذاهبة إلى هناك، و لكن من دونه، معها إبنتهما فقط، بقايا ذكراه، و زهرة شبابها و عمرها كله

"فرح"... الزهرة الشذية الجميلة، تكاد تذبل من شدة الحزن و الآسى و بسببها هي، والدتها التي دمرت حياتها و زرعت الوساوس و الشك بوجدانها لا شيء يمحو آثار المعاناة الناجمة عنهم سوى إعترافها لها بالحقيقة كاملة

إنما للآسف، هذا إختيار صعب جدًا.. و هي تفتقر للشجاعة، للكثير من الشجاعة التي تؤهلها لمهمة كهذه، و لكن إلى متى ؟ عاجلًا أم آجلًا سينكشف كل شيء، فهل ستكرهها إبنتها أكثر ؟ أم يرق قلبها بعد كل هذه القسوة التي كابدتها منها خلال السنوات العشر المنصرمة ؟

كم تتمنى الموت على أن تقف هذا الموقف أمامها، و في الوقت ذاته تخشى أن تتخلى عنها و تتركها وحيدة في عالم كهذا، الشيء الوحيد الذي يمنحها القليل من الطمأنينة هو "هاشم".. إنها تثق به كثيرًا لا تعلم كيف، و تصدق أنها لو رحلت عن الدنيا في أيّ لحظة لن تكون إبنتها بمأمنٍ إلا معه، و معه وحده ...

-نعم يا غادة. لا لم نصل بعد !

أفاقت "ناهد" من شرودها على صوت إبنتها، أدارت وجهها ناحيتها لتجدها تتحدث بالهاتف مع صديقتها، إخصائية التخاطب بالإشارة.. "غادة" ...

بدا عليها التوتر قليلًا و هي تجادلها حول أمرًا ما :

-إنها ليست سوى إقامة مؤقتة أنت تعرفين.. لا تقلقي لن يحدث شيء.. إذا كنت إلى جانبي فسأكون أكثر إطمئنانًا.. نعم هذا جيد جدًا.. إذن سأنتظرك يا عزيزتي.. حسنًا. وداعًا !

و أغلقت الخط مطلقة نهدة عميقة ...

رغم قلق "ناهد" على أحوال إبنتها، و رغم فضولها المتزايد لمعرفة أخبارها خاصةً بالفترة الأخيرة، إلا أنها لم تشأ الإثقال عليها و جلست في هدوء مكتفية بتصويب نظراتها المتفحصة نحوها.. علّها تلمح أيّ علامة تسكن من روعها

يدق هاتف "فرح" مرةً ثانية، إنها بالكاد تلتقط أنفاسها.. إضطرب قلبها بشدة عندما نظرت بالشاشة الساطعة و قرأت إسمه، تمالكت نفسها بجهد و ردت عليه فورًا ...

كيف أقول لا ... للمبدعة مريم غريبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن