تمهيد

75.9K 913 64
                                    

إللي كانوا بيسألوا عن بداية الرواية 🌹

{{ تمهيد }}

_ نظرية التلف ! _

يقول عالم النفس الأمريكي "إدوارد ثورنديك" أن الذاكرة تضمحل بمجرد مرور الوقت، يمضي الزمن و تبلى الذاكرة و تبلى قوتها و تتحلل حتى تصبح أغلب ذكريات العقل نسيًا منسيًا... إذن فلماذا لا زالت هي تتذكر كل شيء ؟

كم كان عمرها في ذلك الوقت ؟ تسعة ؟ ربما عشرة أعوام !

لا تتذكر السن تحديدًا، و ربما الذكرى نفسها مشوشة، تكاد تلوح لها من غابر الأيام.. لكن حتمًا أن وقوعها مصدقًا به، لقد مرت عليها أوقات خلال تقدمها في العمر أحبت أن تنسى ما جرى لها، أو على الأقل تتناسى.. لكن دائمًا كان هناك شيء يقظ فيها، شيء يخبرها بأهمية الذكرى و وجوب حفظها بمكانٍ ما داخل عقلها حتى حين، فقط حتى حين... إلى أن تفهمتها أخيرًا، و لكن من دون أن تصيبها أيّ صدمة، فكيف تشعر بالصدمة بعد الذي عاشته لسنوات ؟!

فكم مرة قاست ألوان العذاب لذلك الإدراك المفجع... كم مرة آكلتها مشاعر الخوف و القلق الدائم.. كم مرة كرهت نفسها و جلدت ذاتها لذنب لم تقترفه ؟؟؟؟

دائمًا ما كانت كبش الفداء لجميع المخطئين من حولها، لطالما دفعت ثمن أخطائهم دون أن يدركوا، وحدها فقط التي أدركت كل شيء.. و أبقت على الأمر برمته سرًا، تقلت بنيران الذنب و ألقيت في سعير الذكريات وحيدة

لكن مهلاً ..

لم يكن السر محفوظًا لديها وحدها، كانت أمها التي إشتركت بطريقة ما في مآساة حياتها الكبرى على دراية جيدة بالحادث... أجل حادث، فهل يمكن أن يكون له مسمى آخر ؟!!!

هبت من مضجعها بعنف فجأة حين وصلت حرارة جسمها إلى أقصى درجات الغليان، كالعادة يصير لها هذا كلما غاصت عميقًا بأفكارها الآليمة

تناولت روب قميصها و إتجهت خارج غرفتها قاصدة دورة المياه، تخلصت من ملابسها في ثوانٍ و قفزت في المغطس الفارغ، فتحت صنبور الماء لينهال عليها رذاذًا باردًا طفق يطفئ شيئًا من حرائق روحها المعذبة... جلست القرفصاء بمنتصف المغطس و ضمت ساقيها إلى صدرها

قطرات المياه المنهمرة تنقر بتناغم فوق رأسها، و مجددًا تقتحم الذكرى المشؤومة عقلها و تتراءى أمام عينيها و كأنها تختبرها للمرة الأولى ...

_____

الضجيج يملأ قسم الطوارئ، هرج و مرج يعم المكان كله، مرضى و مصابين، أطباء و ممرضين، و الأهالي و الأقرباء جميعاً في الإنتظار بالخارج... إلا هي، كانت تجلس بالزاوية فوق مقعد قابل للطي على مقربة من أمها التي راحت تباشر عملها المتقن بتركيز

كانت مجرد فتاة صغيرة، لكنها فاتنة بشكل لا يمكن تجاهله، فهي صاحبة قوام نحيل و بشرة بيضاء كالثلج، و شعر رملي اللون مجدول خلف رأسها برقة، و عينان خضرواتان مفعمتان بدفءٍ و محبة لا توجد إلا لدى الأطفال، و لكن ما هي أساساً ؟

كيف أقول لا ... للمبدعة مريم غريبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن