الفصل الثاني المطلوب من "كيف أقول لا" 🌹
( 2 )
_ عائلة ! _
ما هذا اليأس الذي تحيا فيه ؟!!!!
هل يُعقل أن يكون هناك في هذا العالم من يفكر مثلها ؟
ما هي نظرتها عن الحياة ؟ كيف ترى حاضرها و مستقبلها بناءًا على ماضيها ؟
لربما لو لم يكن لديها ذلك الماضي القاسٍ لكانت عاشت الآن حياة طبيعية كسائر البشر... لكنها لم تكن طبيعية، هي نفسها.. لم تكن طبيعية أبدًا
لطالما كانت شخصية غامضة، منطوية على نفسها، لا تجيد التواصل مع الآخرين، و مع الوقت أصبحت لا تريد، فما الذي جنته من مخالطة الناس سوى الآذى النفسي !
طمع الرجال فيها و محاولاتهم المستمرة لإستغلالها أمرًا بديهي، و لعلها تدرك السبب في هذا.. فهي الفتاة اليتيمة البالغة من العمر عشرون سنة، و الفائقة الجمال التي تعيش مع أمها العليلة في شقة مترفة بحي راقي وحدهما
لا عائلة و لا أقارب يظهرون في الصورة منذ دهور، فقط بعض الجارات اللاتي يلوكنها بألسنتهن غيرةً و حقد على اللاشيء الذي تمتلكه _ سوى جمالها بالطبع _ مما شجع بعض المتطفلين السفلة و عديمي الأخلاق بالتطاول عليها كلما خرجت من منزلها سواء باللفظ أو الإحتكاك المباشر
و مع ذلك لم تتوقف عن محاولات التصدي لهم و إيقافهم عند حدودهم بإرادة من حديد، كانت تعرف أنها تقاوم عبثًا، لكنها كانت ترى في مقاومتها لمصائبها سببًا للحياة، فإذا لم تقاوم لتنشغل عن التفكير في مآساتها فسوف تتجه حتمًا للإنتحار، إذ ليس من السهل أبدًا أن تعيش نفس الصراع المحتدم كل يوم ليلًا و نهارًا
ذلك الصراع الذي يخبرها بأنها وحيدة، منبوذة حتى من أقرب الناس إليها.. و ستظل هكذا للأبد، لن يقترب أحد منها و كأنها تحمل وباءًا مميتًا، و لكن أليست كذلك فعلًا ؟ ... إنها تكاد تشعر به... تكاد تشعر بالعار الذي وصمت به منذ سبعة أعوام تقريبًا، رغم عدم تأكدها التام من الأمر
لكن تكفيها نظرة الإقرار الخرساء في عينيّ أمها، متى رأتها.. يتبدد بداخلها كل أمل بالإنكار !!!!
-و لماذا لم تذهبي إلى عملك اليوم ؟ هل لي بأن أعرف سبب هذا التقاعس يا آنسة !
إلتقطت أذنيّ "فرح" هذا السؤال من خلفها أثناء وقوفها داخل المطبخ ذي الطراز الأمريكي و هي تعد بعضًا من القهوة ...
أمسكت بالدلة التي فرغت من الغليان حالًا و أخذت تصب السائل الغامق بكوبان من الزجاج الشفاف، حملتهما فوق صينية من النحاس المصقول و إلتفتت نحو ضيفتها و صديقتها اللدودة "غادة شكري" قائلة بإبتسامتها الرقيقة :
-تعرفين أن التقاعس ليس من شيّمي يا صديقتي الحلوة. لكن لا أخفي عليك سرًا. اليوم غلبني النعاس بحيث لم يحسن جرس التنبيه المزعج الذي أهديتني إياه أن يوقظني !