( 9 )
_ مع إيقاف التنفيذ ! _
بعد ليلة مضنية من الآرق و التفكير الطويل... رأت "فرح" أن تدفن ضيقها و غمَّها هنا في قاعة الحمام المعبأة بالأبخرة المعطرة
كانت تقف تحت الرذاذ الساخن في سكون، رافعة وجهها و مغمضة عينيها، تاركة الهموم و الأفكار السوداء تتسرب كلها مع تسرب قطرات المياه التي أخذت تمر عبر خصيلات شعرها الرملية و بين ثنايا جسمها المرمري اللدن ...
و لكن مع هذا يظل إسمه محتلًا ظلام عقلها رغمًا عنها.. مجرد رؤية إسمه يلمع داخل رأسها المعتم _ بصورة مؤقتة الآن _ لا يمنعها من تذكر الحقيقة المُرة، الواقع المحتوم، و هو الزواج منه و الذي سيتم اليوم !
في الحقيقة كان يتوجب عليها الذهاب إلى منزل العائلة حسبما إتفقت معه.. "هاشم البارودي" زوجها المستقبلي، القريب جدًا... و لكن بعد أن أقدمت على طلب الرخصة منه لكي يمهلها عدة أيام أخرى ترتب خلالهم كافة أمورها بخصوص إنتقالها المفاجئ هي و أمها، لم يمانع "هاشم" و حدد لها يومين، فهو في الأساس لا يريد سواها، و بما أنها ستستقر في عصمته فلن تكون بحاجة لمطلق شيء، لأنه ببساطة سيمنحها كل شيء.. بيت و أموال و طفلة.. و بالنهاية هو، سيكون زوجها !!!
و يا لها من كارثة.. أن تكون زوجته هو، و أن يفتضح أمرها أمامه هو، ربما لو سبقه أحد إليها و وافقت على الزواج من غيره بحالتها تلك و ذكرتها المفجعة لكان أهون عليها، حتى لو تأكد شكها، إنما أن يكون هو الكاشف.. صاحب اليد الحاسمة، لا، لا لن تتحمل
ليس لأنه من عائلتها أو قريب من الدرجة الأولى، أو حتى لأنه أعجبها و أنها للحظة أرادته بشدة كما لم تريد شيئًا من قبل في حياتها... بل الأمر أمسى أكبر بكثير مما توقعت !
أنها تخشى أن يتحول هذا لمشاعر حقيقية، لقد إعتزمت على الزواج منه لكنها أقسمت أنه لن ينالها مهما حدث، و لكن ماذا لو صار الذي تخشاه.. ماذا لو.. ماذا لو أحبته !!!!!
فرغت "فرح" من حمامها و عادت إلى غرفتها تجر أذيال الخيبة، كالعادة تفشل مجددًا، تفشل في السيطرة على أفكارها، قديمًا كانت تدور جميعها حول حادثة طفولتها، أما حين ظهر ذاك الـ"هاشم في حياتها.. أصبحت تدور حوله هو، و هو وحده، هاجسها الجديد ...
كانت "غادة" تقف أمام الخزانة تهندم فستان "فرح" الذي إبتاعته لها كهدية لهذا اليوم، عندما سمعتها تلج إلى الغرفة، إستدارت لها مبتسمة ...
-مبارك يا عروس ! .. هكذا هدلت "غادة" بسعادة و هي تلوح لها بالفستان الزهري الأنيق
أدارت "فرح" عيناها مغمغمة بضيق :
-بحق الله كفي عن هذا يا غادة.. و كأنك لا تعرفين. أنا لست عروس !
و إتجهت نحو منضدة الزينة و هي تخلع المنشفة الصغيرة عن رأسها، جلست فوق الكرسي و بدأت تمشط عقد الشعر المتشابكة، بينما تمضي "غادة" إليها قائلة :