قبل مئات السنين عاش شاب ميسور الحال يدعى ( سوار ) وكان طيباً خلوقا .. لكن كانت له زوجة كثيرة الشكوى والتذمر .
وذات يوم احتضر والد سوار فجلس سوار عند رأسه وأصغى الى آخر كلماته وهو يقول :
يا بني .. من كان مع الله ، كان الله معه .. إرضى بما كتبه الله لك تكن أسعد الناس ..
ثم أغلق عينيه ...
كان سوار شديد الحب لوالده .. وبعد وفاته قرر سوار أن يعمل بآخر وصاياه ويجعلها دستور حياته الذي لا يزيغ عنه .
فعاش راضيا قانعا بما بين يديه .. صابرا على أذى زوجته والآخرين .. ذاكرا لله تعالى في جميع أحواله .. الى أن شعر أخيرا بالطمأنينة تغمر كيانه وتمنحه الإحساس التام بالرضا وحلاوة الكون مع الله دائما .وفي أحد الايام قرر سوار أن يغير صنعته ويمارس مهنة أخرى فاستخار الله تعالى وفتح كتابه فظهرت له آية فيها كلمة تجارة .
أعاد سوار فتح القرآن مرتين وفي كل مرة يجد نفس الكلمة ضمن آية مختلفة .. فعقد العزم على العمل في التجارة فقام بأخذ قروض مالية من العديد من أصحاب الأموال الذين يعرفونه ويعرفون أبيه .. ثم سافر الى الهند واشترى بكل أمواله بضائع ثم عاد الى بلده بانتظار أن يتم شحن بضائعه اليه بواسطة إحدى السفن .عندما كان سوار والتجار الآخرون بانتظار وصول السفن .. أتت الأخبار بأن عاصفة قوية قد ضربت المضيق حيث يعبر اسطول السفن التجارية .. وأن جميع السفن السبعة قد غرقت ومن ضمنها سفينة سوار ..
أصيب جميع التجار بالصدمة وأخذوا يتباكون على خسارتهم باستثناء سوار .. فكان الوحيد بينهم المشرق وجهاً ..
قالوا له :
أجننت ..؟ ما لنا نراك غير مكترث بالخسارة خصوصا وأنك أكثرنا ضرراً لأن جميع أموالك هي قروض ويجب عليك تسديدها .
أجاب سوار بهدوءه المعتاد :
إنه أمر الله سبحانه .. لا اعتراض على مشيئته .. هو اختار لي التجارة لأمرٍ لا يعلمه إلا هو ..أخذ الدائنون يطالبون سواراً بأموالهم فاضطر سوار الى بيع البيت لتسديد بعض ما عليه من دين .. وعاش في غرفة صغيرة في أطراف المدينة مع زوجته التي ما فتئت تشبعه لوماً وتقريعا على ما حل بهما .
كان سوار يعمل يوميا وبثلاث وظائف حتى يجمع المال .. فكان يخرج للعمل قبل طلوع الشمس ولا يعود إلا بعد غروبها وقد أنهكه التعب .. فيسقط على فراشه وينام سويعات قليلة ينهض بعدها على صوت تذمر زوجته المعتاد ليستئنف العمل بلسان يحمد الله تعالى على كل حال .
كان باستطاعة زوجته أن تجد لها عملا في البيت كخياطة أو خبازة تعين به زوجها لكنها فضلت أن يتحمل سوار نتائج تورطه بالتجارة بمفرده حسب قولها .بعد عدة أيام تم إلقاء القبض على سوار لتأخره في سداد ديون الدائنين .. فاقتيد مكبلاً بالاغلال والناس تنظر إليه وأودع السجن .
وقد سأله أقرانه المساجين إن كان حانقاً على سخرية القدر فابتسم وقال :
لا يوجد ما يسمى بسخرية القدر .. بل الله عز وجل يتصرف في الكون كيفما يشاء سبحانه .. وكل ما يأتينا الله به فهو جميل لأن الله جميل يحب الجمال .
قال أحد المساجين :
أتحاول أن تقنعني ان دخولك السجن شيئ جميل .
أجاب سوار :
إنه ابتلاء من الله سبحانه ليراني أأشكر أم أكفر ..؟ فإذا شكرت عوضني الله تعالى عنه بأحسن ما يكون التعويض لأن الله هو الجواد الكريم .. وقد كان كبار الأولياء يأنسون بالإبتلاءات وكأنها هدايا الرحمن يزدادون بها قرباً من الحق سبحانه .