مشاعر..
كلمةٌ من خمس أحرف، تحمل في طياتها الكثير من المعاني..
المشاعر كونٌ ينطوي فيه كل ما يختلج بالنفس البشرية!
الخذلان..
مشاعرٌ مرة؛ تشبه العلقم في مذاقها!
البشر بارعون فيه الحد الذي يجعلك تظن أنهم لا يفقهون بشيءٍ سواه!
سواءًا كانت العلاقة مفادها صداقة أو حب؛ فتوقع خذلانك من ذلك الذي تستثنيه دائمًا.. ذلك الذي تظنه الأقرب لقلبك!
الخيانة..
أبشع ما في الوجود..
خنجرٌ ثلم يخترق القلب فيمزق نياطه بقسوة..
الخيانة بشعة..
تكسر أعتى القلوب..
هناك لحظة لا نستطيع بعدها العودة للماضي، أو إلى ما كنت عليه حينها..
هي كانت امرأةً قوية، صلدة، تجيد التحكم في مشاعرها، تعرف كيف تقوم بتطويع مشاعرها، لم تسقط أبدًا من قبل، كانت هي من تحمي رفيقاتها من سقطات قلوبهن، ولكنها سقطت..!
كانت تأكل الدرج ركضًا.. أصابها الجنون منذ أن وصلتها تلك الرسالة مجهولة الرقم.. حبيبها خائن! الوحيد الذي تنازلت وفتحت له قلبها المفيض بالعشق خانها!
كانت تكذب نفسها حتى اللحظة الأخيرة، وصلت أخيرًا لباب شقته، طرقت الباب بعنف حتى فُتح لها، تراجعت مصعوقة مما رأت.. فالخائنة كانت آخر فتاةٍ قد توقعت رؤيتها هنا والآن وبهذا الوضع! نطقت الآخرى بذعر:
-ندى!!
وهنا كانت بداية..
بداية كسر..!
تسألونني ما أقسى شيء تمر به المرأة؟
حسنًا.. هو الخيانة من رجلٍ تنازلت عن كبريائها لأجله، وذللت له حصون قلبها ليقتحمه بإرادةٍ منها ودون حرب..
وهي كانت الأقوى.. كانت تتفاخر أنه لا يمكن أن يهزمها حبها لرجل، ولكن لعنة الحب أصابتها في مقتل ولن تستطيع الشفاء منها ما حيت!
نزلت الدرج تهرول بسرعة.. تضع يدها على فمها تكتم شهقاتها.
تعثرت في ركضها، فقدت توازنها وكادت أن تسقط ولكنه تلقفها بسرعة:
-ندى خلي بالك!
قالها بتلهف لترفع هي رأسها وتواجه عينيه.. ابتعدت عنه كالملدوغة؛ مازالت لم تستفق كليًا من صدمتها بعد!
دفعته وانطلقت تعدو لخارج البناية.. ناداها وهو يتبعها:
-استني يا ندى!
التفتت له بغضب:
-عايز إيه!! أنا مش عايزة حد ممكن تسيبني لوحدي؟! أنا بكرهك وبكرهه.. أنا بكره الرجالة كلهم!!
أراد أن يعنفها.. أن يصرخ بها ويخبرها أنها من اختارت ذلك الملعون.. أراد أن يخبرها بما يكتنفه، ولكنه أبى الاعتراف؛ لأن حالتها الآن لا تسمح.
وقفت تطالع جانبي الطريق كالتائهة؛ لا تعرف إلى أين ستذهب الآن وكيف!
اقترب من محيطها قائلًا بشفقة:
-طيب ممكن تسمحيلي أوصلك؟ مش هتكلم طول الطريق ولا هزعجك!
نظرت له بخواء؛ كانت تعلم أنه قد بدأ يكنّ لها مشاعرًا من نوعٍ خاص، ولكنها تجاهلته، ولأجل ماذا؟ حجةٌ واهية ومشاعر اكتشفت زيفها منذ دقائق!
اومأت بإستسلام، ثم استقلت المقعد الخلفي في سيارته دون أن تنبث ببنت شفة.
أطل عليها عبر زجاج السيارة:
-اديني دقيقة أعمل مكالمة بس..
أغمضت عينيها، وأرجعت رأسها للخلف مستكينة؛ تحاول إيقاف شهقاتها المكتومة.
أما عنه فانزوى عنها يجري مكالمته.. اتصل بصديقه الذي أجابه بقلق:
-مصطفى؟ خير!
نطق بعجالة:
-هبعتلك عنوان ف رسالة.. تروح بيتي تاخد منار وتجيبها وتيجي عليه بس متجوش بعربيتك أنا معايا عربية
تردد علي قليلًا:
-اممم بس أنت عارف...
قاطعه مصطفى بنفاذ صبر:
-أنا محتاج منار تيجي حالا ومش هثق ابعتها غير معاك إحنا بليل يا علي مش هسيبها تيجي لوحدها! وأنا هكلمها دلوقتي متقلقش يلا سلام..
استسلم له علي:
-حاضر مسافة السكة سلام
أغلق مصطفى الخط ثم اتصل بشقيقته وأخبرها بعجالة أن تستعد للخروج وسيأتي علي ليقلها لمكانه، ثم أرسل لعلي الرسالة التي أخبره بها، وعاد مجددًا لندى.
كانت مازالت تبكي بلا توقف، ولم تشعر بعودته، تنحنح ينبهها:
-ندى..
أجفلت تنظر له بفزعٍ آلمه.. هدأها بعينيه ثم استقل مقعد السائق، وانطلق بها..
أسندت رأسها على نافذة السيارة وأكملت بكاءها.. رن هاتفها فنظرت لشاشته.. لتجد ذلك الخائن لا ينفك عن الاتصال بها! أغلقت هاتفها بعصبية وألقته من يدها بعنف، ليستقر على أرضية السيارة في المسافة الفاصلة بينها وبين الكرسي الأمامي، حيث يجلس مصطفى.
طالعها من المرآة الداخلية بشفقة، وبداخله غضبٌ مستعر لا يعرف كيف يتخلص منه.
ازدادت قبضته ضغطًا على المقود، واحتقنت عيناه.
ظل يقود بها لبعض الوقت حتى وصلا للمكان المنشود.. رفعت رأسها لتجد نفسها ليست أمام منزلها.. سألته بجفاء:
-احنا فين؟
أجابها بإيجاز:
-مش هينفع تروحي بيتك بالمنظر ده.. عارف انك بتحبي البحر جبتك تهدي وبعدين هروحك
اومأت بلا معنى؛ هي فقدت روح المجادلة ولم تقو على معارضته، كما أنه كان محقًا؛ فلم تعلق.
وصلت شقيقته أخيرًا برفقة صديقه.. رآهما من سيارة الأجرة ويتوجهان نحوهما في شبه هرولة.. همّت منار أن تسأل أخيها عن سبب إحضارها إلى هنا، ولكن راعها منظر صديقتها المتكومة في الكرسي الخلفي بجمود..
فتحت باب السيارة وجلست بجانبها وهي تنطق بفزع:
-ندى!!
طالعتها الأخيرة بخواء، ثم سرعان ما ارتمت بين أحضانها تبكي مصابها بهستيرية.
شعر بنياط قلبه تتمزق من شهقات بكائها.. استشعر صديقه ما يلم به؛ فربت على كتفه بمؤازرة يعلم أنه يحتاجها.
نظر له مصطفى بتشتت، ثم توجه نحو السور الحجري الفاصل بينهم وبين مياه البحر.
ظل الجميع على حالهم قرابة الساعة.. ندى تبكي بلا توقف، ومنار تربت عليها بشفقة؛ لا تملك من أمرها شيئًا.. مصطفى ينظر للبحر بشرود؛ الأمر كان أقسى من استيعابه! وعلي يجاوره بصمت؛ لم يتبين حقيقة ما حدث بعد.
عاد مصطفى للواقع أخيرًا.. انتبه لتأخر الوقت، وأدرك أن ندى لن تستطيع العودة لمنزلها وهي على تلك الحالة؛ فوالديها سيفزعان.
عاد للسيارة.. أطل عليها عبر نافذتها، شرح لها الوضع باقتضاب، فاقترحت منار بسرعة:
-هتباتي عندي النهاردة يا ندى
كادت أن تعترض لولا أن أصرت منار بحزم:
-اسمعي الكلام يا ندى
اومأت بلا مقاومة، وأمسكت هاتفها؛ لتطلب الإذن من والديها.
كان صوتها على الهاتف مهتزًا؛ مما جعل والدتها تستشعر أن هناك شيءٌ ما ليس على ما يرام.
أنهت المكالمة، وأعادت الهاتف لحقيبتها.
احتل مصطفى مكان السائق مجددًا؛ ليتوجه بالفتاتين إلى منزله.. جاوره علي في المقعد الأمامي بصمت؛ يحاول التفكير بما حدث.. ما أخبره به صديقه أن ندى قد تعرضت للخيانة من خاطبها المصون، ولكنه لم يستطع معرفة التفاصيل.
وفي ظل الظروف الراهنة؛ آثر الصمت..
قاد بهم مصطفى إلى منزله والصمت يخيم على الجميع.. ترجلوا جميعًا من السيارة إلاه، ثم نطق بهدوء موجهًا حديثه لصديقه:
-تعالى معايا يا علي؛ عايز اتمشى شوية بالعربية.
اومأ علي بتفهم وجاوره مجددًا، بينما سارت ندى خائرة القوى برفقة منار إلى غرفة الأخيرة؛ لتقضي بها الليلة..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الحب الصادق..
أنت تقرأ
للنساء فقط
Romanceالنساء.. لغزٌ كبيرٌ عجزت الكتب عن تفسيره على مر الزمان، وعجز العالم عن فهمه. أن تفهم ما تريده المرأة لهو ضربٌ من الخيال يا عزيزي؛ فكيف ستفهم من عجزت هي شخصيًا عن فهم نفسها!