الفصل العاشر

89 10 0
                                    

سوف تأكلك رغباتك وأحلامك..
وسيدفنك شغفك..
ستقتلك آلاف النظرات التي ينظرون لك بها؛ هؤلاء الذين لم يستطيعوا فهمك، وستصرخ من الألم لأنك لا تستطيع شرح نفسك!
وعندما تقول بأنك تعبت.. ستشعر وكأنهم يسكبون على رأسك ماء ساخن؛ لأنك في نظرهم شخصٌ صغير، بليدٌ ولا يشعر..
-أنا متقدملي عريس.. وموافقة عليه
قالتها بخجلٍ مبرر لفتاة، ولكنها أفقدته صوابه!
نطق بحدة:
-نعم؟! يعني إيه موافقة عليه!!
طالعه الجميع بصدمة.. حاول علي أن يجعله يصمت، ولكنه دفع يده بعنف:
-استنى يا علي!
تقدم منها فتراجعت للخلف بتوجس.. نقلت بصرها نحو غادة المشدوهة ثم عادت إليه مجددًا لتشعر بغصةٍ تضرب قلبها فجأة!
ابتلعت ريقها بعسر، ونطقت بتهكم:
-يعني موافقة يا مصطفى.. وهعزمك على خطوبتي قريب!
رافقت جملتها الأخيرة ابتسامة سمجة.. تقدم منها مجددًا فانتابتها قشعريرة.. نظر لها بمشاعر مختلطة؛ غضبٌ وتيه وعجز..
لا يعرف ماذا يجب عليه أن يخبرها! هو وإن بدأ يدرك حقيقة مشاعره يعلم أن الوقت مازال بعيدًا على أن يصرح بها أو يتعامل معها، ومن النظرة التي يراها بعينيها الآن يعلم قد أدرك أنها لن تبادله إياها أبدًا..
زفر بيأس:
-مبروك..
قالها وخرج من المنزل.. لم يلتفت للنداءات خلفه؛ كل ما يريده الآن أن يهرب من هنا قبل أن يصيبه الاختناق!
آخر ما تنبه له هو أن صديقه قد قام باللحاق به، وهو لم يمانع! فقط أكمل ركضه نحو الخارج..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هي امرأة لا تتقن فن المواساة..
لا تعرف كيف تواجه أزمات الآخرين؛ لذا تكتفي بمؤازرة طفيفة، ثم تنزوي بعيدًا حتى ينتهي الأمر.
ولكن معه هو لم تستطع فعل ذلك؛ لأنها تعلم أنه ليس لديه من يسانده الآن..
اتجهت لمنزل والدته بعد تردد.. استقبلتها السيدة بدهشة! سألتها جنى بحرج:
-اهلا يا طنط.. ممكن أقابل كريم؟
مصمصت السيدة شفتيها بعدم رضا؛ هي تعلم أن الفتاة زميلته بالعمل ولكنها تستنكر عودتها لمقابلته في منزله! أرشدتها لغرفته بأحرف مقتضبة ثم ذهبت تعد لها شيئًا لتشربه..
طرقت على باب غرفته فسمح لها بالدخول ظنًا منه أنها والدته.. تنحنحت باستحياء:

-كريم..
التفت لها بصدمة؛ لم يتوقع أنها ستزوره! ازداد حرجها وهي تكمل:
-جيت اتطمن عليك..
جاهد ليبتسم لها:
-فيكي الخير يا جنى.. تعالي
تبعته للشرفة الملحقة بالغرفة.. سألها بعد صمتٍ دام بينهما لبضع دقائق:
-اخبار الكافيه إيه؟
أجابته بشجن:
-مستني صاحبه يرجع يشرف عليه من تاني..
تنهد بتردد، ثم أجابها بلا مقدمات:
-أنا هسيب شغل الكافيه يا جنى..
نطقت بصدمة:
-نعم؟!
شرح لها:
-قررت أرجع بقى وكفاية بعد لحد كدا.. أمي مبقاش ليها غيري يا جنى فهماني صح؟
اومأت بقلة حيلة؛ فكلامه ليس بخطأ! سألته بتلهف:
-هتبيعه؟
عقد حاجبيه يفكر قليلًا، ثم أجابها بحيرة:
-مش عارف!
عادا لصمتهما مجددًا، حتى دلفت والدته للغرفة ثم للشرفة، نقلت بصرها بينهما وهي تقلب شفتيها بتبرم:
-العصير..
طالعها ابنها بدهشة؛ فردة فعلها كانت غريبة! أما جنى فزاغت ببصرها في توتر..
خرجت من الغرفة بعد أن قدمت لهما كوبين العصير وهي تتمتم بكلمات ممتعضة ومبهمة، نظر كريم في إثرها بتعجب، بينما تنحنحت جنى:
-طب أنا همشي..
اومأ بلا نقاش؛ فلا طاقة له للحديث..
دلف للغرفة مجددًا، أخذ مفاتيحه وعرض عليها بهدوء:
-يلا عشان اوصلك
لم تعارضه.. خرج معها من الغرفة ليجد والدته التي مازالت على امتعاضها.. تمتم بخفوت:
-هروح أوصل جنى وراجع يا ماما.. خدي بالك من نفسك لحد ما أرجع
طالعت الفتاة بإزدراء، ثم دعت لابنها بالهداية وودعته.
اصطحب جنى لسيارته، استقلاها هما الاثنين بصمت، وانطلق بها هو نحو منزلها الذي تتشاركه مع سارة..
أما عن والدته الغاضبة فقد قررت شيئًا هامًا، وستخبره به فور عودته..
تلك الفتاة المنفلتة تحاول أن تسرق ابنها منها بعد أن لم يبقى لها في هذه الدنيا سواه، وهي ستتأكد من عدم حدوث ذلك..
ستخبره قرارها وسينفذه وانتهى؛ فلن تسمح بضياعه مرةً أخرى!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
قالوا فيما مضى أن كل رجال العالم خائنون!
وأن الرجل الذي لم يخن امرأته بعد هو ذلك الرجل الذي لم تسنح له فرصةً ليفعل.. ومهما أدعى من تحضرٍ ورقي، أو مهما تبنى من مشاعر فائضة قدم له الفرصة على طبق من ذهب وسيلتهم وجبة الخيانة بكل شراهة..
وهو رجلٌ مثل باقي بني جنسه..
تنتشي ذكورته برغبة الإناث به.. ويقع في حبائلها بمجرد أن تدعوه إليها!
هل سمعتم من قبل عن امرأة طار عقلها حينما رأت سيقان رجل؟ بالطبع لا؛ هم فقط من يلهثون خلف تعري الأنثى، ويضيفون لإنتصاراتهم آخر جديد إذا حالفهم الحظ وأخضعوها لسريرهم ونالوا منها ما يريدون!
وهو قد انتصر بالفعل، وفقًا لمبادئ الرجال الملتوية..
راقصةٌ مغمورة تعمل في احدى الحانات، تعرف عليها في سهرةً ماجنة من سهراته مع أصدقائه الفاسدون، استطاعت إغوائه بيسر وجعلته خاتمًا في اصبعها، وها هو الآن يواصل اللهث خلفها..
وصل لمنزلها الذي كان في احدى المناطق الشبه راقية؛ بالطبع فعملها الماجن كان يدر عليها الكثير قبل أن يجعلها تتركه..
طرق الباب لتفتح هي له.. استقبلته بقبلةٍ على شفتيه وجذبته للداخل، ثم أغلقت الباب خلفهما..
طوق هو خصرها بنهم وقربها منه:
-وحشتيني يا نانا..
قربت أنفاسها منه، ووضعت يديها خلف عنقه وهي تقول:
-وانت كمان يا محمد..
عند هذا الحد لم يحتمل إغوائها.. حملها بشغفٍ وسار بها حتى غرفة نومها التي يتشاركها معها.. أنزلها على السرير وانقض عليها كنمرٍ جائع اشتاق لالتهام الفرائس، وهي استجابت له كقطةٍ برية تموء برغبةٍ جامحة..
اندمجا معًا في ملذاتهما، وتناسى هو زوجته المسكينة التي تتمنى أن ترضيه بكافة السبل..!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ترى ماذا يحدث لشابٍ عابث حين يقع في الحب؟
شابٌ لا يرى الفتيات سوى تسلية لوقته! فتأتي احداهن لتلقنه قواعد عشقٍ مازال يجهل معظمها، ثم تتركه على قارعة الطريق حائرًا ومشتتًا!
قاد سيارته نحو أقرب صالة ألعاب رياضية.. لم ينبث ببنت شفة طوال الطريق!
ترجل من سيارته متوجهًا للداخل، فتبعه علي يحاول مجاراة خطواته الراكضة.
دلف لداخل الصالة.. قام بتسجيل بياناته لدى موظفة الاستقبال بعجالة وأراها بطاقة عضويته، وفعل صديقه المثل.
توجه نحو كيس الملاكمة وبدأ يضربه بغضبٍ مكبوت.. حاول علي احتواء غضبه؛ نطق بتلهف:
-يا مصطفى اهدى مش كدا!
بدا وكأنه في عالمٍ آخر؛ لم يستجب له وظل يلكم الكيس بعنف..
أمسك به علي بنفاذ صبر:
-يا عم اللي أنت بتعمله ده مش هيغير حاجة!!
نطق أخيرًا بصوتٍ هادر:
-سيبني يا علي!!
-لأ مش هسيبك.. لازم تعقل عشان نعرف نفكر كويس!
قالها صديقه بصرامة أجبرته على الانصياع له، ولكنه لم يتحرك من مكانه.
تنهد علي بحيرة:
-أنت بتحبها يا مصطفى صح؟ مينفعش تنكر دلوقتي!
شعر بغصةٍ في حلقه؛ ما بداخله تجاهها لا يستطيع تفسيره!
أخفض رأسه بيأس:
-مبقتش إجابتي تفيد دلوقتي يا علي.. هي هتتخطب خلاص وشكلها بتحبه!
طالعه علي بشفقة؛ هو لم يره هكذا من قبل!
ربت على كتفه يسأله بدهشة:
-بس مش غريبة إنها مجابتش سيرته قبل كدا خالص؟ عرفته وحبته واتقدملها ووافقت امتى ده!
انتبه للأمر، صمت يفكر قليلًا حتى نطق بإنتباه:
-كانت بتكلمه ف خطوبة صاحبتها!
نظر له علي باستفهام، فأكمل موضحًا:
-جاتلها مكالمة وارتبكت اليوم ده وطلعت ترد برا حتى كل صحابها استغربوا!
صمت للحظات يبتلع غصته:
-واليوم ده كانت رايقة جداً ومبسوطة.. وأنا فكرتها مبسوطة عشان كلامي معاها وإننا بقينا صحاب!
زفر علي بحيرة؛ لا يعرف كيف يستطيع التخفيف عنه.
عاد مصطفى للكم الكيس الضخم مجددًا علّه يستطيع التخلص من غضبه.. أمسك علي الكيس من على الجانب الآخر؛ فإذا لم يستطع امتصاص غضبه سيحاول مساعدته في تفريغه..
بقيا على هذا الوضع قرابة الساعتين.. ابتعد مصطفى أخيرًا، وجثى على ركبتيه خائر القوى.. جاوره علي وهو يسأله:
-مش كفاية كدا ونقوم نروح طيب؟
اومأ بإستسلام متعب، قام علي وسحبه معه، وانصاع هو له بلا ردة فعل..
استقلا السيارة، واتخذ علي مكان السائق هذه المرة، ثم انطلق به لمنزله..
أما هو فقد أمال رأسه على النافذة، وشرد حائرًا فيما يجب أن يفعله..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
السيئون لا يعانون أبدًا..
لا يغدر بهم.. بل هم من يغدرون بنا في معظم الوقت..
لا يعانون الفقد مثلنا.. ولا يتألمون حينما يفقدون عزيزًا؛ ربما لأنهم لا يملكون واحدًا في الأصل!
كانت تتغنى بعشقها الكبير له.. تخبره أنه فارسها الهمام، وأمير أحلامها الذي لن تكون لسواه..
كان قاسيًا في حديثه معها ذاك اليوم لا ينكر؛ ولكنه كان متعبًا.. انتظر أن تفهم، أن تحتوي وتدعم.. ولكنها لم تفعل!
واليوم كانت قشتها التي قصمت ظهر بعيره!
كان قد قرر أن يعود لهاتفه أخيرًا.. أمسكه يتفحص حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أهملها لفترة، حتى وجد الصدمة!
سلمى قد خُطبت لأحدهم، وها هي تحتفل بخطبتها!
شعر بالدم يجري في عروقه.. تلك الملعونة؛ ألم تكن تبكي حبه يومها؟! كيف تخطته بهذه السرعة؟!
كانت تبدو سعيدة.. أقسمت له على البقاء على عهد حبه، والآن تتأبط ذراع آخر وتطالعه بكل حب!
هل كانت كاذبة؟ أم هو بالفعل لم يعد ذا قيمة!
ألقى هاتفه بعنف ليرتطم بالجدار ويتحطم.. أصابته حالة هياج.. يتحرك على كرسيه المدولب ويحطم كل ما تطاله يديه!

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن