النهايات تختلف من حكايةٍ لآخرى، وفي دوامة النهايات.. قد نفقد ذواتنا!
أما ما قبل النهاية فهي تلك المرحلة الرمادية التي نمر بها في ركود..
نستشعر أن الوقت قد مضى بنا دون أن نمضي معه..
نقف في منتصف الطريق حائرين نسأل أنفسنا: هل مضينا في الطريق الصحيح، أم سنجد في العودة ملاذنا؟
نرتعب مما تخبئه لنا نهاية الرحلة، ونتمنى أن تأتي على قدر أحلامنا..
وكلما تقاطعت طرقنا وتشابكت؛ أيقنّا أن العودة لن تكون يسيرة، وأن الخسارة قد تكون من نصيبنا..
الطرق قد تكون مسطحة..
ممهدة بلا أخطار..
نسير فوقها بإطمئنان..
نركض بأمل، ونسابق الرياح في سرعتها..
ثم نتفاجئ بالسقوط!
كانت تحلم بالحرية، والاستقلال؛ فذهبت لتنالها بعيدًا عن الأهل، وها هي تعود كما رحلت.. بلا هوية، بلا عمل، بل وفقدت شغفها وهدفها ثم عادت إليهم خاوية بلا روح..
وصلت إلى منزلها في البلدة الصغيرة، لم تعلم أحدًا عن عودتها؛ فتفاجئت بها والدتها عند الباب:
-جنى!
ارتمت بين أحضانها تعانقها بصمت، ولا تقوى حتى على البكاء..
اصطحبتها والدتها للداخل مرحبة:
-حمدلله عالسلامة يا جنى نورتي بيتك، باباكي مش هنا، خشي ريحي شوية وهعملك أحلى غدا عمال ما يجي.
اومأت بإبتسامة باهتة، وجرت قدميها بوهن نحو الغرفة.
فقدان الهوية هو أقسى ما يمر به الإنسان، وما من شيء يجعل الإنسان مهزومًا أكثر من إدراكه أنه قد أخطأ في إختيار الهدف الذي حارب الجميع من أجل بلوغه؛ فلا تتحدث عن الخسارة إن لم تهزم من المكان أو الحلم الذي آمنت به يومًا!
وهي عادت مهزومة..
تعلم أن والدها سيقرعها حتى تكتفي، وأنه لن يكون حنونًا كوالدتها التي رحبت بها في حبور..
نحت كل همومها جانبًا، بدلت ملابسها لأخرى بيتية مريحة، ثم قررت الخلود للنوم لترتاح من عناء السفر، وبعدها لكل حادثٍ حديث..
أما في الإسكندرية فهناك من كان مصعوقًا؛ من خبر سفرها المفاجئ، الذي لم تخبر به أحدًا، حتى هو!
استفاق من شروده على صوت والدته تناديه من غرفتها؛ فهم قد عادوا للمنزل أخيرًا..
نهض إليها ملبيًا النداء، وباله لا يهدأ من فرط التفكير..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعض الطرق لا تخصنا؛ بل نسير فيها لنكون مع آخرين..نترك طرقنا الخاصة لنركض خلفهم..
لنشاركهم بقية الرحلة متناسيين رحلتنا نحن!
نحبهم للحد الذي يجعلنا نرى الرحلة واحدة فقط باختلاف الطرق، وحين نصل للنهاية نكتشف كم كنا مخطئين!
نكتشف تيهنا الذي أوصلنا للسراب، أو للخراب المدمر الذي لا عودة منه.
الحب يشبه الضباب؛ لا يجعلك ترى الطريق بوضوح، يجعلك ضائعًا في وهم العشق، وحين تستفيق تلعن ذاتك؛ لأنك أسلمت مقاليد حياتك لمن لا يستحقها، أو لا يتمكن من توجيهها نحو الدرب الصحيح!
ثقته بها فاقت حبه لها..
النظرة الداعمة في عينيها أضافت لعلاقتهما المبهمة معنى جديدًا..
صدقها حينما أخبرته أنها لن تتخلى عنه، وأنها ستخرجه من هنا، ولكنها لم تفعل!
اختفت فجأة، ولم تعد تزوره..
أجلّت جلسته الأخيرة لعدم وجود محاميه!
لم يعرف سببًا لاختفائها الذي دام أسبوعًا، وصديقه لا يريحه في الإجابة عن سبب اختفائها مما جعل القلق ينهش دواخله؛ فهو كان يظن أنها ربما تخلت عنه، ولكن يبدو أن هناك ما أصابها وهم يخفونه!
-ما تقولي يا علي ندى فين!!
زعق بها بنفاذ صبر في صديقه الذي أتى لزيارته؛ فتنحنح الآخر بإرتباك، ثم أجابه بصدق هذه المرة:
-الصراحة يا مصطفى معرفش!
-نعم ياخويا؟!
-والله يا مصطفى ما نعرف فينها؛ مختفية ومحدش يعرف عنها حاجة حتى أهلها!
أردف سريعًا بالأهم من وجهة نظره:
-بس متقلقش في محامي تاني هيترافع عنك بالأدلة اللي هي كانت مجمعاها وهتطلع المرادي إن شاء الله.
-أدلة إيه وزفت إيه مش ده المهم دلوقتي؛ اتصرف يا علي ولاقيها أنا قلقان في حاجة غلط بتحصل!
اومأ علي بتفهم:
-حاضر والله هنلاقيها متقلقش، بس المهم أنت كمان تطلع بالسلامة.
زفر بعدم ارتياح، وسأله:
-ومنار عاملة إيه دلوقتي؟
-كويسة جدا الحمدلله، بتسلم عليك، ونفسها تشوفك.
ابتسم بإشتياق لشقيقته الغالية وهو يجيبه:
-قريب إن شاء الله أطلع واشوفها على خير.
نهض علي ناطقًا قبل أن يرحل:
-طيب هقوم أنا بقى؛ بقالي كتير مروحتش الشركة عندي فهروح أشوف الدنيا فيها إيه كدا.
اومأ له مصطفى بتفهم وتركه يغادر..
استقل سيارته، ورحل لشركته من فوره، وصل إلى مقرها بعد أن هاتف منار في الطريق؛ يعلمها أنه سيتأخر لبعض الوقت..
ترجل من السيارة، وكاد يدلف إلى الداخل إلى أن استوقفه الحارس:
-علي بيه يا علي بيه..
عاد له علي:
-خير يا عم ضياء في حاجة ولا إيه؟
-اه يا بيه حمدلله على سلامتك طولت الغيبة علينا.
ابتسم بطيبة وهو يربت على ظهره:
-الله يسلمك يا راجل يا طيب.
مد الرجل يده له بمظروفٍ ما:
-ده جه لحضرتك من قيمة أسبوع، واحد جه سابه ومشي وقالي اسلمهولك بالايد.
استلمه منه علي ثم توجه لغرفة مكتبه؛ ليقرأه، وحين فض المظروف وأمسك الورقة شارعًا في القراءة.. وما قرأه أصابه بالصدمة!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
البشر بلهاء بالفطرة!
أنت تقرأ
للنساء فقط
Romansالنساء.. لغزٌ كبيرٌ عجزت الكتب عن تفسيره على مر الزمان، وعجز العالم عن فهمه. أن تفهم ما تريده المرأة لهو ضربٌ من الخيال يا عزيزي؛ فكيف ستفهم من عجزت هي شخصيًا عن فهم نفسها!