الفصل العشرون

82 8 0
                                    

في بعض القصص.. قد لا تكون المشاعر كافية!
هناك أحيانٌ قد لا يكفي بها الحب، الكراهية، البغض، مشاعر الصداقة الصادقة، ومشاعر الإمتنان الود؛ كل هذا قد لا يكون كافيًا حين يتعلق الأمر بوقوفنا عند المفترق!

أحيانًا نتساءل هل كان حبنا لا يكفي؟ أم أننا لم نحب من البداية!
هل عشنا وهمًا تحت مسمى "حب" أم أن قلوبنا كانت تمتلك بعضًا من صدق المشاعر؟!

قصص الحب الخالدة لم تكتمل؛ ربما هنا تكمن عظمتها..
ترى هل قصته تصنف كعظيمة؟ أم فر بجبنٍ لا يليق ببطلٍ عاشق.. حتى لو كانت بطولته مقتصرة على أسطر رواية!
كان يعتقد أنه محارب؛ سيفوز بمعركته أمام الحب، ولكنه تراجع متقهقرًا قبل بداية جولتها الأولى!
قرر أن ينهي الأمر هنا؛ فالتأجيل لن يحمل نتائج مختلفة..
في اليوم التالي ترك والدته بالمشفى وهاتفها ليطلب منها أن تقابله..
حددت معه موعدًا، ثم ذهبت للقائه..
انتظرته حيث طلب منها أن تفعل؛ على شاطئ البحر..
يقال أن البحر شاهدٌ على قصص الحب جميعها؛ ببداياتها ونهاياتها.. تفاصيلها التي لا يعرفها سوى أصحابها.. أسرارها التي يهمس بها أحد العاشقين إليه عن الآخر..
البحر هو الشاهد الوحيد على إنتصاراتنا وهزائمنا في الحب..!
وكذلك كان البحر شاهدًا عليهما اليوم..
جلس بجانبها يخبرها عمّا حدث لوالدته؛ فواسته، ثم قرر طرق الحديد وهو ساخن لذا نطق:
-چنى إحنا مش هينفع نكمل..
رفعت رأسها إليه بصدمة فأكمل:
-أنا بحبك..
تنهد مردفًا:
-وعارف إن أنتي كمان بتحبيني.. بس يمكن حبنا مكانش كفاية؛ أنا مش هقدر أغضب أمي، وتعبت من كتر المحاربة.
-نعم؟!
قالتها بحدة ثم أكملت:
-الحب مش كفاية!!
صمتت لثوانٍ تبتلع حسرتها، ثم أكملت:
-أنت عندك حق؛ الحب ف قصتنا عمره ما كان كفاية.
أنهتها وهي تطالعه بإزدراء، قبل أن ترحل مقررةً عدم عودتها لحياته الهشة مجددًا..
أما هو فلم ينهض.. لم يلحق بها.. لم يناديها..
يعلم أنه قد وضع خاتمة حياتهما التي لم تبدأ بعد بيديه، ولا مجال للعودة..
ظل على وضعه قرابة الساعة؛ يلعن حظه البائس، وقدره الذي لم يسعفه، ثم نهض عائدًا للمشفى حيث ترقد والدته..
بينما كانت هي تركض في الشوارع باكية.. تنعي قصة حبها الزائفة، وفارسها الذي لم يكن مغوارًا بما يكفي ليفوز بها..
كانت تعلم أن تلك ستكون نهايتهما، ولكنها لم تتوقع أن تكون بتلك السرعة!
أحيانًا النهايات تصدمنا حتى لو كنا نتوقعها..
ليس لأنها أتت؛ بل لأنها باغتتنا في ذلك الوقت الذي لم نتوقعها به..!
توقفت إلى جانب الطريق، مسحت دموعها، ثم همست لنفسها بحسرة:
-مكانش يستاهل..
هكذا أقنعت نفسها بأنه لم يكن يستحقها من البداية، وأن حبهما كان وهمًا اصطنعته صداقتهما المتينة..
حالة الإنكار تلك والمبررات الواهية التي وضعتها قد تكون مفيدةً لقلبها المتأذي الآن..!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الأهل لا تربطهم فقط أواصر الدم..
لا تجمع بينهم شهادة ميلاد، أو حتى هويةٍ مهترئة بكنية متشابهة..
لا تكفي كل الشعارات الفارغة في هذا العالم لتقوية علاقاتهم..
بل يكفي فقط الصدق.. الرأفة.. وذلك الدافع الخفي بداخلنا، والذي يهمس لنا: احمهم!
وعلى ما يبدو هذا الشعور انتزع من قلب والدتها..!
والدتها التي عادت أخيرًا، وبدأت تقرر عنها مستقبلها بصلفٍ لا تستحقه..
اتهمتها بشرفها وشككت في تربيتها ورعاية شقيقها الحامي لها..
بنوتها لم تشفع لها عندها!
لم تأخذ بالاعتبار أن من تنعتها بتلك الصفات هي ابنتها.. فلذة كبدها.. ومن تحمل دمائها!
استيقظت في الصباح بعد ليلة مليئة بالبكاء، أمسكت بهاتفها لتجد رسالةً من علي يخبرها فيها أن تقابله خارج المنزل في الواحدة بعد الظهر لأنه وجد حلًا لمشكلتها؛ فتنهدت ترجو أن يكون بالفعل ممتلكًا لحل نجاتها..
نهضت مسرعة، استعدت للخروج قبل ملاقاة والدتها، ارتدت ملابسها واستقلت سيارتها لمنزل ندى؛ ستقضي برفقتها بعض الوقت حتى يحين موعد لقائها بعلي..
وصلت لمنزلها، قضت برفقتها بعض الوقت ثم رافقتها لمكتبها، قصت عليها ما حدث من والدتها ورغبة علي في مقابلتها، ثم ذهبت لمقابلته في مقهى قريب أرسل لها عنوانه في رسالة بمجرد أن وصل إليه..
وصلت إلى المقهى وبحثت عنه بعينيها وسط الجالسين، لمحته يلوح لها من احدى الطاولات فخطت تجاهه، جلست في مقابله بتوتر:
-صباح الخير يا علي، ها خير إيه الحل اللي لقيته؟!
تنهد بصبر وأشار للنادل:
-تشربي إيه الأول؟
-مش عايزة حاجة!
قالتها بنفاذ صبر؛ فطلب هو لهما قدحان من القهوة، ثم عاد للحديث معها..
-أنا كنت عند مصطفى الصبح..
-بجد؟!
سألته بتلهف؛ فأجابها بحذر:
-ايوة.. حكيتله عاللي حصل امبارح، والصراحة كدا كان في حاجة مخبيها هو عنك!
-إيه هي؟
بدا متوترًا، ولم يعرف كيف يبدأ حديثه؛ فنقل توتره إليها..
-ما تتكلم يا علي!
-مامتك بقالها فترة متجوزة، وعايشة معاه برا عشان كدا مش بتنزل مصر كتير ومنزلتش آخر فترة.
-أنت بتقول إيه!!
كانت غاضبة ومصدومة؛ فوالدتهما -رغم سوئها وطبيعتها المتخلية- لن تخفي عنهما شيئًا كهذا!
أخبرته أنها لا تصدقه، صرخت به واتهمته بالكذب، تمالك أعصابه بأعجوبة؛ فهو يقدر ما تمر به الآن، ونطق بغضب مكتوم:
-منار اهدي ووطي صوتك إحنا مش ف بيتكو!
هدأت وتيرة صوتها رغم أن التشنج مازال بجسدها، وسألته بتوسلٍ خفي لأن يكون مخطئًا:
-أنت بتتكلم جد؟
لم يجبها بل أمسك هاتفه وفتح تسجيلًا ما.. كان لأخيها!
استمعت إليه.. كان شقيقها يخبرها فيه بالحقيقة الصادمة؛ والدتها متزوجة سرًا من رجل أعمال مصري يقطن بدولة أوروبية! أخفت عنهما الأمر حتى اكتشفه هو بنفسه، وحين واجهها.. أخبرته -بعصبية- أن ما تفعله هو حقها الطبيعي، وأنها ليست مضطرة لإخبارهما! هو لم يكن ليعارضها ولكنها بخلت عليه حتى بالمعرفة!
أوقف علي المسجل عند ذلك الحد وأكمل هو:
-أنا كنت عارف بس أنا ومصطفى مرضيناش نقولك عشان متزعليش أكتر ما أنتي زعلانة، واللي اكتشفناه بقى إن العريس اللي هي جيباهولك ده يبقى ابن جوزها.
رفعت عينيها له بضياع ليردف:
-هي كانت ناوية على كدا من وقت ما سيبتي عمر بس مصطفى وقفلها وقالها أختي مش هتبعد عني؛ عشان كدا هي انتهزت فرصة سجنه ورجعت تنفذ خطتها.
غطت وجهها بكفيها وبدأت تبكي بنشيج؛ والدتها لا تمتلك من الأمومة مثقال ذرة! لا تتقن سوى الاستفادة من كل ما تمتلكه، حتى ولو كان هذا الغرض الذي تملكه.. هو ابنتها!
ترك مقعده وانتقل لآخر بجانبها، حاول تهدئتها وفشل، وقفت كل كلمات المواساة عاجزة على شفتيه دون أن يستطيع النطق بها؛ فآثر الحديث عن الشيء الأهم الآن:
-منار إحنا هنتجوز.
قالها بإندفاع لعن عليه نفسه.. ابتعدت عنه منتفضة:
-نتجوز؟!
تنهد بإختناق، عاد ليجلس بمكانه، ثم نطق شارحًا:
-ده الحل الوحيد قدامنا.. مامتك مش هتسيبك إلا لو روحنالها وإحنا متجوزين، إحنا هناخد الخطوة دي لحد مصطفى ما يطلع بس، وده رأيه هو كمان على فكرة!
أنهى حديثه وهو يسمعها ما بقى من التسجيل على هاتفه..
-بس أنا مش موافقة اتجوزك!
قالتها بحدة فاجئته ثم نهضت راحلة تبتر أي إعتراض قد يصدر منه..!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هل تكفي مشاعر الحب الصادقة للإيقاع بالرجل؟

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن