الفصل الخامس عشر

82 9 0
                                    

الخير والشر..
كلمتان يحملان من التناقض الكثير..
رغم أنهما في النهاية وجهان لعملة واحدة..
ولكن البشر يغفلون تلك الحقيقة، أو يتغافلون عنها بقصد!
لا يوجد أحد منا يمتلك شرًا مطلقًا، ولا خيرًا مطلقًا..
وإنما هي مجرد تناسبات..

الأنثى هي سبب الشر على مر العصور..
مدبرة المكائد، وصاحبة الذكاء الفذ..
هي حواء التي أخرجت نفسها وزوجها من الجنة؛ برعونتها..
هي كليوباترا التي قتل في سبيلها رجلين عاشقين، وبقيت هي تتخذ مكان المتفرجة من بعيد وكأن الأمر لا يعنيها، رغم أنها كانت تعشق أحدهم، بل وماتت في سبيل هذا العشق!
تقول الأساطير على مر الزمان أن المرأة هي الأكثر شرًا ودهاءًا، وأن الرجل هو دائمًا من يكون ضحية أفكارها وخططها الشيطانية..
وهي لا تشبه كل تلك الأساطير..
ليست بحواء، ولم تكن يومًا كليوباترا..
لم تعرف للمكر طريقًا.. لم تعتنق الدهاء مذهبًا..
كانت لا تؤمن بشيءٍ سوى الحب، ثم كفرت به؛ حينما شعرت أنه لا يجدي، وأن من أحبت يكاد لا يراها..
قررت أن تكون لآخر..
وهنا كانت سقطتها!
ربطت نفسها بآخر يعشقها؛ أملًا منها على أن تستطيع مبادلته تلك المشاعر يومًا ما..
غفلت عن كون القلوب لها سطوة.. لا يستهان بها!
تركته يقترب منها..
يغرق فيها..
يتعلق أكثر؛ فيسقط سقوطًا مدويًا!
كانت الوحيدة التي تدرك سبب تركه لها..
كان نبيلًا حتى النهاية، ولم يخبر أحدًا بحقيقتها التي استنبطها..
فقط هي من رأتها بعينيه..
آلمتها تلك النظرة؛ التي أخبرتها بوضوح.. أنها أضحت شريرة الحبكة، وعن جدارة!
رحل بلا عودة، وشقيقها لم يتوقف عن لعنه..
هدئته.. جالسته لبعض الوقت، ثم ذهب ليحضر لهما بعض الطعام؛ لتذكره أنهما لم يتناولا شيئًا منذ مدة..
رحلت ساندي، وبقت منار بمفردها..
بدأ الإحباط يتسلل لدواخلها؛ تشعر بالذنب تجاه من تسببت في كسر قلبه بلا رحمة.
كسر القلوب ليس هينًا، وهي أكثر من يدرك!
يقال أن من يكسر القلوب يستحيل أن يشعر بمرارة كسرها، وإلا ما كان ليفعل أبدًا!
ولكن الواقع يا أعزائي مغاير..
في الواقع من يحطمون قلوبنا- على الأغلب- لا يتعمدون فعل ذلك، بل تتحطم رغمًا عنهم؛ حينما يحاولون الحفاظ على ما تبقى من حطام قلوبهم، الذي قام بتحطيمها آخرون!
شعرت برغبة في رؤيته؛ تود أن تعري ضعفها أمامه في تلك اللحظة، خاصةً أنه لن يكون شاهدًا على خزيها..
انتهزت غياب أخيها، ودلفت لغرفته قبل أن تتراجع.
فتحت الباب ببطء وداخلها يرتجف..
طالعته من مكانها وهو محاطٌ بالأجهزة الطبية، وعاري الجذع.
اقتربت حتى توقفت أمام فراشه..
تأملته بمشاعر متناقضة؛ بعضها ينفطر حزنًا على الحالة التي آل إليها، وباقيها غاضب منه، ومن حبه الذي يأبى تركها..
حانقةٌ عليه؛ لأنه لا يراها..
تتنهد بحزن حينما تتذكر أن مقاليد القلب ليست بيدينا..
شرعت في البكاء؛ تخاف أن تفقده!
تعالت شهقاتها ولم تجد منه استجابة..
أمسكت بكفه من بين شهقاتها:
-مينفعش تموت يا علي حتى لو مش هتكون ليا.
تطلعت للمكان حولها بإختناق، صوت صافرات الأجهزة الرتيبة يثير الرعب بداخلها؛ تتذكر يوم وفاة والدها كان الموقف مماثلًا، كانت الصافرات تبعث ذلك الصوت الروتيني ثم علا طنينها فجأة؛ ينبأهم عن وفاته..
منذ ذلك اليوم وهي تخشى المستشفيات، الأطباء، والمرض.
هي تخشى شبح الموت الذي اختطف منها والدها العزيز..
تخشى أن يختطفه هو أيضًا!
انتشلتها الممرضة التي ربتت على كتفها من دوامة أفكارها السوداء:
-يا آنسة!
انتبهت لوجودها بشرود:
-هاه!
طالعتها الممرضة الشابة بشفقة، وخمنت أن المغدور يمتلك مكانة عالية بالنسبة لها، ولكنها القواعد هنا..
نطقت بعملية:
-آسفة يا آنسة بس ممنوع تخشي هنا.
كادت منار أن ترجوها ببضع دقائق أخرى، ولكنها قاطعتها بقلة حيلة:
-دي ال rules هنا أنا آسفة..
أخفضت منار رأسها بيأس وخرجت.
وجدت أخيها قد عاد.. أخبرته أنها كانت تطمئن على علي، وأنه لا تقدم بحالته.
تناولا الطعام بصمت..
الساعات تمر عليهما ثقيلة..
أو تكاد لا تمر!
انقضى اليوم والأطباء على قدم وساق؛ يحاولون إنقاذ حياته، وسحب السم الذي انتشر بكامل جسده.
بدأت تشعر بالوهن؛ فهي لم تغادر المشفى منذ يومين، وشقيقها بالمثل.
بدأ النعاس يغالب أعينهما، حين جاء الطبيب ليخبرهم:
-المريض عدا مرحلة الخطر.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في بعض الأحيان قد يتأصل بنا الشر، ونحن لا ندركه!
شرورنا الداخلية ليست بالضرورة أن تظهر للعلن..
بل قد تدفن في داخلنا إلى الحد الذي نغفل عنها فيه..
وهو لم يكن شريرًا..
أو ربما هكذا ظن!
هو محب لم يرتق لدرجة عاشق، رغم صدق مشاعره..
هو أحبها ولا ينكر..
ولكن الحب ليس كافيًا هنا!
لا يمكنك أن تقدم الحب فقط..
هناك الود، الاحترام المتبادل، والثقة!
وتلك الأخيرة في علاقتهما كانت مفقودة!
حبيبته لا تثق به؛ هكذا أدرك أخيرًا..
صارت تضيق عليه الخناق مؤخرًا..
تحاصره..
أسباب شجارهما أضحت تافهة، وعلاقتهما تقترب من نهايتها.
هو يحبها، ولكنها لا تصدقه!
تحاول إبعاده عن صديقته المقربة بشتى السبل، وصديقته المسكينة هي من تجعله يصبر لو تعلم!
في جلسةٍ مع ذاته تمنى لو عشق تشبهها؛ في تفهمها ومراعاتها، ربما حينها لم تكن تلك الفجوة لتحدث بينهما..
ويقال أن عواقب كلمة "لو" ليست بالحميدة دائمًا!
"لو" تفتح عمل الشيطان دائمًا وأبدًا، وهنا تعلن- بصراحة- عن تذبذب علاقتهما، فهل يا ترى سيجدان قبس من نور في نهاية النفق، أم ستقودهما تصرفاتهما نحو الظلام؟
طلبت مقابلته؛ فوافق..
جلس ينتظرها في مقهاها المفضل الذي تجتمع به مع صديقاتها دومًا..
تأخرت لبعض الوقت.. كان ينظر في ساعة يده بتململ كل بضع دقائق، حتى وصلت.
صافحها بابتسامة بدت حانقة؛ لتأخرها.
جلست في مقابله..
كانت تبدو شاحبة، بملامح متعبة وأعين تبدو دامعة.
طالعها باهتمام جلي، ثم سألها:
-انتي كويسة يا عشق؟
اومأت بالايجاب، ثم تحدثت موضحة:
-صاحب أخو منار كان ف المستشفى بس، وخطوبة منار وندى باظت، وأنا جاية من المستشفى على هنا؛ فمرهقة بس مش أكتر.
زم شفتيه بملل؛ دائمًا وأبدًا تتحدث عن صديقاتها وعمّا يخصهن، رغم أنه قد عبر عن تذمره من قبل إلا أنها لم تكترث، بل تشاجرت معه وأخبرته بوضوح أن ما يمسهن يمسها.
زوى حاجبيه متغاضيًا عمّا قالته، فقط اكتفى أن يعلق ببرود:
-أها.
طالعته بضيق:
-عادي كدا؟!
طالعها بعدم فهم؛ فأكملت بحنق:
-يعني حتى مش هتسأل هو جراله إيه؟ بقى أحسن دلوقتي؟ طلع من المستشفى ولا لسة؟!
زفر بقلة صبر، وأخبرها بملل:
-وأنا أعرفه منين عشان اسأل يا عشق؟
صمت للحظات ثم أردف:
-وبعدين إحنا جايين نتكلم عننا إحنا، مش عن صحابك وصحاب صحابك.
كادت أن ترد عليه بإندفاع ولكنها تراجعت؛ هو محق عليهما أن يتحادثا بشأنهما الخاص.
جاء النادل إليهما؛ فطلب هاني له ولها، ثم صرفه.
بدأ هو الحديث متنحنحًا:
-عشق أنا بحبك..
أرهفت له السمع ليكمل:
-بس واضح إن في إختلافات كتير بينا.
رفعت رأسها إليه بصدمة! التتمة هنا معروفة ولا مناص منها..
جملةٌ نحفظها عن ظهر قلب تعلن بوضوح عن سطر كلمة النهاية..
ولكن حبه لها الذي اعترف به توًا ويشعر به بداخله صادقًا جاء ليخرب المعادلة، أو حتى ليرجئ نهايتها المحتومة.
جاءت جملته التالية مهادنة:
-احنا نستحق فرصة تانية؛ حبنا وحتى صداقتنا القديمة يستحقوها يا عشق.
تلك الجلسة عنوانها هو الصدمات المفاجئة لها من كلامه وردود أفعاله! لم تعرف بم تجبه؛ فصمتت.
تركت له دفة الحديث ينسب كامل الخطأ إليها:
-أنتي مش قادرة تفهميني، ولا حتى عارفة تسعديني وتخليني مبسوط.
رفعت حاجبيها بسخرية:
-أنا؟
اومأ مجيبًا:
-ايوة يا عشق أنتي، ورغم كدا أنا لسة باقي عليكي وعلى حبنا.
أكمل بنرجسية واضحة:
-أنتي لازم تتغيري عشاني.
-وأنت ليه متحاولش تتغير عشاني يا هاني؟!
سألته بصدمة وغضب؛ ليجيبها بعنجهية وصلف:
-عشان إنتي البنت مش أنا.. إنتي اللي لازم تضحي عشان، عمرك شوفتي راجل بيضحي عشان ست؟
شددت من قبضتها على كفيها؛ الحديث بينهما يتخذ مسلكًا وعرًا!
طالعته بسخرية؛ هو شرقيٌ كغيره حتى لو كان عاشقًا.
حبه داءها الذي لا شفاء منه، ولكنها أبدًا لن تسمح له بنحرها!
رفعت رأسها بإباء..
قررت أن تمسك هي زمام الأمور قبل أن تنفلت من عقالها..
ستضع هي النهاية بيديها فضلًا عن انتظارها بخنوع..
نطقت ببرود:
-هاني أنت صح؛ إحنا فعلاً مش قادرين نتفاهم.
باغتته بردة فعلها، ولكنه انتظرها تكمل:
-احنا محتاجين نبعد فترة..
نطقتها باترة لا تترك مجالًا للنقاش..
أكملت وهي تنهض:
-محتاجين نعيد تفكير ف علاقتنا من تاني!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الشر أحيانًا قد يكون هويتنا..
إرثنا..

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن