الغيرة وحشٌ أخضر! يلتهمنا على مهل..
شيطانٌ يجمع لنا الأدلة ويفندها لنا كحقائق علينا التصديق بها دون جدال..
وهي تملك منها شيطان الغيرة لأقصى حد..
صنع حائلًا بين عقلها وقلبها فلم تعد تستطيع التفكير بمنطق..-في إيه بينك وبين مصطفى إحنا منعرفهوش يا ندى؟!
بصقتها بإستنكار دون أن تفكر بها.. وجمت الأخرى على الطرف الآخر من المكالمة ولم تعرف بم تجيبها! هل حقًا غادة تفكر فيها بتلك الطريقة؟!
لم تجبها فجاءها صوت الأخرى بهجوم:
-ساكتة ليه يا ندى جاوبيني!
نطقت ندى أخيرًا بعصبية:
-أنتي مستوعبة أنتي بتقولي إيه يا غادة؟!
سخرت منها غادة:
-اه عنك وعن مصطفى.. برضو مجاوبتيش!
تنهدت تستدعي صبرًا لا تملكه.. أجابتها بتمهل:
-أنتي عارفة إني مش بؤمن بالحب يا غادة.. وأكيد يوم ما أحب مش هروح أحب واحد صاحبتي بتحبه!
قالت جملتها الأخيرة بتهكم، ثم أكملت ببرود:
-وكمان أنتي عارفة بيني وبين مصطفى ده بالذات مافيش عمار! أنا مش كدا يا غادة والمفروض إنك صاحبتي وعارفة
بدأت غادة تتراجع؛ شعرت بأنها قد بالغت كثيرًا بردة فعلها، ربما الأمر برمته كان مجرد سوء تفاهم! تنحنحت بحرج فجاءها صوت ندى البارد:
-معلش يا غادة مشغولة دلوقتي هكلمك بعدين.. سلام
قالتها وأغلقت الخط دون أن تمنحها فرصةً للرد.. تنهدت غادة بيأس؛ هل ستخسر واحدة من أقرب صديقاتها الآن؟!
إذا وقعت في الحب يومًا فاحذر أن يجعلك هذا الحب تخسر كل شيء، أو أن تتأكد من أن ذلك الحب يستحق كل تلك الخسارة! وإلا ستندم وقتها أشد الندم!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
قهر الرجال هو الأصعب..
وهو كان مقهورًا للحد الذي جعله يلتزم الصمت.. لا يجيب والديه سوى بكلمات مقتضبة، ولا يتناول من الطعام إلا قليلًا.
اليوم هو يوم خروجه من المشفى.. أوصاه الطبيب بالراحة التامة وأن عليه أن يصفي ذهنه؛ فهذا ربما يساهم في سرعة شفائه.
اومأ برأسه له في خواء مع نية عدم التنفيذ.. اللعنة على الجميع! لماذا لا يتركونه وشأنه وحسب؟!
ذهب والده لينهي إجراءات خروجه وحسابات المشفى، بينما مكثت والدته في المنزل تعد له ما لذ وطاب من الطعام كما أخبرته بسعادة على الهاتف.. هما يعاملانه بشفقة تزعجه للغاية! هو انتهى ويعلم؛ لذا لا داعي لكل ما يفعلانه للتخفيف عنه.
رن هاتفه للمرة التي لا يعلم عددها؛ فأصدقائه لا يكفون عن الإتصال به وهو لا يجيبهم ولن يفعل، ولكن الغريب في الأمر أن سلمى لم تتصل به! هل قررت بالفعل أنه لا يناسبها؟ هل كانت مشاعرها تجاهه هشة إلى تلك الدرجة؟!
وعلى الجانب الآخر كانت لبنى لا تكف عن الإتصال به.. تطارده بأكثر من عشرة اتصالات يوميًا، ولا تيأس من عدم رده!
أفاق من شروده على صوت طرقات الباب، أذن للطارق بالدخول فكان والده..
ابتسم الرجل بطيبة:
-ها يا مالك جاهز ترجع بيتك؟
اومأ بجمود فتنهد الرجل بيأس؛ ابنه قد أصبح بائسًا.
ساعده يجلسه على الكرسي المتحرك، ثم أضحى يدفعه للأمام.. هذه الدنيا مثيرةٌ للعجب حقًا؛ فمن الطبيعي أن ترى شابًا يجر أبيه الذي قد بلغ منه العمر أرذله على كرسيٍ متحرك، ولكن المفاجئ حقًا أن ترى ذلك الوالد هو من يدفع ابنه بذلك الكرسي اللعين!
وضعه في السيارة بحرص ثم دار ليأخذ مكانه خلف عجلة القيادة، ثم انطلق به للمنزل في صمت..
وصل للمنزل ووجد والدته تستقبله بفرحة، انحنت عليه تعانقه:
-حمدلله على السلامة نورت بيتك يا مالك.. نورت بيتك يا حبيبي
لم يتحدث فقط ربت على ظهرها بخواء.. طلب من والده ببرود أن يتركه هو يتلمس طريقه نحو الغرفة، ووافق والده على مضض؛ كي لا يشعره بعجزه.
قبل أن يصل لغرفته سمع صوتها! هل بدأ يتخيل الآن؟! بالطبع؛ فما الذي سيأتي بها إلا منزله؟! ومن أين ستعرف طريقه أصلًا!
أطلت عليه من ناحية المطبخ لتثبت له أن أوهامه ليست محض خيالات؛ فها هي تقف أمامه الآن!
على ما يبدو أنها خرجت لتسأل والدته عن شيء ما ولكنها ارتبكت عندما وجدته.. نطق بصدمة:
-لبنى!!
تلعثمت ولم تعرف كيف تبرر وجودها.. هي فقط شعرت بالقلق من عدم إجابته لهاتفه فذهبت لصالة الألعاب، وظلت تسأل عنه حتى أخبروها بالحادث الذي أصابه، ورغم ذلك لم تستسلم بل ظلت تحاول الإتصال به مرارًا وتكرارًا، وحينما يئست من عدم رده حاولت الوصول لرقم والدته، وتواصلت معها في لحظة جنونٍ واتتها، علمت منها ما حدث وقررت فورًا أنها لن تتركه يعاني وحده؛ حتى لو كان بدافع الصداقة فهي لن تتركه..
تنحنحت بإرتباك وهي تتجه نحوه.. وقفت أمامه تحاول قول شيء لطيف:
-عرفت اللي حصل وأنت مش بترد عليا يا مالك ومكانش ينفع اسيبك الفترة دي لوحدك..
ابتسم بسخرية؛ الجميع تركوه فما الذي يجعلها هي تبقى! أصدقاء عمره وحبيبته.. الصحافة التي انتهزت الفرصة لتنشر الخبر كالنار في الهشيم.. نظرات الشفقة من والديه؛ كل هذا فاق احتماله! نطق بجمود:
-امشي يا لبنى.. أنا كنت مجرد كوتش بتاعك ف الجيم وخلاص مبقاش في جيم تاني ولا هيبقى!
هزت رأسها نافية، جاهدت دموعها لتخبره:
-لا إحنا صحاب..
هزأ منها مجددًا:
-مافيش حاجة اسمها صحاب يا لبنى امشي..
أنهى جملته وتحامل على نفسه يجر نفسه مجددًا نحو الغرفة..
أخفضت هي رأسها بأسى؛ فقد ظنت أنها ستستطيع التخفيف عنه.
ربتت والدته على كتفها بحنو، وبفطنة أم أدركت ما يطفو من قلب الصغيرة من مشاعرٍ واضحة بعينيها لوحيدها الغالي نطقت بإبتسامة:
-تعالي معايا نكمل الأكل وهخليكي تدخليله بيه يمكن يروق معاكي شوية..
اومأت بحزن لم يرحل عنها بعد، ثم تبعت السيدة اللطيفة للمطبخ.
بدأت تبتهل الله في داخلها أن يكون بخير، وأن يسمح لها أن تسانده الآن؛ فوالله أن قلبها يتمزق وجعًا مما هو فيه، ولكن يا ليته يدرك!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الماضي..
يظل يطاردنا أينما ذهبنا.. ومهما حاولنا نسيانه.. لا يتركنا وشأننا!
نهرب منه ونركض بعيدًا نحو مستقبلٍ مشرق، فنجده يعيدنا إليه مجددًا بقوة جذبٍ خفية..
ترك ماضيه وكل ما يتعلق به.. تناسى مآسيه وحمد الله أن ما تعرض له لم يغير من أصله الطيب، ولم يجعل منه شخص يكره أن يكونه..
شيءٌ واحد فقط هو ما عجز عن دفنه مع ماضيه السحيق؛ ذكرى والده الراحل..
يأتي هنا كل عام ليشارك زوجته- مكرهًا- في مراسم سنويته ثم يرحل في اليوم التالي عائدًا لحياته مجددًا وبرفقة عائلته الصغيرة؛ مصطفى وشقيقته.
حان وقت رحيله الآن.. كان حائرًا بعد عودة ساندي للظهور في الصورة؛ كيف سيتعامل معها؟ خاصةً وأنها قد أتت تعرض عليها صداقة! كما أنها لم تكن عدوته يومًا، بل هي من كانت تراضيه حينما تبطش به والدتها!
قاطع صوت تفكيره اقتحامها للشرفة الملحقة بالغرفة حيث يقف.. سألته بمزاح:
-ايه اللي واخد عقلك!
هي تحاول أن تعيد الود بينهما وهو لن يستطيع أن يكون فظًا معها..
ابتسم لها وتنهد:
-ولا حاجة.. صحيح مقولتيليش ناوية على إيه بقى هتستقري ولا هتسافري تاني؟!
-لا هستقر خلاص وكمان بدور على شغل..
قالتها ثم تنهدت؛ يبدو أنها قد بدأت البحث ولم تجد بالفعل.. سألها وهو يحاول التذكر:
-أنتي كنتي بتدرسي علاقات عامة صح؟
اومأت، نطق بثقة:
-شغلك عندي.. محتاج مديرة مكتب موافقة؟
كانت تشعر بالحرج؛ هي بالأساس تعرف أنه يجاهد ليتحملها كصديقة، فكيف ستجعله يتحملها كموظفة لديه أيضًا؟!
هزت رأسها رافضة بحرج:
أنت تقرأ
للنساء فقط
Romanceالنساء.. لغزٌ كبيرٌ عجزت الكتب عن تفسيره على مر الزمان، وعجز العالم عن فهمه. أن تفهم ما تريده المرأة لهو ضربٌ من الخيال يا عزيزي؛ فكيف ستفهم من عجزت هي شخصيًا عن فهم نفسها!