الفصل الثالث

180 11 0
                                    

العشق حماقة..
وهي حمقاء، وتعلم..!
اطمأنت على صديقتها في الصباح ثم ارتدت ملابسها وذهبت لعيادتها الخاصة؛ فهي تعمل كأخصائية تغذية..
ترددت كثيرًا قبل أن تتصل به.. هي لم ترد على رسالته بعد؛ فقد انشغلت بصديقتها المصابة.
حسمت أمرها واتصلت به، كانت تعلم أنه في عمله بهذا الوقت، أجابها فشرحت له بإقتضاب السبب الذي منعها عن التواصل معه بالأمس، لم ينزعج، كان لطيفًا معها على غير العادة! طلبت أن تقابله فأعطاها موعدًا في الخامسة بمقهىٍ قريبٍ من منزلها..
وها هي الآن.. وصلت للمقهى المقصود، وجدته ينهض ليستقبلها بإبتسامةٍ واسعة، حياها ببشاشة ثم تحرك ليسحب لها الكرسي المقابل له، رفعت حاجبيها بدهشة لأنها لم تعتده يومًا لبقًا! جلست وهي ترمقه بإرتياب، عاد لمكانه وإبتسامة جذابة تزين محياه، سألها بنبرةٍ رخيمة:
-تشربي إيه يا عشق؟
أجابته بتردد:
-بيبسي..
استدعى النادل.. طلب لها البيبسي ولنفسه قهوةً بالبندق.. تنحنح بإرتباك.. لم يعرف البداية المناسبة لكلامه.. هو الخبير في الكلام يصمت في حضرتها! قال أخيرًا:
-امممم فكرتي ف اللي طلبته منك إمبارح يا عشق؟
صمتت.. توردت وجنتيها.. نطقت بتردد:
-امممم ليه أنا يا هاني؟!
أجابها وهو ينظر لعينيها مباشرةً:
-بحبك..
أصبحت أشبه بحبة طماطم ناضجة الآن! نظرت له بصدمة:
-أنا!
لم تتوقع منه إعترافًا صريحًا هكذا! أمسك كفها فانتفضت وسحبته بحدة.. تنهد بحيرة:
-عشق أنا بحبك وعايز اتجوزك تمام؟
نهضت تخبره بصرامة:
-رقم بابايا معاك يا هاني تقدر تكلمه تحدد معاه ميعاد عن إذنك..
رحلت ببساطة كما جاءت.. رحلت وبداخلها تتمنى أن يكون صادقًا..
وقد كان! أخبرتها والدتها في مساء اليوم ذاته أن والدة هاني اتصلت بها؛ تطلب يدها لابنها، صمتت عشق متوردة بخجل فأطلقت والدتها زغرودةً مدوية بسعادة؛ فابنتها أصبحت كبيرة وستتزوج أخيرًا، ألا يقولون أن السكوت علامة الرضا؟!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هو في بحثٍ دائمٍ عن شيءٍ لا يعلم ماهيته..
شيءٌ غير موجود..
أو موجودٌ في حياةٍ أخرى ربما!
ولكنه يستمر في البحث؛ عسى أن أقتل الملل، أو أن يجد نفسه في منتصف الطريق..
لقد فقد نفسه منذ زمن طويل وهو الآن يحاول البحث عنها وإستعادتها.. طفلٌ في العاشرة.. توفت عنه أمه وتزوج أبيه بآخرى.. آخرىٌ لم تترك له شيئًا.. لا حب الأب ولا مالٌ يستند عليه بعد وفاة والده هو الآخر.. طردته من منزل والده بعد أن استولت عليه عندما كان طالبًا بسنته الأخيرة بكلية الصيدلة.. أنهى دراسته.. كافح وعمل ليلًا ونهارًا حتى أصبح ما هو عليه الآن..
علي رياض.. شريكٌ بشركة أدوية صغيرة مازالت تخطو خطواتها الأولى نحو الإزدهار يديرها مع شخصٌ آخر.. كان راضيًا بما توصل له الآن، ولكنه خلال تلك الرحلة فقد نفسه.. فقد ذلك الطفل النقي دون أن يستطيع إيجاده مجددًا..!
كان شخصًا عمليًا بإمتياز، يمتلك عقلًا لا يمتلئ سوى بعمله وفقط.. أما قلبه؛ فما تبقى منه حيًا يخصصه لعائلته الثانية والتي كانت عالمه الصغير؛ صديق طفولته مصطفى وشقيقته الصغرى ووالدتهما، حسنًا.. ربما السيدة فاديا ليست دومًا امرأةً لطيفة! ولكنها جيدة وتعامله كابن لها..
كان يجلس في غرفة المعيشة برفقة مصطفى، سأله بتفحص:
-أنت كويس يابني؟ حاسك مش على بعضك!
اومأ الآخر بنصف عقل:
-أها..
لم يقتنع.. رفع حاجبيه بدهشة وقد بدأ يخمن سبب شرود صديقه:
-صحيح يا مصطفى صاحبة أختك عاملة إيه دلوقتي؟
انتبه له:
-قصدك مين!
أجابه الآخر بغمزةٍ عابثة:
-صاحبة عصير التوت..
كزّ مصطفى على أسنانه بحنق بسبب تذكير علي له بتلك الذكرى اللعينة! نظر له بضيق:
-كويسة طلعت من المستشفى من يومين بس لسة مش بتنزل من البيت ومش هتنزل غير لما تفك الجبس..
زم علي شفتيه بفضول ولم يكن ينوي أن ينتهي الحديث عند ذلك الحد:
-وعرفتوا الحادثة مقصودة ولا لاء؟!
زفر مصطفى بحدة وأجابه ساخطًا:
-مقصودة طبعاً.. لا وهي عرفت مين اللي وراها ومش راضية تقول.. وبتقول لصحابها دي قضيتي أنا وكلام عميق كتير كدا!
قال جملته الأخيرة بسخرية فضحك صديقه ثم قال بإعجابٍ مدروس:
-أكيد طبعاً هيكون ليها أعداء كتير! دي محامية شاطرة وناس كتير عايزة توقعها..
استشعر نبرة صديقه والتي لم تعجبه، كاد أن يجيبه ولكن إقتحام منار للغرفة قاطعه.
دلفت للداخل كالإعصار، كانت سعيدة للغاية وتقفز بمرحٍ كالأطفال، ضمت شقيقها بسعادة فسألها بإبتسامة:
-خير يا بنتي مالك!
أجابته بحماس:
-صاحبتي هتتجوز صاحبتي هتتجوز أخير..!
بترت حديثها بفزع حينما رأت علي فهي لم تلحظه عند دخولها، ابتسمت بحرج:
-ازيك يا علي معلش مخدتش بالي إنك هنا!
مد يده لها بإبتسامةٍ عذبة:
-ولا يهمك أنتي عاملة إيه؟
صافحته وكادت أن تجيبه لولا شقيقها الذي سألها بحدة:
-صاحبتك مين؟ المتجبسة!!
أجابته بنفي:
-لا طبعاً.. صاحبتي عشق
تنهد براحة لا يعرف سببها، وابتسم بصدق:
-مبروك.. بلغيها إني فرحتلها جداً وربنا يتمملها على خير
تمتمت بصدق:
-يارب..
أردفت:
-أنا هخرج بقى.. أنا وغادة وجنى وسارة هنخرج معاها عشان نجيبلها حاجة قراية الفاتحة
قبّل جبينها بحب:
-عقبالك..
أسبلت جفونها بخجل ونبضةٌ غادرة فرّت من قلبها تجاه ذلك الذي كان يبتسم للمشهد الأخوي الذي أمامه بتأثر..!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هي امرأة لا يمكن مقارنتها بأحد، أو بأشياءٍ ملموسة..
ربما تقارن بلذة القهوة..
أو بدفء أغنية فيروزية..
حنين الليل.. زرقة السماء.. عمق البحر..
ثم تفوز!
كانت تملك ملامحًا أرستقراطية رغم عدم إنتمائها لتلك الطبقة يومًا! مما كان يشعرها بالزهو دائمًا..
وقفت تصفف شعرها أمام المرآة؛ إستعدادًا للخروج مع صديقاتها للتسوق من أجل عشق..
كانت متحمسةٌ للغاية؛ فهي لم تحضر تجهيزات عرس هدى لذا بالنسبة لها فعشق هي أول من ستتزوج من صديقاتها..
أتتها سارة من الخلف ممازحة:
-ايه يا قمر هتفضلي طول اليوم قدام المراية ولا إيه!
التفتت لها بإبتسامةٍ واسعة:
-لا لا أنا خلصت اهو يلا بينا..
التقيتا بعشق وغادة ومنار ثم سرعان ما انتابتهن نوبةً من حمى التسوق..!
مضت أربع ساعات قضينها في التسوق ثم جلسن ليتناولن وجبةً خفيفةٍ قبل أن يعدن لمنازلهن..
جلست منار على طاولة المطعم وهي تقول بتعب:
-آآآه رجلي موتتني من كتر اللف!
زمت غادة شفتيها بتذمر:
-هنعمل إيه بس.. عروستنا متعبة مبيعجبهاش حاجة
نظرت لهن عشق بإمتنان:
-والله يا بنات أنا مش عارفة من غيركم ممكن كنت أعمل إيه بجد ربنا يخليكم ليا
غمزت لها جنى:
-مافيش الكلام ده بين الأخوات يا بنتي
أخفضت عشق رأسها بحزن:
-كان نفسي ندى تبقى معانا أوي..
تغيرت ملامح الأربعة للحزن أيضًا، نطقت غادة فجأة:
-إيه رأيكم نكلمها video call؟
استحسنت الفتيات الفكرة وعقبت منار بحماس:
-أيوة صح يلا اتصلي بيها!
أجرت غادة مكالمة فيديو وانتظرت حتى استجابت لها ندى، نظرت ندى لهن عبر شاشة الهاتف بصدمة:
-ايه ده في إيه استر يارب!
شاكستها سارة:
-إيه يعني يا ست ندى هو إحنا مش بنكلمك غير في المصايب!
أجابتها ندى بسخرية:
-أها..
ضحكت غادة:
-عندها حق على فكرة هي زعيمة العصابة.. بس الصراحة كدا يا نودي وحشتينا فقولنا نكلمك
ابتسمت ندى بطيبة، حركت جسدها ببطء تحاول تعديل وضعها على السرير فآنّت بألم:
-نومة السرير دي بشعة بجد أنا مش متعودة عليها!
تمتمن الفتيات لها بتمنيات الشفاء ثم شرعن يتحدثن عن ما اشترته عشق من أغراض..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عزيزي الرجل..

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن