الإعتراف بالحب معضلة!
عملٌ يتطلب شجاعةً قصوى، قد لا يمتلكها الجميع..
عند الإعتراف بالحب فالأمر سيان؛ فلا فارق هنا بين رجلٍ وامرأة..
عند الإعتراف بالحب الكل جبان!
الكل خائف!
الكل ينتظر اللحظة الحاسمة، والتي لا تأتي أبدًا بالمناسبة..
تلك اللحظة لن تأتي إلا إن صنعناها نحن بأنفسنا!
ما هو الحب؟
كيف نتعرف إلى ماهيته؟!
هل هو ذلك الشعور الذي يناوش قلوبنا فجأة، أم أنه يتسلل إلى دواخلنا على مهل!
الحب هو الشعوران؛ المفاجأة، والتسلل على مهل..
الحب هو الشيء ونقيضه..
هو ذلك الشعور الذي يبدل شخصيتنا إلى النقيض؛ يحولنا لآخرين ربما لا نعرفهم، تصيبنا هشاشة، ونصبح أكثر عرضة للكسر!
الحب في قاموسها يترجم ضعفًا، حماقة، وهن، ودربٌ من الغباء منقطع النظير!
كانت تكره الحب، وتتخذ أمامه دومًا دور المهاجمة الضارية، حتى التقت به؛ فاقترب وهاجم، دك حصونها دكًا، وتسلل لقلبها بأريحية لا تخلو من مطاردة محارب محترف في حرب الحب!
هي لم تدرك متى وقعت في حبه، ولا متى أصبح الحب هو قضيتها التي تحارب من أجلها!
لا تدرك متى وقعت في غرام عينيه، وتعلم أنه ليس من مقابلاتهما الأولى بالطبع، وإن كانت لا تنكر أنها فريدةٌ من نوعها للحد الذي جعلها وقتها توقن أنها ستعلق في ذاكرتها للأبد!
لم تفقه لمعنى الحب من قبل، ولكنها الآن تدرك أنه ذلك الشعور الذي يراودنا حين نشتاق لغائب، نحن للقياه، وتظل ذكرياتنا القليلة معه هي المؤنس الوحيد لليالي وحدتنا، وملامح ذلك الشخص التي تسكننا؛ فتبدد غربتنا..
هي التي لا تسعفها ذاكرتها دائمًا في تذكر الوجوه علقت ابتسامته في بالها منذ اليوم الأول وكابرت!
هي من تُصاب بالصداع حين محاولة إستحضار ملامح شخص حتى لو كانت أقرب صديقاتها تجد سلواها في خاصته!
هي العاشقة الواقعة في الحب منذ زمن، ولم تكن تدرك!
والآن قررت أنها لن تظل خائفة..
لن تخشى الحب..
اعترفت به لنفسها، وأقسمت أن تعترف له فور أن تراه..
ستخبره أنها وقعت في حبه دون إرادة..
ستتقبل مشاعره، وسترتضيه حبيبًا!
وبينما هي غارقة بتفكيرها نحوه دلف إليها البغيض الذي يحتجزها، نهضت تواجهه متحفزة؛ ففاجئها بقوله:
-دلوقتي تقدري تمشي..
-نعم؟!
-زي ما سمعتي؛ السبب اللي كان لازم تفضلي عشانه هنا خلص خلاص.
وحينها تيقنت من شكها؛ هي هنا لكي لا تنقذ مصطفى من غياهب سجنه، وذلك الأمر أصبح جليًا الآن..
جعلها تغادر، ووقفت على قارعة الطريق تبحث عن سيارة أجرة؛ لتذهب بها حيث وجهتها التي قررت قصدها في الحال..
لم تذهب لمنزلها؛ بل إلى منزله هو!
بحثت في جيوبها عن بعض النقود، ونقدتها للسائق ثم هرولت نحو الداخل.
طرقت الباب بقوة تتناقض مع هيئتها المشعثة والمتعبة، فتح لها علي الذي صُدم من مظهرها، وترجم صدمته في نبرته المتعجبة:
-ندى!
-مصطفى.. مصطفى ومنار فين؟!
نطقت حديثها بلهاث؛ فأفسح لها الطريق لتمر للداخل، وأخبرها بعجالة:
-هناديهم حالا.
غاب لبضع دقائق، ثم عاد برفقة كليهما تسيطر عليهما ملامح الدهشة.
-ندى!
كان مصطفى هو أول من بدأ الحديث بلهفة، بينما عانقتها منار بشوق، وهي تسألها:
-كنتي فين يا ندى كل ده!
تنهدت ندى بقلة حيلة وهي تبادلها العناق، اقترح علي أن يجلسوا جميعًا ففعلوا ولم تغفل عينيه عن اللهفة التي تصرخ بوضوح من عيني صديقه؛ فابتسم بحبورٍ لا يناسب المشهد..
طلبت ندى كأسًا من الماء؛ فأحضره لها علي، ارتشفت القليل على مهل، ثم بدأت تحكي لهم كل ما مرت به خلال الأيام السابقة..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الاعتراف بالحب ليس بالضرورة لإستقامة الحياة بين شخصين، والحب قد يكون وهمًا في حد ذاته!
قد يكون لعنة حياتنا الوحيدة، وسقطتنا الدامية، التي قد لا ننهض بعدها، أو ننهض بأرواحٍ ممسوخة لا تقوى على العيش، ولا تجسر على تكرار التجربة!
الحب بالنسبة لها كان اللعنة الأكبر..
سحرٌ أسود اقتحم حياتها؛ فاستحالت بفضله إلى جحيم..
أصبحت غير قابلة للحب..
تنهض بصعوبة، وترتضي النصف حياة التي تعيشها؛ خوفًا من المجازفة مجددًا..
ترى حب طارق ينضح من عينيه، وتتجاهله مرغمة..
تتخذه كصديق، وتعلم أنه يحمل لها ما هو أكثر..
تتغافل؛ كي لا تخسره..
كان ضائقًا اليوم وعلى غير العادة؛ فسألته ليجيبها أن والدته تصر على زواجه، وهو يرفض بعناد، حتى جاءته اليوم بعرض زواج مفاجئ، ثم أرغمته على مقابلة الفتاة في المساء، وهو لا يريد الذهاب!
تنهدت بحزن يوازي ضيقه؛ فهي أكثر من يعلم سبب رفضه..
هو يرفض لأجلها..
لأجل حبها الذي يسعى لنيله، ولا تقوى هي على منحه لأحدهم مجددًا، حتي ولو كان هو!
حاولت أن تقنعه بوجهة نظر والدته..
أن تخبره أنها لن تكون له أو لغيره، وأنها قد اكتفت من الحب..
تلمح له دون أن تجرحه، أو تخسره، ولكنها فشلت؛ فهو لم يتراجع عن رفضه، وظل ساخطًا على مقابلة عروس المساء.
تنهدت بيأس وأخبرته بمشاكسة:
-طول عمرك عنيد يا طارق!
زفر بعصبية، وأجابها بضيق:
-مش حكاية عند؛ بس مبحبش الضغط وأنتي عارفة.
أجل هي تعلم..
تعلم أنه لا يحب أن يضغط عليه أحد..
هو طائرٌ حرٌ طليق؛ لا يطيق أن يمنعه أحد من الطيران نحو عشه المنشود، ولا أن يجبره أحدهم حتى بتغيير طريقة الطيران!
تنهدت بحيرة، وأخبرته بوجوب المغادرة؛ فأجابها أنه سيلحق بها على الفور ليوصلها كما يفعل دائمًا..
فعلت كما طلب، وانتظرته بالسيارة، حتى أتى.
استقل مقعد السائق بجوارها في صمت، ثم انطلق بهدوء نحو منزلها..
وفي منتصف الطريق قطعت هي الصمت بسؤالها الصادق المهتم:
-انت كويس؟
-ايوة..
-متأكد؟
-ايوة!
-يا طارق!!
هتفت بها برعب حينما كاد أن يضرب السيارة في الرصيف أمامه؛ فتوقف في الحال!
التقط أنفاسه بعسر، وهي أيضًا فعلت المثل، ثم نطقت:
-متسوقش وأنت كدا يا طارق!
اومأ مصرًا:
-أنا بخير..
-لأ أنت مش بخير، ومتنكرش!
تنهد بتعب ونطق بإستسلام:
-أنا تعبت..
أكمل يناظرها بتحدي:
-أنا فيا إيه وحش يا هدى؟!
-ايه؟!
باغتها بالسؤال، وحُشرت هي في خانة العجز!
نكست رأسها بصمت، ولم تجد له إجابة؛ فضرب هو المقود بعصبية لا تشبهه!
حاول تمالك أعصابه، ولكنه سأل مجددًا برعونة:
-اومال ليه مش شيفاني يا هدى؟!
صُعقت من سؤاله المباشر مجددًا، ازدردت ريقها بعسر، ولكنها قررت المواجهة؛ فلا مزيد من المماطلة بعد الآن!
-عشان أنا مبقتش عايزة أشوف حد يا طارق..
رفعت رأسها تواجه عينيه:
-أنا مبقتش أصلح لحد، بقيت عايزة أعيش لنفسي وبس.
-لسة بتحبيه؟
-لأ!
أردفت بخيبة أمل:
-كنت مفكراك أكتر حد فاهمني يا طارق..
-طب ليه رافضة وأنتي عارفة إني مش زيه! أنا بحبك يا هدى وأنتي عارفة، متنكريش.
-مافيش حاجة اسمها حب! هنخسر بعض يا طارق، وأنا مش عايزة اخسرك.
نظر في عينيها بثبات:
-انتي كدا بتخسريني يا هدى، أنتي واحدة أنانية..
-أنانية؟!
أجابها بإنفعال:
-أيوة؛ شايفة حبي ومش مقدراه تبقي أنانية!
أبعد عينيه عنها، وقرر أن يسلك معها درب القسوة..
-انتي عيزاني أكون موجود.. عايزة طارق اللي دايما جنبك، اللي رجع عشانك مخصوص، حاسة إنك متداينالي ورغم كدا مش قادرة حتى تشوفيني بطريقة تانية، خايفة تخسريني وفي نفس الوقت رافضة تسمحيلي بفرصة أنتي عارفة إني هكون قدها.. عرفتي بقى إنك فعلاً أنانية!
حل الصمت بينهما بعد حديثه، امتلئت عيناها بالدموع التي تجاهلها هو عن قصد، ثم نطقت بصوتٍ مرتجف:
-أنا عايزة أروح..
اومأ بصمت دون أن ينظر لها، ثم انطلق بالسيارة نحو منزلها..
توقف أمام البناية التي تقطن بها، وحين همت بالنزول من السيارة أخبرها بعنادٍ لا يقبل مناقشة:
-أنا هسافر..
نظرت له بصدمة؛ فأكمل مؤكدًا:
-هسافر في أقرب وقت ممكن، ومش راجع تاني..
قالها وانطلق بالسيارة دون أن ينتظر صعودها لأعلى، وعلمت هي أنه جادٌ في قراره هذه المرة ولن يتراجع عنه!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الحب شعورٌ عظيم لا يحصل الجميع على متعته..
محظوظٌ فقط من يعيشه كاملًا؛ بسعادته وفرحه، بمآسيه وحزنه، وبخطواته الوعرة كذلك..
الحب لا تكمن ماهيته في السعادة فقط، ولا العذاب هو أيقونته الأبدية؛ بل هو مزيجٌ من كلاهما..
الحب الصادق هو ما نبكي فيه بقدر ما نضحك، وهو الوحيد القادر على جعل أعيننا تلمع حزنًا؛ حين نرنو لذكرى أضحكتنا من قلوبنا ذات يوم..
حبه لها كان مختلفًا رغم تشابه كينونته..
بدايةٌ عاصفة أهدته يقينًا أن تلك الرحلة ستجرفه بأمواجها نحوه، ورغم ذلك لم يتراجع!
أصر على الغرق فيها..
حاربها في الوقت الذي كان يرى به المحبون يحاربون جنبًا إلى جنب ضد الآخرين..
أرادها وهي لم تتفهم؛ فشن حربًا ضروسًا على قلبها رغبةً منه في استمالته إليه، ولم يكن يدرك أن قلبها له منذ زمن دون أن تدرك هي حتى!
تجلس أمامه تخبره بخطة دنيئة تمتلك نصف حكايتها ويمتلك هو النصف الآخر..
يستمع إليها دون صدمة كتلك البادية على شقيقته وزوجها..
ينتظرها أن تنهي ما بجعبتها ليخبرها بالمزيد، ويصحح لها بعض المعلومات كذلك!
-مش عز بس المسؤول عن خطفك..
نطقها بهدوء يناقض جو جلستهم؛ فنظرت إليه بصدمة ليكمل موضحًا:
-غادة كمان..
تنهد وبدأ يخبرهم بما أخبرته به نسرين حين زارته في محبسه..
عن التحالف القذر بين زوجها وغادة، وعن الخطة التي كان هو ضحيتها..
أكمل هو الأحجية الناقصة أمام الجميع، وأصبحت كل الأمور ظاهرة..
أصبح المشهد لائقًا لكلمة النهاية..
ولكن!
النهايات قد تأتي لنا محملة برائحة البدايات الجديدة..
وتأتي لنا بالبشر، وبأحلامنا المؤجلة التي كنا قد نسيناها في خضم مشاكلنا..
بعض البدايات قد تحمل لنا الحب!
كانت منار أول الناهضين، طالعت الجميع بوجوم ثم غادرت لغرفتها، همَّ علي باللحاق بها ولكن أوقفه مصطفى:
-سيبها يا علي؛ صدمتها في صاحبة عمرها مش سهلة.
اومأ علي بتفهم، وقرر تغيير وجهته؛ ليسمح لندى وصديقه بالتحدث على إنفراد، وهو أكثر من يوقن أنهما بحاجة إلى ذلك الحديث..
خرج إلى الحديقة وجلس يزفر بضيق؛ هو يود الحديث مع منار ولكنه يعلم أن الوقت غير مناسب، رغم ذلك أمسك هاتفه بعناد، واتصل بها..
انتظر حتى فتحت الخط، وعاجلها بالقول:
-ممكن تسمحيلي اجي أقعد معاكي في الاوضة؟
رفعت حاجبيها بدهشة؛ فهل هذا المراعي الحنون هو علي؟ زوجها ورفيق طفولتها!
نبرته كانت مهتمة، ولكنها لم تجبه؛ فكرر سؤاله مجددًا
-ليه؟
-هو إيه اللي ليه!
غيرت دفة الحديث وهي تخبره:
-عايزة أفضل لوحدي يا علي.
-لأ.
أغلق الخط بحسم وصعد إليها، طرق باب الغرفة ثم دلف دون أن ينتظر إذنها بالدخول.
-علي أنا مش قادرة أتكلم في موضوعنا دلوقتي بعد اذنك امشي.
-بس أنا مش جاي اتكلم في حاجة؛ جاي اسمعك بس لو حابة تتكلمي عن اللي حصل تحت.
-مش عايزة!
صرخت بجملتها بنفاذ صبر؛ فزفر هو بحدة وأرغم نفسه على تمالك أعصابه مراعاةً لحزنها..
-تعرفي أنا وساندي مبقيناش صحاب ليه؟
استرعى اهتمامها كما توقع؛ فأكمل بهدوء:
-كانت خاينة؛ زي غادة بالظبط، ويمكن أكتر كمان..
لم تستطع كبح فضولها فسألته:
-ازاي؟!
جلس على الفراش بصمت؛ فجاورته تنتظر الإجابة..
-كانت بتحاول تقتلني؛ مامتها طلبت منها ده..
تنهد بسخرية وأكمل:
-تخيلي كدا حد اتربى معاكي من صغرك.. كان صديقك الوحيد.. ضحكتو سوا وبكيتو سوا، ولما رجع مدّلك ايده رغم كل حاجة كانت بتقول لأ؛ يحاول يقتلك!
شهقت بصدمة واتسعت عينيها بغير تصديق؛ لتجده يكمل:
-هي ندمت بعدها وقالتلي وأنا وقتها قولتلها هعمل حساب للعشرة ومش هبلغ عنك وعلى عنها بس اخرجي من حياتي للأبد! ساعات الرد عاللي بيخون العشرة مبيكونش إننا نعاقبه على خيانته لأ؛ بيكون إننا نطلعه من حياتنا كأنه مدخلهاش قبل كدا.. الخاين ميستاهلش يتزعل عليه.
-علي أنا...
قاطعها مكملًا:
-مش لازم نلوم نفسنا على خيانة حد لينا، ولا نقول إحنا السبب إحنا اللي دخلناه حياتنا، ولا إزاي اتغير! الحقيقة إن محدش بيتغير يا منار؛ إحنا اللي بنبقى معميين بحبهم لدرجة تخلينا نتغافل عن كل تفصيلة صغيرة بتصرخ قدامنا واحنا بنتجاهلها.. كل تفصيلة بتقولنا خلي بالك ده هيخونك يوم!
طالعته بشرود وهو يردف منهيًا الحديث:
-مينفعش نزعل إننا دخلناهم حياتنا، بس الزعل الوحيد إننا نفضل واقفين مكانا منتحركش.. غادة كانت بتحب مصطفى يمكن عشان كدا مخادتش بالها إنها بتأذيه هو شخصياً؛ زي ما ساعات الحب بيكون أعمى ويخلينا نقع في حب حد مش مناسب، ساعات بيحولنا إحنا للشخص اللي مش مناسب ده نفسه!
اومأت بإدراكٍ لحديثه، ثم ربتت على ذراعه بتفهم.
-على فكرة أنا زعلان منك!
أخبرها بمشاكسة فتذكرت هي الأخرى بُعدها عنه؛ فنهضت من جانبه بسرعة وهي تخبره:
-من فضلك يا علي قراري نهائي!
-وأنا كمان..
زفر بحدة وهو يسألها:
-ممكن ندي نفسنا فرصة؟ أنا بجد عايز أكمل حياتي معاكي يا منار، وعارف إنك كمان كدا؛ فخلينا نبدأ من جديد.
تنهدت بتعب؛ كم تود لو رضخت لمطلبه!
أدارها إليه برفق، نظر لعينيها بثبات وهو يقر:
-مش عايز غيرك والله!
-بس أنا..
-فكري كويس؛ هسيبك على راحتك، بس في الآخر برضو مش هنسيب بعض.
ربت على وجنتيها بمشاكسة، ثم أخبرها بمزاح وهو يغادر:
-تعالي نشوف اخوكي وندى مش طالعلهم حس ليه؛ لا يكونوا خلصوا على بعض ولا حاجة!
صدرت منها ضحكة خافتة أثلجت قلبه بحبور، ثم تبعته معلنةً- ضمنيًا- إنها تسعى نحو إستمرارٍ معه، ونحو حياةٍ مشرقة ربما قد تجمعهما سويًا..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الإعتراف بالحب قد يكون مستحيلًا لمن لا يشعر به، أو لمن قام الحب فيما مضى بسحق قلبه بلا رحمة!
لفظة الحب حينها تسبب ذعرًا مستحقًا..
نخشاها ونهرب من سماعها، حتى ونحن نوقن أن ذلك الشخص هو الدواء الوحيد للعطب الذي يصيب قلوبنا..
في الواقع إن المرء يخشى دائمًا كل ما يتشابه ظاهريًا مع مسببات ألمه الماضية، ولو كان باطنها مختلفًا!
تلك لعنةٌ مستحقة لمن كُسر قلبه بواسطة أعز ساكنيه.
الحب في قاموس حياتها أصبح محظورًا..
كلمة مقيتة لا تجلب لها سوى الألم..
هو يحبها، وتعلم..
هي تخشى فقدانه، ويعلم..
وما بين علمه وعلمها.. تكمن معضلة الحكاية!
أوصلها لمنزلها وغادر تاركًا إياها في دوامة التفكير، ومنحها حرية الخيار وإتخاذ القرار..
يطلب منها أن تختار ما بين أن تحيا كابوسها المريع مجددًا، وبين أن تخسره للأبد!
رأتها والدتها بهيئتها الباكية وهي تدلف للمنزل؛ فسألتها بفزع:
-مالك يا هدى؟!
-طارق هيسافر تاني يا ماما!
قالتها وارتمت بين أحضانها تكمل وصلة بكاءها، ولم تملك والدتها سوى التربيت على ظهرها بقلة حيلة..
أما هو فلم يعد للمنزل؛ طاف بسيارته في الشوارع بلا هدف يفكر بها، وبحياته التي تعطلت لسنوات بسببها.
أقسم أنه لن يضيع المزيد من الوقت، وأنها ستكمل درب حياتها معه، حتى ولو ضغط عليها؛ فهو اكتفى من الصبر..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
"الحب للشجعان؛ الجبناء تزوجهم أمهاتهم."
_نزار قباني.
الإعتراف بالحب وحده لا يكفي؛ بل ينبغي المحافظة على هذا الحب، وحمايته من الضياع..
الحب لا يصونه سوى الرجال، وأما دون ذلك فقصصٌ عابرة لا تستحق أن تُروى..
وهو لم يكن رجلًا؛ بل تخاذل بجبن، وآثر درب السلامة لحين إشعارٍ آخر!
انصاع لوالدته ظنًا منه أنها سترضخ لرغبته ذات يوم، وسترضى عن زواجه بالمحبوبة؛ ففاجئته الأخيرة بهروبٍ ربما يكون أبديًا، وتركته يعاني ذنب خسارتها وحده..
لم يعد يحتمل، ووالدته لا تشعر به ولا بما يعتمل بداخله من حزن، وحبيبته ليست بجانبه لتواسيه..
تلك الحكاية وضع بها القدر كلمة النهاية جبرًا رغم أنوف الجميع..
أنهاها قبل أن تبدأ، ومحى كل السبل المؤدية لفرصة أخرى؛ لذا قرر هو خلق واحدة!
يمتلك الفكرة التي ستضع النهاية اللائقة، وسينفذها..
استغل جلوس والدته في غرفتها، توجه للمطبخ، واستل سكينًا!
نظر لنصلها الحاد بتردد أزاله سريعًا، وشرع في تنفيذ ما انتواه..
خيطٌ رفيع من الدماء سال من معصمه إلى أرضية المطبخ العارية، وبعد ثوانٍ خر هو الآخر مجاورًا لدمائه، واستقر ساكنًا على الأرضية الباردة، ودون حراك!
أنت تقرأ
للنساء فقط
Romanceالنساء.. لغزٌ كبيرٌ عجزت الكتب عن تفسيره على مر الزمان، وعجز العالم عن فهمه. أن تفهم ما تريده المرأة لهو ضربٌ من الخيال يا عزيزي؛ فكيف ستفهم من عجزت هي شخصيًا عن فهم نفسها!