يكمن إختلاف المعزوفات الموسيقية في تشابهها الضمني!
جميعها مكونة من نفس الألحان، ولكن بترتيب مختلف؛ لتخرج لك ذات مرة تلك المعزوفة الحزينة، وأخرى غاضبة عاصفة، وغيرها دافئة ورومانسية..
الموسيقى تسرد لنا حكايا أصحابها أحيانًا، وتكشف لنا خباياهم..
الموسيقى هي الوحيدة القادرة على كشف أسرار عازفيها، والمستمعين إليها.
هناك موسيقى جنائزية..
حزينة؛ يستمعون إليها في المآتم..
تمتلك ألحانها معانٍ حزينة؛ تشبه أرواحنا المهزومة!
هي لم تكن في بالٍ رائق لسماع الموسيقى، ولكن بداخلها كانت تُقام معزوفةً من نوعٍ خاص..
معزوفةٌ تُحاكي حزنها، وتشبه في نفس ذات الوقت الحرب الضروس القائمة بداخلها..
ها هي الآن تتزين بأمرٍ تعسفيٍّ من والدها؛ بتقابل الشاب الذي من المحتمل أن تصبح زوجته.
نأت زوجات الإخوة عن المساعدة، ولم تبق معها سوى والدتها، التي نطقت بسعادة فور أن انتهت من تزيينها كعروس:
-بسم الله ما شاء الله، قمر اربعتاشر يا بنتي والله.
أجبرت نفسها على الابتسام وهي تجيبها بخفوت:
-شكرًا يا ماما.
-الشاي يا أم جنى..
صاح بها والدها من الخارج ينادي والدتها؛ فهرولت إليه تلبي النداء، وتركتها وحيدة..
طالعت نفسها عبر المرآة بعجز؛ تلعن عودتها..
تفكر هل كان هربها من كريم يستحق؟
هل كرامتها المهانة الآن كانت لتُصان في هذا البعد!
وتدرك أنها قد اخطأت للمرة التي يأست فيها عن تذكر عددها، وأن الهرب لم يزدها إلا خسارة..
كانت تستمع لضحكات والدها وأشقائها الرجال في الخارج؛ يبدو أن الشاب يعجبهم!
أغمضت عينيها بوهن وهي تدرك أن الرفض لن يكون في صالحها..
جاءت والدتها تخبرها أن الوقت قد حان؛ فسارت خلفها خاوية لا تشعر بشيء، وترجو معجزةً تخلصها مما هي مقبلةٌ عليه..
دعاها والدها للجلوس بودٍ لا تراه منه عادةً، تركهما يتحدثان بمفردهما؛ ليتعارفا، وكانت هي تنتظر معجزة!
وعلى الجانب الآخر كانت السيدة المسنة تركض في طرقات المشفى؛ تتوسل الجميع لإنقاذ ابنها الذي حاول الانتحار.
طمأنتها الممرضة وطلبت منها الإنتظار خارج الغرفة؛ ريثما يفحصه الطبيب.
انصاعت لها وقضت ساعة في انتظارها الذي كان على أحر من الجمر، حتى خرجت احدى الممرضات؛ فهرولت ناحيتها تسألها عن حاله.
-هو كويس يا حاجة متقلقيش، كانت محاولة إنتحار بس لحقناه الحمد لله.
تنفست الصعداء لإطمئنانها عليه، ثم سرعان ما لطمت صدرها بهلع؛ حين فطنت لما تخبرها به الممرضة الشابة.
وحيدها حاول الانتحار!
فلذة كبدها كاد أن يلفظ أنفاسه..
نكست رأسها بخزي؛ تعلم السبب وراء فعلته الرعناء تلك!
تتنهد بإستسلام، وتقرر..
اللعنة على كل شيء، سوى سلامته!
سارت بخطى متثاقلة نحو مكتب الاستعلامات، استندت فوق السطح الرخامي بإنهاك؛ سببه كبر سنها، ثم طلبت من موظفة الاستقبال بنبرة متعبة:
-ممكن أعمل تليفون يا بنتي؟
اومأت لها الفتاة بطيبة:
-اتفضلي يا ماما..
توقفت مجددًا وهي تدرك أنها لا تملك رقم هاتف الفتاة، ولكنها سرعان ما استدركت الأمر، ووجدت ضالتها.
تذكرت هاتفه الذي سقط منه حينما كانت تحاول نقله إلى المشفى، فتشت بين أرقامه حتى وصلت لرقمها؛ فاتصلت بها على الفور..
وعند جنى كانت تضم قبضتيها بضيق وهي تحاور الشاب أمامها بسماجة، وبإبتسامة مجاملة أرغمت نفسها عليها؛ لحين إنتهاء تلك المقابلة بسلام.
رن هاتفها فجأة؛ فطالعت شاشته بدهشة!
كريم يتصل بها؟ والآن!
لماذا يا ترى؟!
ابتسمت لمحدثها بحرج تطلب منه أن تجيب؛ فأشار لها أن تفعل..
رفعت الهاتف فوق أذنها بتردد:
-ألو..
-جنى معايا صح؟!
باغتها الصوت النسائي المتحدث؛ فأجابتها بحذر:
-ايوة أنا..
أتاها الصوت الملتاع:
-أنا مامت كريم؛ ابني بيموت ومحتاجك يا جنى!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الموسيقى تصبح نشازًا عندما يعزفها الجاهلون بفنها..
أنت تقرأ
للنساء فقط
Romanceالنساء.. لغزٌ كبيرٌ عجزت الكتب عن تفسيره على مر الزمان، وعجز العالم عن فهمه. أن تفهم ما تريده المرأة لهو ضربٌ من الخيال يا عزيزي؛ فكيف ستفهم من عجزت هي شخصيًا عن فهم نفسها!