الفصل الواحد والعشرون

77 8 0
                                    

بعض السطور تشبهنا..
وبعض مشاهد الأفلام تسرد قصصنا..
أما عن كلمات الأغاني وألحانها؛ فهي سحرٌ.. يشعرنا بأن آخرين يعايشون الواقع نفسه، يمرون بنفس المعاناة، أو يمرون بنفس المشاعر التي نمر بها..
والألحان تسحبنا في دوامة؛ فتجعلنا نعلق بها دون شعور..
وما بين سحر الألحان والكلمات التي تشبه حكايتنا.. نغرق!
"سهرانة أنا.. دايمًا بفكر حيرانة!
إزاي هقولك حيرانة، طب وأعمل إيه؟!
تيجي قصادي كتير تسمع..
يبقى خلاص السر هيطلع! وبداري عليك.."
أحيانًا نتعلق بأغنيةٍ ما؛ لأنها تشبهنا..
تحاكي مشاعرنا وواقعنا الحالي، ثم نتمسك بها؛ علّها تؤازرنا فيما نمر به..
اختارت تلك الأغنية تحديدًا ليتراقصا عليها، وهو -بجهلٍ- لم يمانع..
أخبرته أنها أغنيتها المفضلة، وهو أراد أن يقدم لها اليوم ما يستطيعه؛ كي يجعل يومها لطيفًا قدر المستطاع..
حفل عقد قرانٍ بسيط.. لم يحضره سوى صديقتها ندى، ويعلم كم كانت تود باقي الصديقات وشقيقها..
تم عقد القران وأصر في على تلك الرقصة الكلاسيكية المعتادة؛ فها هي الآن تراقصه في صمت ورتابة..
كان يعلم رفضها لتلك الزيجة وفاجأه إتصالها به وإخباره بموافقتها؛ ليشرع في الترتيبات حالًا.
اصطحبها برفقة ندى لتناول العشاء خارجًا، كان يتجاذب أطراف الحديث مع الأخيرة بينما زوجته التي تجاوره ظلت صامتة، بعدها أوصلا ندى لمنزلها، ثم توجها إلى بيت منار؛ لتحزم أمتعتها وتنتقل معه لمنزله كما أتفقا.
وصلا للمنزل ودلفا للداخل، كانت والدتها تجلس بأريحية على الأريكة الوثيرة ويبدو أنها كانت تنتظرها.
تنهدت بنفاذ صبر؛ فأهداها علي نظرةً صارمة:
-يلا يا منار اطلعي لمي هدومك.
اومأت بطاعة، وتوجهت نحو الدرج متجاهلة صوت والدتها المتفاجئ:
-هتاخد بنتي على فين يا علي؟!
-مراتي..
صحح لها الصفة الجديدة لمنار بهدوء، ثم أردف موضحًا:
-من النهاردة منار بقت مراتي؛ عشان كدا طبيعي تنتقل لبيت جوزها.
صعقت فاديا مما أخبرها به للتو، واهتاجت قائلة:
-أنت بتقول إيه إزاي تتجوز بنتي من ورايا!!
-أخوها وولي أمرها موافق والعروسة نفسها موافقة؛ فمظنش إن اعتراض حضرتك ليه لازمة.
-أنت إزاي تتجرأ!! بنتي مش هتتحرك خطوة معاك.
قالتها توشك على صفعه؛ فأمسك رسغها بقسوة نسبية:
-طنط أنا محترم حضرتك لأني اتربيت هنا وسطكم، ولأني بعتبركم عيلتي.
شدد من قبضته على معصمها وهو يكمل بوعيد:
-بس منار دلوقتي مراتي وفي حمايتي، ومش هسمح لحد يمسها ولو بكلمة حتى.
وعلى نهاية حديثه كانت منار قد عادت تجر حقيبتها خلفها، ابتعد عن والدتها وتوجه إليها، أهداها إبتسامة غصب شفتيه عليها، حمل حقيبتها للخارج، وتبعته هي بصمت.
جاورته في السيارة، وانطلق بها نحو منزله حيث أصر أن تسكن معه فيه حتى يخرج أخيها.
وصلا للبناية التي يقطن بها، رافقته حيث شقته، دلف بها للداخل، واستقبلها بإبتسامة:
-نورتي بيتي المتواضع يا منار.
كانت تفرك يديها بتوتر واضح لعينيه؛ فقرر أن يحاول تخفيف وطأته عليها.
-بصي بقى يا ستي طبعاً مش محتاج أقولك البيت بيتك واعتبريني ضيف عندك والجو ده، لا يا ستي ده بيتنا سوا عادي!
ابتسمت من محاولة مزاحه الفاشلة، ثم أجابته بإمتنان:
-شكرًا يا علي..
أمسك كفها بحنان فأجفلت:
-متقوليش شكراً دي تاني، ويلا عشان نتعشى؛ أنا ميت من الجوع.
تبعته ترفل على استحياء بفستانها البسيط بلونه العاجي، تناولا طعامهما بحديث مازح من جهته، وآخر خجول مقتضب من جهتها.
بعد أن انتهيا أشار لها لغرفة ما:
-ادخلي غيري هدومك.. خدي راحتك ماشي.
اومأت بتوتر، وتوجهت إليها.
جلست على السرير تضم قبضتيها بخوف من القادم؛ هي تعلم أن علاقتهما كزوجين لن تتم، ولكنها تشعر بالحرج من وجودها برفقته.
طال غيابها في الداخل فطرق باب الغرفة بإهتمام:
-منار أنتي كويسة؟
أفاقت من شرودها على نبرته المهتمة؛ فنهضت تجيبه من خلف الباب:
-آه يا علي ثواني وطالعة.
بدلت ثوبها بمنامة قطنية تزينها رسمة دب لطيف، وقفت حائرة لبضع لحظات أمام المرآة.. هل ستكشف شعرها أمامه؟ هي الآن زوجته، ولكن علاقتهما زائفة ومؤقتة؛ فترى ما العمل؟
استقرت دواخلها على حلٍ وسط؛ وشاحٌ خفيفٌ من نفس لون منامتها الوردية، ولن تحكم ربطه..
خرجت لتجده قد تحرر من سترة بذلته الرسمية، نهض يمر من جانبها بأريحية:
-اتأخرتي دنا كنت هنام! هدخل أغير هدومي أنا بقى.
اتسعت عينيها بصدمة حينما رأته يخطو نحو الغرفة ذاتها؛ هل تلك الغرفة ستكون غرفتهما معًا؟!
بعد بضع دقائق خرج لها هو الآخر بمنامة كلاسيكية ذهبية اللون، ابتسمت بسخرية؛ فهي قد بدأت تنسى أن علي هو الكلاسيكية بذاتها.
بدأت ملامحه تتحول للجدية ولكن النظرة الحانية التي يخصها بها على الدوام لم ترحل، أمسك بكفها، تجاهل رجفتها وأجلسها بجانبه، ثم تنهد بعمق:
-منار كنت عايز أتكلم معاكي في موضوع..
استدعت ثباتًا زائفًا تقاطعه به:
-علي لو سمحت.. مافيش داعي تقول حاجة أنا عارفة كل الكلام اللي هتقوله، جوازنا مؤقت وصوري وبالتالي مش لازم أفكر إن علاقتنا دي حقيقية.
كانت تحادثه بتهكم صدمه! ود لو أطلق العنان لغضبه من لهجتها التي لا تعجبه، ولكنه آثر السلم؛ فهو أكثر من يعلم عن حالتها النفسية السيئة.
-بس أنا مقولتش كدا!
أكمل متنهدًا:
-منار بصي.. جوازنا تم.. تم عشان هو جواز مينفعش ننوي غير كدا وإلا هيبقى باطل، سيبيها بظروفها متحطيش مدة معينة، إحنا متجوزين لحد ما ربنا يإذن بغير كدا.
-يعني إيه؟
سألت بعدم فهم؛ فأجابها بهدوء:
-يعني اتعاملي عادي وأنا هتعامل عادي، الموضوع جه فجأة بس ده ميمنعش إننا نحاول نتعايش معاه، أنا عارف إنك طول عمرك شيفاني زي مصطفى بس يمكن إرادة ربنا غير كدا.
الرجال هم أكثر الكائنات غباءًا؛ تلك هي أكثر حقيقة موثقة..
مهما قاموا بإدعاء الذكاء أو محاولة التصرف وفقًا له.. تظل بداخلهم تلك النقطة العمياء العارية من الفطنة، نقطةٌ تتعلق بإدراكهم لمشاعرهم على الأرجح، أو بكيفية التعامل معها بعد إدراكها..
غباء الرجال في الحب قد يفوق النساء بأشواط، ولكنهم -ولشدة غبائهم- لا يدركون!
أفاقت من خاطرها الساخر على سحبه لها لتنهض معه؛ ففعلت..
رافقها لغرفة النوم، ثم نطق ببساطة:
-يلا ننام بقى عشان هلكت النهاردة.
سحبت يدها بفزع:
-ننام؟!
لم يستطع السيطرة على ابتسامته الخبيثة التي استحالت لضحكة:
-دماغك مش حلوة على فكرة! أنا قولت ناخد على بعض بس أكيد مكانش قصدي بالطريقة دي، إلا لو أنتي تحبي يعني.
أنهى حديثه بغمزة وازتها نظرة غاضبة من عينيها، ثم توجهت للأريكة:
-تصبح على خير يا علي.
أمسكها من رسغها وأدارها إليه بمشاكسة:
-لا تصبح على خير إيه معندناش مراتات ينامو بعيد عن أجوازهم!
رفعت حاجبيها بعدم فهم ليكمل:
-هننام جنب بعض عادي؛ إحنا اتفقنا إن ده جواز مهما كانت الظروف اللي خلتنا ناخد قراره، ومتخافيش هنام بأدب.
أهداها تلك الغمزة الساحرة مجددًا، ثم اعتلى السرير واستدار في مواجهة الحائط، واستغرق في النوم!
دارت عينيها في الغرفة بتردد وخجل مبرر لعروس، ثم جاورته بحذر وأولته ظهرها هي الأخرى، وأغمضت عينيها تستدعي نومًا لن يأتي؛ فكيف له أن يفعل وهي تجاور أحد أكثر أحلامها إستحالة؟!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
"أنا بعتذرلك.. عن سكوتي وقت ما تحبي الكلام.
وإن عندي شيروفوبيا.. ونقص حاد في الإهتمام!
وإني دخلتك معادلة، ليها أكتر من نهاية.
وإني محتاجك بعيدة! بس محتاجلك معايا.."
إذا أردت أن تعرف حكاية الأنثى؛ فاستمع إلى أغنيتها المفضلة، وستخبرك هي بكل ما تود معرفته بل وأكثر.
أما عند الرجل فالأمر مغاير؛ الرجال لا يحبون الأغاني، وإن استمعوا لها يومًا فلن يدققوا بكلماتها كما نفعل، لن يشعروا بأنها تصف ما يمرون به بحالمية مثلنا؛ بل فقط يعجبون بالألحان، ويعتبرونها محض تسلية..
أسطورةٌ ما تقول أن ما نألفه من كلمات يشابه ما نمر به؛ فالروح تنجذب لما يحاكيها..
بغض النظر عن إذا كنّا نمعن التعمق في معاني تلك الكلمات وما وراءها، أم لا.
الليل حزينٌ؛ تبدأ فيه جروح الماضي بالتقيح ونحن من ظنناها التئمت، ويذكرنا بمن رحلوا ولن يعودوا..
الليل هو تربة الذكريات الخصبة، ومنه نشعر بالهزيمة.
لياليه أصبحت متشابهة..
مملة؛ خاصةً بعد مواجهته الأخيرة معها..
هي صديقته المقربة، أكثر من تفهمه، دعامته التي تحول بينه وبين السقوط، والتي أرادها -بأنانية- لنفسه..
يعلم أنه لم يتعافى تمامًا من حب الأخرى، ولكنه ظن أن التعافي سيكتمل بها!
أفصح عن رغبته بلا مواراة، طلب يدها للزواج، كان صريحًا معها فيما يخص مشاعره، لفت نظرها لإصابته وعجزه وإن كان يوقن أنها لن ترفضه لهذا السبب، ثم ترك لها حرية الموافقة أو الرفض..
حينها لا تنكر هي أن حديثه قام بتمزيق قلبها العاشق، ولكنها احترمت صراحته..
رفضت بتعقل، وأخبرته عن السبب الحقيقي لرفضها؛ فمهما كانت صداقتهما قوية هي لن تسمح لنفسها أو له أن يتخذها كعلاجٍ من مرض لا يود -في أعماقه- الشفاء منه.
احترم رغبتها واتفقا ضمنيًا على ألا يتطرقان لهذا الموضوع مجددًا، وعادت صداقتهما كما كانت..
أو هذا ما بدا عليه الأمر..
كان يدرك بداخله أن هناك بينهما ما تغير..
أن حديثهما أصبح أقل، وأن مقابلاتهما لم تعد بنفس الوهج السابق..
-نايمة يا لبنى؟
استهل حديثه معها عبر تطبيق رسائل الواتس آب بذلك السؤال، وسرعان ما أتته الإجابة:
-لا.
وفور أن رأى إجابتها هاتفها..
-خير يا مالك؟!
-لبنى إحنا لازم نتكلم..
سألته بتوتر:
-نتكلم ف إيه؟
تنهد بعمق ولم يعلم من أين يجب أن يبدأ؛ فكيف يخبرها أن ما بينهما لم يعد كما كان، بينما هي كانت تنأى عن ذلك الحديث كلما حاول التلميح إليه من قبل.
-انتي لسة زعلانة مني يا لبنى، ومتقوليش لأ!
قرر أن أقصر الطرق نحو ما يفتش خلفه هو الخط المستقيم؛ لذا باغتها بجملته!
ظلت صامتة لبضع ثوانٍ، ثم تنهدت وهي تقرر أن تجيبه:
-فعلا يا مالك أنا زعلانة..
أكملت بعتاب:
-زعلانة لأني حسيت صداقتنا مش كافية عشان تفهمني، كنت مفكراك هتكون بتفهمني زي ما أنا بفهمك.
أنهت حديثها بحسرة الذي قال كلامًا لم يعنيه، بل أنها كانت تعني كلامًا مشابهًا لمعناه.. وذلك هو الأقسى!
وكما توقعت فهم حديثها على نهجٍ مغاير؛ فأجابها مبررًا:
-يا لبنى أنتي اللي مش فهماني!! الحب عمره ما كان كل حاجة واحنا في بينا ود وإحترام وتفاهم، وكمان صحاب حلوين جداً؛ يبقى ليه لأ!
-احنا فعلاً صحاب حلوين يا مالك وأنا مش عايزة أخسر الصداقة دي، بس أنا آسفة جداً مقدرش اتجوزك؛ محتاجة اتجوز حد أحبه ويحبني.
أنهت الحديث بتلك الجملة؛ فأنهى هو المكالمة بأكملها..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
"زيك أنا.. مقسوم ما بين الضفتين..

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن