الفصل السادس عشر

69 8 0
                                    

بعض النصوص تشبهنا..
تلمس وترًا حساسًا بداخلنا..
تتغلغل لداخلنا وتجعلنا نفكر..
هل من كتبها كان يعاني ما نحن نعانيه الآن؟
أم كتاباتهم فقط تفننوا بها لتعجب آخرين..
اغمض عينيك..
استرجع من ذاكرتك كل ما قرأته يومًا..
تذكر ذلك النص الذي علق ذهنك عنده ذات يوم..
ذاك النص هو أنت.. تلك السطور تصفك.. أولئك الشخصيات هم أقرانك في عوالم موازية!
"كان في عينيك شيءٌ لا يخون، لست أدري كيف خان!"
_فاروق جويدة.
الخيانة مؤلمة..
شعورٌ بشع..
وهنا علينا أن نتنبه الخيانة ليست جسدية فقط..
وليست بين الأحبة..
بعض الطعنات تأتي من الأصدقاء..
من زملاء العمل..
وحتى ربما من الأقارب..
أما أن تأتي من أشقائك!
أو ممن اعتبرتهم كذلك..
تلك هي الطامة الكبرى!
هو شخصٌ فقد ثقته بالجميع إلا ثلاث..
صديقه، شقيقة صديقه الصغرى، ومن اعتبرها بمثابة الشقيقة..
عاد من الموت!
نجا بفضل الدعوات الصادقة، وجهود الأطباء.
استفاق من ثباته بعد أن تم تطهير دمائه وسحب السم منها..
كانت حالته ما تزال حرجة ولكن الأطباء سمحوا بالزيارة؛ نظرًا للهفة مرافقيه..
التم شملهم به أخيرًا..
كان صديقه يلتصق به كطفلٍ وجد أمه؛ ابتسم عندما جال هذا الخاطر بمخيلته، ونقل بصره للشقيقته التي كانت صامتة.
-ساكتة ليه يا منار؟
انتبه لها شقيقها أيضًا؛ فنطقت بانتباه:
-هاه! لا عادي.
لم يقتنع كلاهما ولكنهما لم يعلقا..
بدأوا يتناولون طعام الإفطار الذي أحضره مصطفى بصمت، حتى قطعه الأخير بقوله كمن ألقى قنبلة:
-صحيح يا علي نسيت أقولك منار وعمر سابوا بعض.
رفعت رأسها بدهشة؛ فما شأنه هو ليخبره؟!
توقن أنه سيعلم بطبيعة الحال، ولكن ليس هنا والآن!
بينما هو كان منصدمًا، يطالعها بأسف وحيرة؛ فذلك المدعو عمر كان متيمًا بها فترى لماذا انفصلا؟!
نهضت هي بطيف ابتسامة وحاولت النطق بمزاح:
-أنا أصلا مكنتش عايزة اسيب مصطفى!
لوى شفتيه بسخرية وكاد أن يجيبها ولكن رنين هاتفه قاطعه، كانت ندى هي المتصلة!
تفاجئ في بادئ الأمر ولكنه سرعان ما استدرك؛ هاتف منار فرغت بطاريته لذلك هي تتصل به هو.
كاد أن يعطيها الهاتف ولكنه قرر أن يجيب عليها بنفسه، استأذن وخرج من الغرفة دون أن يعلمهما عن هوية المتصل.
شعرت منار بالتوتر من ذلك الذي يتأملها بتفحص ويحاول سبر أغوارها..
-ضايقك؟
كان سؤاله مباغتًا باردًا فنظرت له بدهشة!
نبرته حيادية مشوبة بالضيق.. أجابته بخفوت ولكن ببتر:
-مقدرتش أحبه ولا أديله قلبي.
صدمه ردها! لماذا لم تستطع أن تهبه قلبها كما فعل؟! هل تحب آخر؟! بالطبع لا؛ هي لا تعامل رجالًا غيره وشقيقها، كما أنها ما تزال صغيرة.
لا هي لم تعد صغيرة! هكذا بدأ يرى في فترتهما الأخيرة؛ الصغيرة بدأت تنضج، أصبحت أكثر جدية وعمقًا في تفكيرها، أكثر حزنًا، هل تحب أحدهم بالفعل؟!
وحتى إن كانت فلماذا ارتضت بعمر؟!
الكثير من الأسئلة طافت برأسه، وكاد أن يسألها بدافع حمائية أخوية يستشعرها نحوها.
ابتسم مشاكسًا لها:
-ده يا بخته اللي هتكوني من بخته يا مينو.
ابتسمت ببهوت ولم تعلق، ومن داخلها تود أن تخبره أنها تحبه هو، وتريده هو!
بينما قرر في داخله أن يفتح معها الأمر لاحقًا؛ سيسألها عما يجول بخاطره، ويعلم أنها ستجيبه بصدق؛ ففي الأسرار تعلم أنه سيتفهمها أكثر من أخيها.
ظلا صامتين حتى عاد مصطفى بعد أن أنهى مكالمته وهو يحمل باقةً من الزهور، ناولها لصديقه:
-بوكيه الورد ده قالولي إنه جايلك، بقى ليك معجبات من ورايا يا عم ولا إيه؟!
قال جملته الأخيرة مازحًا؛ فتناول علي منه الباقة يطالعها بتعجب، والتفت مصطفى لشقيقته ببرود:
-ندى صاحبتك اتصلت بيا تطمن على علي؛ عشان تليفونك كان مقفول.
اومأت بتفهم..
بحث علي عن بطاقة تنم عن هوية المرسل ولم يجد سوى مظروف ورقي صغير..
فضه بترقب ليجد اسم ساندي في مقدمته..
أعلن عن هويتها في دهشة انتقلت لرفيقيه..
"حمدلله على سلامتك يا علي.. كان نفسي أكون موجودة جنبك دلوقتي، وعارفة إنك أكيد استغربت من عدم وجودي.
فاكر زمان واحنا صغيرين؟ كنا قريبين جداً معرفش الزمن غيرنا ولا إحنا اللي غيرنا الزمن!
في الواقع أنا مبقتش البنت الصغيرة أم ضفاير اللي بتعيط دايما قدامك، واللي كنت بتهديها بابتسامة لطيفة فتروق وتلعب معاك.
بيقولوا إن الطبع غلاب، وأنا خدت طبعي من أمي.
من غير لف ودوران زيادة أنا السبب في اللي أنت فيه دلوقتي يا علي؛ كنت بحقق رغبتها وفاكرة إنها كدا هتحبني، بس كنت أكبر مغفلة في الدنيا!
أنا هرجع لندن وأوعدك إنك مش هتشوفني تاني؛ يمكن مبقاش ينفع نكون اخوات أصلاً بعد اللي حصل.
علي أنت حد كويس أوي مش هطلب منك تسامحني؛ لأني عارفة قد إيه الغدر وحش.
أنا بس عيزاك تعيش بسلام وبخير.
آه حاجة أخيرة حابة أقولهالك؛ حافظ عالناس اللي حواليك وبتحبك، بص حواليك كويس هتلاقي حب يكفي الدنيا مع حد مكنتش تتخيله."
وهنا انتهت الحروف، رفع عينيه إليهما واجمًا ولم يستطع النطق؛ فما قرأه كفيل بأن يفقده النطق.
-حد يناولني تليفوني..
وكان هذا هو ما نطقه بعد مرحلة الصمت..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
"يمكنك إغلاق عينيك كي لا ترى ما لا تود مشاهدته، لكن لا يمكنك إغلاق قلبك أمام ما لا تريد الشعور به."

للنساء فقطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن