للنساء فقط

الفصل الرابع عشر

التضحية..
كلمةٌ تحمل الكثير من المعاني رغم سطحيتها التي تبدو ظاهرة!
ولكن عزيزي القارئ دعنا نتعمق في معناها قليلًا، وأعدك أنك ستنبهر!
التضحيات من أجل الحب كثر..
فتلك تضحي بمالها في سبيله، وأخرى تترك عملها وتدمر مسيرتها المهنية لأجله..
وذاك شابٌ آثر أن يتخلى عن ثروة والده ومعيشته الرغدة من أجل حبيبته ذات الطبقة المتوسطة؛ لأن والده يرفض-بالطبع- مصاهرة والديها..
ولكن هل سمعتم من قبل عن من ضحى بالحب من أجل الحب؟!
هي فعلت..
تخلت عن من أحبها في سبيل آخر يكاد لا يراها..
خذلته أمام الجميع..
تركت له ندبة لن يداويها الزمان؛ حطمت قلبه..
كان يراقبها من زاوية بعيدة نسبيًا.. صديقاتها يهدئن من روعها وكأنها فقدت عزيزًا.. شقيقها يقف بعيدًا يتابع المشهد كله بخواء؛ يعلم أن الشاب الذي يرقد بداخل الغرفة ويصارع الحياة هو الأقرب له؛ ولكن ماذا عنها؟!
خلع رابطة عنقه التي تشعره بالاختناق، قام بطيها في جيبه، ثم خطى نحو الشقيق؛ يواسيه..
ربت على كتفه بآلية، وغمغم:
-ربنا يقومه بالسلامة يارب..
آمن مصطفى على دعاءه:
-يارب.
تطلع حوله بأعين باهتة يتأمل الجميع في صمت..
صديقه يقف بعيدًا واضعًا يديه في جيوبه، ويبدو عليه الملل..
الفتيات جميعهن يشكلن دائرة حول مخطوبته تكاد تمنعه من رؤيتها؛ يحاولن تهدئتها، وهي لا تتوقف عن البكاء!
صديقة المريض المقربة تقف في ركنٍ ما منفردة، وتدّعي بكاءًا يبدو زائفًا!
خاطب ندى ينأى بشقيقته بعيدًا عنهم، ويستغرق معها بحديثٍ يبدو شائكًا!
تنهد بحسرة؛ تلك الصورة لا تناسبه، هو دخيلٌ بها ولو كابر وأنكر.
الآن أدرك أن قصتهما انتهت، حتى ولو لم تكن هي تحب الآخر- رغم ضعف الاحتمال- لكنها لم تحبه يومًا.
اقتحم حياتها عنوة، أجبرها عليه بطريقة لا تسمح لها بالرفض؛ لذا لا يستطيع لومها الآن، ولا أن يوصمها بخيانة غير مستحقة.
أفاق من شروده، وقرر أن ينهي المهزلة هنا والآن وقبل أن يتراجع.
اتجه نحوها بخطى ثابتة، وقف أمامها يحاول أن يستجمع بعض الكلمات؛ يحاول أن يجعلها منمقة، وألا تتعارض مع الوضع الصعب الذي هم فيه.
أجلى صوته أخيرًا:
-منار..
رفعت رأسها من بين أحضان غادة، طالعته بأعين باكية؛ تنتظر ما يريد قوله..
تنحنح:
-ممكن لحظة على انفراد؟
كادت أن تنصاع له لولا الطبيب الذي خرج من الغرفة.. تجاهلت عمر الذي ابتسم بسخرية حين ركضت نحو الطبيب تسأله بلهفة:
-طمنّي يا دكتور علي كويس؟!
عدّل الطبيب من وضع عويناته بإرهاق، ثم أجابها بعملية:
-للأسف السم ف جسمه بقاله فترة طويلة ومش قادرين ننجح ف استخراجه.. هو ما بين ايدين ربنا دلوقتي؛ ادعوله!
تراجعت للخلف مبهوتة.. زاغت عينيها نحو شقيقها الواجم.. استجمعت شتاتها واقتربت منه:
-مصطفى..
رفع عينيه لها بضياع؛ هو يعاني الفقد، وعلي كان بمثابة الأخ والصديق والوطن؛ فكيف لمن فقد وطنه وأصبح يشعر بالتشرد فجأة أن يكون بخير؟!
وللحظة أدرك انهيار شقيقته هي الأخرى!
أعزى الأمر لكونها تربت معه، وأنها تعتبره مثله تمامًا بل وربما أعز..
ضمها لصدره بلا حديث؛ يهدئها ويهدئ نفسه، وكلاهما يدعو الله بإخلاص أن ينجيه لهما..
ومن بعيد كانت احداهن تنظر حولها بمداهنة؛ تحاول ألا تظهر انتشاءًا بنجاح خطتها، واكتفت فقط برسالة قصيرة لوالدتها؛ تخبرها فيها عن نجاح خطتهما، وأن المرحلة التالية قد آن وقتها!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أحيانًا هناك من يرى أن الحب يمكن أن يكون عبئًا..