١ - الإجماع على خلافة أبي بكر :

57 11 1
                                    

أما الإجماع المدّعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة، ثُمّ مبايعته بعد ذلك في المسجد فإنّه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلّف عن البيعة علي والعبّاس وسائر بني هاشم، كما تخلّف أُسامة بن زيد، والزبير، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت، وأبو بريدة الأسلمي، والبراء بن عازب، وأُبيّ بن كعب، وسهل بن حنيف، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وأبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وخالد ابن سعيد، وغير هؤلاء كثيرون (١) ، فأين الإجماع المزعوم يا عباد الله؟!
على أنّه لو كان عليّ بن أبي طالب وحده تخلّف عن البيعة لكان ذلك كافياً للطعن في ذلك الإجماع، إذ إنّه المرشّح الوحيد للخلافة من قبل الرسول على فرض عدم وجود النّص المباشر عليه.

وإنّما كانت بيعة أبي بكر عن غير مشورة، بل وقعت على حين غفلة من الناس، وخصوصاً أولي الحلّ والعقد منهم ـ كما يسمّيهم علماء المسلمين ـ إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه، وقد فوجيء سكّان المدينة المنكوبة بموت نبيّهم، وحمل الناس على البيعة بعد ذلك قهراً، كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة (عليها السلام) إن لم يخرج المتخلّفون عن البيعة (١) ، فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نقول بأنّ البيعة كانت بالمشورة وبالإجماع؟!

وقد شهد عمر بن الخطّاب نفسه بأنّ تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها : فقال : « ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترنّ امرء أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت إلاّ وإنّها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرّها.. من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه، تغرّة أن يقتلا.. » (٢) ، وقال : « فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » (٣) ، أو قال : « فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه » (٤) .
ويقول الإمام علي في حقّها : « أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وأنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى، ينحدر عنّي السّيل ولا يرقى إليّ الطير » (١) .

ويقول سعد بن عبادة سيّد الأنصار الذي هاجم أبا بكر وعمر يوم السقيفة، وحاول بكلّ جهوده أن يمنعهم ويبعدهم عن الخلافة، ولكنّه عجز عن مقاومتهم لأنّه كان مريضاً لا يقدر على الوقوف، وبعدما بايع الأنصار أبا بكر قال سعد :

« والله لا أبايعكم أبداً حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل، وأخضّب سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتّى أعرض على ربّي، فكان لا يصلّي بصلاتهم ولا يجتمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعواناً لطال بهم، ولو بايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، ولم يزل كذلك حتّى توفّي بالشام في خلافة عمر » (٢) .

فإذا كانت هذه البيعة فلتة وقّى الله المسلمين شرّها، على حد تعبير عمر الذي شيّد أركانها، وعرفت ما آلت إليه أُمور المسلمين بسببها، وإذا كانت هذه الخلافة تقمّصاً من قبل أبي بكر كما وصفها الإمام علي، إذ قال بأنّه هو صاحبها الشرعي،وإذا كانت هذه البيعة ظلماً، كما اعتبرها سعد بن عبادة سيّد الأنصار الذي فارق الجماعة بسببها، وإذا كانت هذه البيعة غير شرعيّة; لتخلف أكابر الصحابة والعبّاس عمّ النبيّ عنها.. فما هي إذن الحجّة في صحّة خلافة أبي بكر؟

والجواب : لا حجّة هناك عند أهل السنّة والجماعة.

فقول الشيعة إذن هو الصحيح في هذا الموضوع، لأنّه ثبت وجود النّصّ على خلافة علي (عليه السلام) عند السنّة أنفسهم، وقد تأوّلوه حفاظاً على كرامة الصحابة، فالمنصف العادل لا يجد مناصاً من قبول النّصّ وبالأخصّ إذا عرف ملابسات القضيّة.

ثم اهتديت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن