السفر إلى النجف

320 24 0
                                    

👨أعلمني صديقي ذات ليلة بأنّنا سنسافر غدا إن شاء اللّه‏ إلى النجف، وسألته وما النجف؟

قال : إنّها مدينة علميّة فيها مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب، فتعجبت كيف يكون للإمام عليّ قبر معروف؛ لأنّ شيوخنا يقولون إنّه لا وجود لقبر معروف لسيّدنا عليّ.

وسافرنا في سيّارة عمومية حتّى وصلنا إلى الكوفة، وهناك نزلنا لزيارة جامع الكوفة، وهو من الآثار الإسلامية الخالدة، وكان صديقي يريني الأماكن الأثرية ويزوّرني جامع مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، ويحكي لي بإيجاز كيف استشهدا، كما أدخلني المحراب الذي استشهد فيه الإمام علي، وبعدها زرنا البيت الذي كان يسكنه الإمام مع ابنيه سيّدنا الحسن وسيّدنا الحسين، وفي البيت البئر التي كانوا يشربون منها ويتوضّؤون بمائها، وعشت لحظات روحيّة نسيت خلالها الدنيا وما فيها لأسبح في زهد الإمام وبساطة عيشه، وهو أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الرّاشدين.


ولا يفوتني أن أذكر الحفاوة والتواضع اللذين شاهدتهما هناك في الكوفة، فما مررنا بمجموعة إلاّ وقاموا إلينا وسلّموا علينا، وكأنّ صديقي يعرف الكثير منهم، ودعانا أحدهم ـ وهو مدير المعهد بالكوفة ـ إلى بيته حيث التقينا بأولاده، وبتنا عندهم ليلة سعيدة، وشعرت وكأني بين أهلي وعشيرتي، وكانوا إذا تكلموا عن أهل

السنّة والجماعة يقولون : « إخواننا من السنّة »، فأنست بحديثهم وسألتهم بعض الأسئلة الاختباريّة لاتيقّن من صدق كلامهم.

تحوّلنا إلى النجف ـ وهي تبعد عن الكوفة حوالي عشرة كيلومترات ـ وما أن وصلنا حتّى تذكرت مسجد الكاظمية في بغداد، فبدت المآذن الذهبيّة تحيط بقبّة من الذهب الخالص، ودخلنا إلى حرم الإمام بعد قراءة الإذن بالدخول، كما هي عادة الزوّار من الشيعة، ورأيت هنا أعجب ممّا رأيت هناك في جامع موسى الكاظم، وكالعادة وقفت أقرأ الفاتحة، وأنا أشكّ في أنّ هذا القبر يحوي جثمان الإمام عليّ عليه السلام .

وكأني اقتنعت ببساطة ذلك البيت الذي كان يسكنه في الكوفة، وقلت في نفسي : حاشى للإمام علي أن يرضى بهذه الزخرفة من الذهب والفضّة، بينما يموت المسلمون جوعا في شتّى بقاع الدنيا، وخصوصا لمّا رأيت فقراء في الطريق يمدّون أيديهم للمارّة طلبا للصدقة، فكان لسان حالي يقول : أيّها الشيعة أنتم مخطئون، اعترفوا على الأقل بهذا الخطأ، فالإمام علي هو الذي بعثه رسول اللّه‏ لتسوية القبور، فما لهذه القبور المشيّدة بالذهب والفضّة!! إنّها وإن لم تكن شركا باللّه‏ فهي على الأقل خطأ فادح لا يغفره الإسلام.

وسألني صديقي وهو يمدّ إلي قطعة من الطين اليابس : هل أريد أن أصلّي، وأجبته في حدّة : نحن لا نصلي حول القبور! قال : إذا انتظرني قليلاً حتّى أصلّي ركعتين.

وفي انتظاره كنت أقرأ اللوحة المعلّقة على الضريح، وأنظر إلى داخله من خلال القضبان الذهبية المنقوشة، وإذا به مليء بالأوراق النقدية من كُلّ الألوان من الدرهم والريال إلى الدينار والليرة، وكُلّها يلقيها الزوار تبرّكا للمساهمة في المشاريع الخيرية التابعة للمقام، وظننت لكثرتها أنّ لها شهورا، ولكنّ صديقي أعلمني فيما بعد أنّ المسؤولين عن تنظيف المقام يأخذون كلّ ذلك في كُلّ ليلة بعد

صلاة العشاء.

خرجت وراءه مدهوشا، وكأنّني تمنّيت أن يعطوني منها نصيبا، أو يوزّعوها على الفقراء والمساكين وما أكثرهم هناك. كنت ألتفت في كلّ اتّجاه داخل السور الكبير المحيط بالمقام حيث يصلّي جماعات من الناس هنا وهناك، وينصت آخرون إلى بعض الخطباء الذين اعتلوا منبرا، وكأنّي سمعت نواح بعضهم في صوت متهدّج.

ورأيت جموعا من الناس يبكون ويلطمون على صدورهم، وأردت أن أسال صديقي : ما بال هؤلاء يبكون ويلطمون؟ ومرّت بقربنا جنازة وشاهدت بعضهم يرفع الرّخام في وسط الصحن وينزل الميّت هناك، فظننت أن بكاء هؤلاء لأجل الميّت العزيز عليهم👨

ثم اهتديت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن