قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليّه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي » (١) .
وهذا الحديث هو كما نرى من الأحاديث الصريحة التي لا تقبل التأويل، ولا تترك للمسلم أيّ اختيار بل تقطع عليه كلّ حجّة، وإذا لم يُوال عليّاً ويقتدِ بأهل البيت عترة الرسول، فهو محروم من شفاعة جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وتجدر الإشارة هنا بأنّه خلال البحث الذي قمت به شكّكت في البدء في صحّة هذا الحديث واستعظمته، لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع علي وأهل البيت، وخصوصاً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل، وخفت الوطأة عندما قرأت في كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث قوله : « قلت في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه » (٢) .
وأزال ابن حجر بهذا القول بعض الإشكال الذي علق بذهني إذ تصوّرت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو واضعُ الحديث وهو ليس بثقة، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على الحقيقة بكاملها.
وقرأت يوما كتاب « مناقشات عقائديّة في مقالات إبراهيم الجبهان » (١) ، وأوقفني هذا الكتاب على جليّة الحال، إذ تبيّن أن يحيى بن يعلى المحاربي هو من الثّقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري.وتتبّعت بنفسي فوجدت البخاري يخرّج له أحاديث في باب غزوة الحديبّية من جزئه الثالث في صفحة عدد ٣١، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة عدد ١١٩، والذهبي نفسه ـ على تشدّده ـ أرسل توثيقة إرسال المسلّمات، وقد عدّه أئمّة الجرح والتعديل من الثّقات واحتجّ به الشيخان.
فلماذا هذا الدسّ والتزوير، وتقليب الحقائق، والطعن في رجل ثقة احتجّ به أهل الصحاح؟ ألأنّه ذكر الحقيقة الناصعة في وجوب الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)، فكان جزاؤه من ابن حجر التوهين والتضعيف، وقد فات ابن حجر أنّ من ورائه علماء جهابذة يحاسبونه على كلّ صغيرة وكبيرة، ويكشفون تعصّبه وجهله; لأنّهم يستضيئون بنور النبوّة، ويهتدون بهدي أهل البيت (عليهم السلام).
وعرفت بعد ذلك أن بعض علمائنا يحاولون جهدهم تغطية الحقيقة; لئلا ينكشف أمر الصحابة والخلفاء الذين كانوا أمراءهم وقدوتهم، فتجدهم مرّة يتأوّلون الأحاديث الصحيحة الثابتة ويحمّلونها غير معانيها، ومرّة يكذّبون الأحاديث التي تناقض مذهبهم وإن وردت في صحاحهم وأسانيدهم، ومرّة يحذفون من الحديث نصفه أو ثلثيه ليبدّلوه بكذا وكذا!! ومرّة يشكّكون في الرواة الثّقات لأنّهم حدّثوا بما لا تهوى أنفسهم، ومرّة يخرّجون الحديث في الطبعة الأولى ويحذفونه في الطبعات الأخرى بدون أيّ إشارة إلى مبرّر الحذف، رغم أن المطلّعين يدركون سبب ذلك!!
وقد تحقّق لديّ كلّ هذا بعد البحث والتمحيص، وعندي أدلّة قاطعة على ما أقول : فليتهم إذ يحاولون عبثاً كلّ هذه المحاولات لتبرير أعمال الصحابة الذين انقلبوا على الأعقاب، فجاءت أقوالهم متناقضة بعضها مع بعض ومتناقضة مع التاريخ، ليتهم اتّبعوا الحقّ ولو كان مرّا إذاً لأراحوا واستراحوا، ولكانوا سبباً في جمع شمل هذه الأمّة المتمزّقة والمتناحرة لا لشيء إلاّ لتأييد أقوالهم أو تفنيدها.
وإذا كان بعض الصحابة الأوّلين غير ثقات في نقل الأحاديث النبويّة الشريفة، فيبطلون منها ما لا يتماشى وأهواءهم، وخصوصاً إذا كانت هذه الأحاديث من الوصايا التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاته، فقد أخرج البخاري ومسلم بأن رسول الله أوصى عند موته بثلاث :
* أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.
* أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم...
ثمّ يقول الراوي : ونسيت الثالثة (١) .
فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاث عند موته ينسون الوصية الثالثة، وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعريّة الطويلة بعد سماعها مرّةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنّها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصيّة الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف علي بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي.
مع أنّ الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصيّة لعلي تفوح رغم كتمانها وعدم ذكرها، فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا، كما أخرج مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب الوصية أنّه ذكر عند عائشة أنّ النبي أوصى إلى علي (١) . أنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون.أعود فأقول : إذا كان هؤلاء الصحابة غير ثقات في نقل وصايا رسول الله، فلا لوم بعد ذلك على التابعين وتابعي التابعين.
وإذا كانت عائشة أمّ المؤمنين لا تطيق ذكر اسم علي (عليه السلام)، ولا تطيب لها نفساً بخير ـ كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته والبخاري في صحيحه ( باب مرض النبي ووفاته ) (٢) ، وإذا كانت تسجد لله شكراً عندما سمعت بموته، فكيف يرجى منها ذكر الوصيّة لعلي، وهي من عرفت لدى الخاص والعام بعدائها وبغضها لعليّ وأولاده ولأهل بيت المصطفى.
فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
أنت تقرأ
ثم اهتديت
Ficção Geralيتكلم هذا الكتاب عن حياة دكتور محمد التيجاني السماوي ورحلته الى التشيع و اكتشافه الحقائق بكتابته لهذه الكتاب قد بين تفكيره و السبب الذي جعله يتشيع