👨لا زلت أذكر كيف أخذني والدي معه إلى مسجد الحيّ🕌 الذي تقام فيه صلاة التراويح في شهر رمضان🌙، وكان عمري عشر سنوات🔟، وقدّمني إلى المصلّين الذين لم يخفوا إعجابهم.
كنت أعلم منذ أيّام أنّ المؤدب(1) رتّب الأمور لكي أشفع(2) بالجماعة ليلتين أو ثلاثة، وجرت العادة أن أصلّي خلف الجماعة مع مجموعة من أطفال👦 الحي وأنتظر وصول الإمام إلى النّصف التالي من القرآن الكريم أي إلى سورة مريم، وبما أنّ والدي حرص على تعليمنا القرآن في الكتّاب(3) وفي البيت خلال حصص ليليّة يقوم بها إمام الجامع، وهو من أقاربنا مكفوف البصر يحفظ القرآن الكريم، وبما أنّي حفظت النصف في تلك السّن المبكرة؛ أراد المؤدب أن يظهر فضله واجتهاده من خلالي، فعلّمني مواقع الركوع من التلاوة، وراجعني عدة مرّات ليتأكد من فهمي...
بعد نجاحي في الامتحان وإنهاء الصلاة والتلاوة بالجماعة على أحسن ما كان يتوقع والدي والمؤدّب، انهال عليّ الجميع مقبّلين ومعجبين وشاكرين المعلّم الذي علّمني،👨
____________
📚1- المؤدّب: هو معلّم القرآن المؤلف.
2- أشفع: أصلّي التراويح، سمّيت صلاة التراويح للاستراحة بين كلّ ركعتين، وسمّيت أيضا صلاة الإشفاع لأنّها تشفع يوم القيامة لمن يقيمها، كما يروي أهل السنة المؤلف.
3- الكتّاب: هي المدرسة القرآنية التي يتعلم فيها الأطفال حفظ القرآن الكريم المؤلف.📚
ـــــــــــــــــــــــــ
👨ومهنئين والدي، والكلّ يحمد اللّه على نعمة الإسلام « وبركات الشيخ ».
وعشت أيّاما سوف لن تمحى من مخيّلتي لمّا لقيته بعد ذلك الحدث من إعجاب وشهرة تعدّت حارتنا إلى كُلّ المدينة، وطبعت تلك الليالي الرمضانيّة في حياتي طابعا دينيا بقيت آثاره حتّى اليوم، ذلك أنّي كُلّما اختلطت عليّ السبل أحسست بقوّة خارقة تشدّني وترجعني إلى الجادّة، وكُلّما شعرت بضعف الشخصية وتفاهة الحياة رفعتني تلك الذكريات إلى أعلى الدرجات الروحية، وأوقدت في ضميري شعلة الإيمان لتحمّل المسؤوليّة.
وكأنّ تلك المسؤولية التي حمّلنيها والدي، أو بالأحرى مؤدّبي لإمامة الجماعة في تلك السنّ المبكّرة جعلتني أشعر دائما بأنّني مقصّر عن أن أكون في المستوى الذي أطمح إليه، أو على الأقل المستوى الذي طُلب منّي.
لذلك قضيت طفولتي وشبابي في استقامة نسبيّة لا تخلو من لهو وعبث يسودهما في معظم الأحيان البراءة وحب الاطلاع والتقليد، تحوطني العناية الإلهية لأكون متميزا من بين إخوتي بالرصانة والهدوء وعدم الانزلاق في المعاصي والموبقات.
ولا يفوتني أن أذكر أنّ والدتي👵 ـ رحمها اللّه ـ كان لها الأثر الكبير في حياتي، فقد فتحت عيني وهي تعلّمني قصار السور من القرآن الكريم، كما تعلّمني الصلاة والطهارة، وقد اعتنت بي عناية فائقة لأنّي ابنها الأوّل، وهي ترى إلى جانبها في نفس البيت ضرّتها التي سبقتها منذ سنوات عديدة ولها من الأولاد من يقارب سنّها، فكانت تتسلّى بتربيتي وتعليمي، وكأنّها تتبارى في سباق مع ضرّتها وأبناء زوجها.
كما أنّ اسم التيجاني الذي سمّتني به والدتي له ميزة خاصّة لدى عائلة السّماوي كُلّها التي اعتنقت الطريقة التيجانية وتبنّتها، منذ أن زار أحد أبناء الشيخ سيّدي أحمد التيجاني مدينة قفصة قادما من الجزائر ونزل في دار السماوي، فاعتنق كثير من أهالي المدينة خصوصاً العائلات العلمية والثّرية هذه الطريقة الصوفية
وروّجوا لها، ومن أجل اسمي أصبحت محبوبا♥️ في دار السماوي التي يسكنها أكثر من عشرين عائلة، وكذلك خارجها ممّن لهم صلة بالطريقة التيجانية، لذلك كان كثير من شيوخ المصلّين الذين حضروا تلك الليالي الرمضانيّة التي ذكرتها يقبّلون رأسي ويديّ مهنّئين والدي قائلين له : « هذا فيض من بركات سيّدنا الشيخ أحمد التيجاني ».والجدير بالذكر أنّ الطريقة التيجانية انتشرت بكثرة في المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، والسودان، ومصر، وأن معتنقي هذه الطريقة متعصّبون نوعاً ما، فهم لا يزورون مقامات الأولياء الآخرين، ويعتقدون بأنّ كلّ الأولياء قد أخذوا عن بعضهم بالتسلسل ما عدا الشيخ أحمد التيجاني، فقد أخذ علمه مباشرة عن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) رغم تأخّره عن زمن النبوّة بثلاثة عشر قرنا، ويروون بأن الشيخ أحمد التيجاني كان يحدّث بأن رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) جاءه يقظة لا مناما، كما يقولون بأنّ الصلاة الكاملة التي ألّفها شيخهم أفضل من أربعين ختمة من القرآن الكريم.
وحتّى لا نخرج عن الاختصار نقف عند هذا الحدّ من التعريف بالتيجانية، ولنا عودة معهم إن شاء اللّه في موضع آخر من هذا الكتاب.
ونشأت وترعرعت على هذا الاعتقاد كغيري من شباب البلد، فكلّنا مسلمون بحمد اللّه من أهل السنة والجماعة، وكلّنا على مذهب الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة،
غير أنّنا منقسمون في الطرق الصوفية التي كثرت في شمال أفريقيا، ففي مدينة قفصة وحدها هناك التيجانية، والقادرية، والرحمانية، والسلامية، والعيساوية، ولكُلّ من هذه الطرق أنصار وأتباع يحفظون قصائدها وأذكارها وأورادها التي تقام في الحفلات والسهرات بمناسبة عقد القران أو الختان أو النجاح أو النذور، ورغم بعض السلبيات فقد لعبت هذه الطرق دورا كبيرا في الحفاظ على الشعائر الدينية واحترام الأولياء والصالحين.
أنت تقرأ
ثم اهتديت
قصص عامةيتكلم هذا الكتاب عن حياة دكتور محمد التيجاني السماوي ورحلته الى التشيع و اكتشافه الحقائق بكتابته لهذه الكتاب قد بين تفكيره و السبب الذي جعله يتشيع