لقاء في الباخرة

603 34 5
                                    

وسافرت إلى الاسكندريّة في اليوم المقرّر حسب حجز المكان في الباخرة🛳️ المصريّة التي تسافر إلى بيروت، ووجدت نفسي مرهقا متعبا جسديّا وفكريّا، وأنا ملقى على السرير المخصّص لي، فنمت قليلاً وكانت الباخرة⛴️ قد أبحرت منذ ساعتين أو ثلاثة، واستيقظت على صوت مجاوري وهو يقول : « يبدو أن الأخ متعبٌ »؟

قلت : نعم، أتعبني السفر من القاهرة إلى الاسكندريّة، وقد بكّرت للوصول على الموعد، فلم أنم البارحة إلاّ قليلاً.

وفهمت من لهجته أنّه غير مصري، ودفعني فضولي كعادتي إلى أن أتعرّف عليه، فعرّفته نفسي وعرفت أنّه عراقي🇮🇶، وهو أستاذ في جامعة بغداد اسمه ( منعم )، وقد جاء إلى القاهرة لتقديم أطروحة الدكتوراه في الأزهر.

وبدأنا الحديث عن مصر، وعن العالم العربي والإسلامي، وعن هزيمة العرب وانتصار اليهود، والحديث ذو شجون، قلت في معرض كلامي : إنّ سبب الهزيمة هو انقسام العرب والمسلمين إلى دويلات وإلى طوائف ومذاهب متعدّدة، ورغم كثرة عددهم فلا وزن لهم ولا اعتبار في نظر أعدائهم.

وتكلّمنا كثيرا عن مصر والمصريين، وكنّا متّفقين على أسباب الهزيمة، وأضفت بأنّني ضدّ هذه الانقسامات التي ركّزها الاستعمار فينا ليسهل عليه احتلالنا وإذلالنا، ونحن ما زلنا نفرّق بين المالكية والأحناف، ورويت له قصّة مؤسفة وقعت لي عندما دخلت إلى مسجد أبي حنيفة في القاهرة، وصليت معهم صلاة العصر

جماعة، فما راعني بعد الصلاة إلاّ والرجل الذي كان قائما بجانبي يقول لي في غضب :

« لماذا لا تكتّف يديك في الصلاة »؟ فأجبته بأدب واحترام أنّ المالكية يقولون بالسدل وأنا مالكي، فقال لي : « إذهب إلى مسجد مالك وصلّ هناك »، فخرجت مستاءً ناقماً على هذا التصرف الذي زادني حيرة على حيرتي.

وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم ويقول لي إنّه هو الآخر شيعي، فاضطربت لهذا النبأ وقلت غير مبال : لو كنت أعلم أنّك شيعي لما تكلّمت معك!

قال : ولماذا؟

قلت : لأنّكم غير مسلمين، فأنتم تعبدون عليّ بن أبي طالب، والمعتدلون منكم يعبدون اللّه‏(1)، ولكنّهم لا يؤمنون برسالة النبي محمّد (صلي الله عليه و آله وسلم)، ويشتمون جبرائيل،👨🏻

____________

📚1- أحمد أمين: فجر الإسلام: ٢٦٩، يذكر فيه تأليه الغلاة من الشيعة لعليّ عليه السلام، ويذكر أسباب ذلك .
وقد حاول عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني: ٤٨ المغالطة فذكر أن أحمد أمين ذكر الشيعة الاثني عشرية ولم ينسب لها القول بإلوهيّة علي!!
وهذا الكلام من عثمان الخميس فيه تلبيس وتمويه على القارئ؛ لأنّ أحمد أمين ذكر الشيعة عموماً، ثمّ قسّمهم في كتابه إلى مغالين وغير مغالين، وذكر بأنّ المغالين يقولون بإلوهيّة علي بن أبي طالب عليه السلام.
وبعد أن ذكر أحمد أمين مفهوم كلمة الشيعة وكيفية نشأتها بيّن فرق الشيعة وأن منهم الاثني عشرية. فذكره الاثني عشرية وعدم اتّهامه لهم بعبادة علي بن أبي طالب لا ينافي ذكره لعموم الشيعة وأنّ منهم المغالي وغير المغالي، وهذه مغالطة من عثمان الخميس.
ومنعم ذكر للتيجاني أنّه شيعي، ولم يقل له أنا شيعي واثنى عشري، ومجرد أن سمع التيجاني لفظ الشيعي اتّهمه بأنّ بعضهم يعبدون عليّاً، وأن أحمد أمين ذكر ذلك في كتابه وإليك عبارة أحمد أمين قال: «ولم يكتفِ غلاة الشيعة بهذا القدر في علي، ولم يقتنعوا بأنّه أفضل الخلق بعد النبي، وأنّه معصوم، بل ألّهوه، فمنهم من قال...» فجر الإسلام: ٢٦٩.
فلا يوجد كذب في كلام المؤلف، وإنّما التمويه والتلاعب بالألفاظ في كلام عثمان الخميس.
مضافاً إلى أنّ عموم أهل السنّة يجهلون الشيعة جهلاً مطلقاً، ويجهلون فرق الشيعة وطوائفهم وعقائدهم التي يعتقدوها ويدينون بها، وهذا بيّن في علماء أهل السنة فضلاً عن عوامّهم أو مثقفّيهم الذين لم يطّلعوا على المذاهب والفرق وكيفية نشأتها وفرقها ومعتقدها، فهذا عثمان الخميس وهو يدّعي أنّه متخصّص في دراسة المذاهب الإسلامية وخصوصاً الشيعة من يطالع أبحاثه أشرطته يراه شديد الجهل بالشيعة ومذاهبهم وطوائفهم فضلاً عن عقائدهم، فهاهو في كتابه كشف الجاني ـ بغضّ النظر عن التدليس والكذب الذي حواه أو استدعاه أسلوب الرد على أتباعه ـ تراه ينسب إلى الشيعة أشياء ما أنزل اللّه‏ بها من سلطان، ولم تقلها الشيعة ولم تعتقد بها، ومثالاً على جهله ما ذكره حول منع تسليم أبي بكر فدك لفاطمة سلام اللّه‏ عليها فقال عثمان الخميس: بأنّ الشيعة ترى أنّ المرأة لا تورث فكيف تطالب فاطمة بإرثها من أبيها!!
وهذا من المضحكات، لأنّ الشيعة لا تقول بأنّ المرأة لا ترث من العقار وإنّما تقول بأنّ الزوجة لا ترث من العقار ـ على خلاف في ذلك ـ ، واما البنت فهي ترث من كلّ ما ترك أبيها، وفاطمة سلام اللّه‏ عليها هي بنت النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله وسلم) فهي ترث من أبيها من كُلّ ما ترك، ومن تركته فدك!!
فاذا كان هذا حال الباحث المتخصّص فما بالك بعوام السنّة ومثقّفيهم الذين ليس لهم باع في ذلك؟! فإنّ جهلهم كبير وعدم اطلاعهم واضح، والتيجاني لم يكن يعرف عن الشيعة شيئاً وإنّما كان صاحب معلومات عامّة أخذها من أحمد أمين وغيره، فلذلك عندما سمع باسم الشيعة قال بأنّ الشيعة غلاة، وأنهم يؤمنون بعبادة علي عليه السلام وخيانة جبرئيل وغير ذلك، فما حاول عثمان الخميس ذكره أوقعه في متاهات ظلماء، وتخبّطات عمياء نسأل اللّه‏ السلامة منها!📚
______________________________

ثم اهتديت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن