والحادثة الثانية التي وقعت لأبي بكر في أيام خلافته، وسجّلها المؤرّخون من أهل السنّة والجماعة، اختلف فيها مع أقرب الناس إليه وهو عمر ابن الخطّاب، تلك الحادثة التي تتلخّص في قراره بمحاربة مانعي الزكاة وقتلهم، فكان عمر يعارضه ويقول له : لا تقاتلهم لأنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)يقول : « أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فمن قالها عصم منّي ماله ودمه وحسابه على الله ».
وهذا نصّ أخرجه مسلم في صحيحه جاء فيه : « إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)أعطى الراية إلى علي (عليه السلام) يوم خيبر فقال علي : يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟
فقال (صلى الله عليه وآله) : قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله » (١) .
ولكن أبا بكر لم يقتنع بهذا الحديث وقال : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، أو قال : « والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه » (١) .واقتنع عمر بن الخطّاب بعد ذلك وقال : « ما أن رأيت أبا بكر مصمّماً على ذلك حتّى شرح الله صدري »
ولست أدري كيف يشرح الله صدور قوم بمخالفتهم سنّة نبيّهم!
وهذا التأويل منهم لتبرير قتال المسلمين الذين حرّم الله قتلهم إذ قال في كتابه العزيز : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (٢) صدق الله العلي العظيم.
على أنّ هؤلاء الذين منعوا إعطاء أبي بكر زكاتهم لم ينكروا وجوبها، ولكنّهم تأخّروا ليتبيّنوا الأمر، ويقول الشيعة بأنّ هؤلاء فوجئوا بخلافة أبي بكر، وفيهم من حضر مع رسول الله حجّة الوداع، وسمع منه النصّ على علي بن أبي طالب، فتريّثوا حتى يفهموا الحقيقة، ولكن أبا بكر أراد إسكاتهم عن تلك الحقيقة، وبما أنّني لا استدلّ ولا أحتجّ بما يقوله الشيعة، فسأترك هذه القضيّة لمن يهمّه الأمر ليبحث فيها.
على أنّني لا يفوتني أن أسجّل هنا أن صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) وقعت له في حياته قصّة ثعلبة الذي طلب منه أن يدعو له بالغنى، وألحّ في ذلك وعاهد الله أنه يتصدّق، ودعا له رسول الله وأغناه الله من فضله، وضاقت عليه المدينة وأرجاؤها من كثرة إبله وغنمه حتى ابتعد ولم يعد يحضر صلاة الجمعة.
ولمّا أرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) العاملين على الزكاة رفض أن يعطيهم شيئاً منها قائلا : « إنّما هذه جزية أو أخت الجزية »، ولم يقاتله رسول الله ولا أمر بقتاله وأنزل فيه قوله : ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ (١) .
وجاء ثعلبة بعد نزول الآية وهو يبكي، وطلب من رسول الله قبول زكاته، وامتنع الرسول حسب ما تقول الرواية.
فإذا كان أبو بكر وعمر يتّبعان سنّة الرسول، فلماذا هذه المخالفة وإباحة دماء المسلمين الأبرياء لمجرّد منع الزكاة؟!
على أنّ المعتذرين لأبي بكر والذين يريدون تصحيح خطئه بتأويله بأنّ الزكاة هي حق المال لا يبقى لهم ولا له عذر بعد قصّة ثعلبة الذي أنكر الزكاة واعتبرها جزية.
ومن يدري لعلّ أبا بكر أقنع صاحبه عمر بوجوب قتل من منعوه الزكاة أن تسري دعوتهم في البلاد الإسلامية لإحياء نصوص الغدير التي نصّبت عليّاً للخلافة، ولذلك شرح الله صدر عمر بن الخطّاب لقتالهم، وهو الذي هدّد بقتل المتخلّفين في بيت فاطمة وحرَّقهم بالنار من أجل أخذ البيعة لصاحبه.
أنت تقرأ
ثم اهتديت
General Fictionيتكلم هذا الكتاب عن حياة دكتور محمد التيجاني السماوي ورحلته الى التشيع و اكتشافه الحقائق بكتابته لهذه الكتاب قد بين تفكيره و السبب الذي جعله يتشيع