السجود على التربة

262 20 2
                                    

👨🏻سألته بعد ذلك عن التربة التي يسجدون عليها والتي يسمّونها « بالتربة الحسينية » أجاب قائلاً :

يجب أن نعرف قبل كُلّ شيء أنّنا نسجد على التراب ولا نسجد للتراب، كما يتوهّم البعض الذين يشهّرون بالشيعة، فالسجود هو للّه‏ سبحانه وتعالى وحده.

والثابت عندنا وعند أهل السنّة أيضا أنّ أفضل السجود على الأرض(1)، أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول، ولا يصحّ السجود على غير ذلك.

وقد كان رسول اللّه‏ (صلي الله عليه و آله وسلم) يفترش التراب، وقد اتّخذ له خمرة من التراب والقشّ يسجد عليها، وعلّم أصحابه رضوان اللّه‏ عليهم فكانوا يسجدون على الأرض، وعلى الحصى، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا.👨🏻
__________________________________

📚1- الأصل في السجود أنّ يضع الإنسان وجهه على الأرض، على ترابها ورملها وحصاها وحجرها ومدرها ونباتها غير مأكول ولا ملبوس إلاّ عند الضرورة، قال ابن حجر في فتح الباري ١: ٤١٤ في شرح قوله (صلي الله عليه و آله وسلم): «كنّا إذا صلّينا مع النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود» قال: وفيه اشارة إلى أنّ مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل لأنّه علّق بعدم الاستطاعة. ومثله الشوكاني في نيل الأوطار ٢: ٢٨٩.
ويدل على ذلك أمور:
١ ـ قوله (صلي الله عليه و آله وسلم): «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» البخاري: كتاب الصلاة، مسلم كتاب المساجد قال ابن حجر في الفتح ١: ٣٧٠: «أي موضع سجود لا يختصّ السجود منها بموضع دون غيره».
٢ ـ حديث تبريد الحصى حيث كان الصحابة يقبضون الحصى بأيديهم لتبرد ثمّ يسجدوا عليها، قال البيهقي في سننه ٢: ١٠٥ معلّقا على الحديث: «قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها».
٣ ـ حديث التتريب حيث أمر (صلي الله عليه و آله وسلم) بتتريب الوجه للّه‏ تعالى، فهو إن لم يدل على الوجوب دلّ على أفضلية التتريب كما أخرج ذلك الحاكم في المستدرك ١: ٢٧١ وغيره أنّ النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) يقول لعبد أسود لنا: «أي رباح ترّب وجهك».
٤ ـ أحاديث حسر كور العمامة: روي عن عليّ عليه السلام انّه قال: «إذا كان أحدكم يصلّي فليحسر العمامة عن وجهه (السنن الكبرى للبيهقي ٢: ١٠٥) وروي انّ النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته (المصدر نفسه).
وهذا أيضا يدلّ على أفضلية السجود على الأرض إن لم يدل على الوجوب.
٥ ـ سيرة رسول اللّه‏ (صلي الله عليه و آله وسلم) في السجود على الأرض حتّى عند المطر (انظر: صحيح البخاري١: ١٩٨ كتاب الأذان باب السجود على الأنف والسجود على الطين).
ويمكن الرجوع إلى السنّة النبويّة الشريفة لملاحظة الأدلّة الواردة في شرعية السجود علي التربة، بل ولابدية السجود عليها، وهنا ننقل بعض الروايات النبويّة المصرّحة بذلك الأمر:
١ ـ عن ابن عبّاس قال: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سجد على الحجر» المستدرك ١: ٤٧٣ وصححه هو والذهبي، البداية والنهاية ٥: ١٧٣.
وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: «رأيت رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) يسجد على الأرض واضعاً جبهته وأنفه في سجوده» مسند أحمد ٤: ٣١٧، المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٢٩٣.
وعن عاصم قال: «كان ابن سيرين إذا سجد على مكان لا يمسّ أنفه الأرض تحول إلى مكان آخر» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٢٩٣.
وعن أبي حميد قال: «رأيت رسول الله (صلي الله عليه و آله وسلم) أحسن الوضوء، ثُمّ دخل الصلاة، فذكر بعض الحديث وقال: ثُمّ إذا سجد فأمكن جبهته وأنفه من الأرض، ونحّى يديه عن جبينه» صحيح ابن خزيمة ١: ٣٢١.
وعن معاذ بن جبل يصف صلاة رسول الله (صلي الله عليه و آله وسلم) فيقول في ضمنها: «ويخر ساجداً، وكان يمكّن جبهته وأنفه من الأرض..» المعجم الكبير للطبراني ٢٠: ٧٤.
وعن عبادة بن الصامت قال: «إنّه ـ أي النبي ـ إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٣٠٠.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «عن علي قال: إذا صلّى أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٣٠٠.
وعن محمّد قال: «أصابتني شجّة، فعصبت عليها عصابة، فسألت أبا عبيدة أسجد عليها؟ قال: لا» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٣٠٠.
وعن عياض بن عبد اللّه القرشي قال: «رأى النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) رجلاً يسجد على كور العمامة، فأوما بيده أن أرفع عمامتك فأومأ إلى جبهته» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٣٠٠.
وعن حمّاد بن سلمة عن هشام عن أبيه في المعتم قال: «يمكّن جبهته من الأرض» المصنّف لابن أبي شيبة ١: ٣٠١.
وعن صالح بن خيوان السبائي وغيره: «أنّ رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) رأى رجلاً يسجد على عمامته، فحسر رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) عن جبهته» معرفة السنن والآثار ٢: ١٠، أسد الغابة ٣: ٩، الإصابة لابن حجر ٣: ٣٧٥.
وأن النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم) قال لرجل: «إذا سجدت فأمكن جبهتك حتّى تجد حجم الأرض» معرفة السنن والآثار ٢: ٧.
وعن أبي سعيد الخدري قال: «أبصرت عيناي رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) انصرف علينا صبيحة إحدى وعشرين من رمضان وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين» السنن والآثار ٢: ٧.
وفي حديث النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم) يعلّم أصحابه الصلاة جاء فيه: «ثُمّ يكبّر ويسجد فيمكّن جبهته من الأرض» المستدرك ١: ٢٤٢، السنن الكبرى ٢: ١٠٢.
وعن سلمان قال: «عن النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم) قال: تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة» مجمع الزوائد ٨: ٦١، المعجم الصغير ١: ١٤٨، مسند الشهاب ١: ٤٠٩.
وروي عن النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم): «أنّه كان يصلّي على الخمرة» صحيح البخاري ١: ١٠٠، مسند أحمد ٢: ٩٢.
أمّا فتاوى فقهاء الصحابة والتابعين في لزوم السجود على التراب فهي غفيرة جمّة ننقل منها ما تحصّل لنا:
١ ـ كان عطاء لا يجوّز السجود الاّ على التراب والبطحاء. المحلّى ٤: ٨٣.
٢ ـ كان أبو بكر يسجد أويصلّي على الأرض مفيضاً إليها. المصنّف للصنعاني ١: ٣٩٧.
٣ ـ عبد اللّه بن مسعود كان يقول: لا يصلّى إلاّ على الأرض. المصنّف للصنعاني ١: ٣٩٧.
٤ ـ وعن إبراهيم انّه كان يترك السجود على الحصير ويسجد على الأرض. المصنّف للصنعاني ١: ٣٩٧.
٥ ـ مرّة بن شراحيل الهمداني: كان يسجد على التراب حتّى أكل جبهته، فلّما مات رؤي في المنام وقد صار مكان السجود نوراً. تذكرة الحفاظ ١: ٦٧، سير أعلام النبلاء ٤: ٧٥، البداية والنهاية ٨: ٧٦.
٦ ـ كان عروة بن الزبير: يكره الصلاة على شيء دون الأرض. فتح الباري ١: ٤١٠، فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٥: ٢٨٤.
٧ ـ أرسل علي بن أبي طالب عليه السلام: أرسل إلى عبد اللّه بن عبّاس أن أرسِل إليّ بلوح من المروة أسجد عليه. المصنّف للصنعاني ١: ٣٠٨.
بعض كلمات الفقهاء:
١ ـ قال الشوكاني في نيل الأوطار: «وإلى كراهته ـ يعني السجود على غير الأرض ـ ذهب الهادي» نيل الأوطار ٢: ١٢٨.
٢ ـ قال في شرح الأزهار: «مسألة: الهادي: ولا يجب الكشف عن السبعة إذا لم يفصل الخبر والمرتضى إلاّ الجبهة لقوله (صلي الله عليه و آله وسلم): فيمكن جبهته من الأرض. فلا يجزي على كور العمامة» ١: ٢٣٨.
٣ ـ وقال ابن الحجاج المالكي: «ومن ذلك ـ أي الواجب في السجود ـ ألاّ يسجد على حائل بينه وبين الأرض، فإنّه السنة.
ولمّا أدت الضرورة إلى الحصر المفروشة هناك فعلت.
وقد كان عمر بن عبد العزيز يباشر الأرض بوجهه ويديه في سجوده، لا يحول بينه وبين الأرض شيء، وكذلك حال آخر السلف، فمن قدر على ذلك فهو الأولى والأفضل في حقه.
اللهم إلاّ أن تدعو ضرورة إلى ذلك، فأرباب الضرورات لهم أحكام أخر» المدخل ٢: ٢١.
٤ ـ وفي غنية المتملّي في شرح منية المصلّي: ٢٨٩: «سئل عمّن يضع جبهته على حجر صغير هل يجوز؟
قال: إن وضع أكثر الجبهة على الأرض يجوز والاّ فلا.
وحكاه عنه الحلبي في غنية المتملّي في شرح منية المصلّي..».
٥ ـ قال ابن تيميّة: «ولم يكن النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم) وأصحابه يصلّون على سجادة، ولكن صلّى على خمرة.. وكان يصلي على الحصير والتراب». مختصر الفتاوى المصرية: ٦٣.
وقال أيضاً: «وينقل عن مالك أنّه لمّا قدم بعض العلماء وفرش في مسجد النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم)شيئاً من ذلك، أمر بحبسه وقال: أما علمت أنّ هذا في مسجدنا بدعة». مجموع الفتاوى ٢٢: ١٩٢.
٦ ـ وقال الشافعي: «ولو سجد على رأسه ولم يمسّ شيئاً من جبهته الأرض لم يجزه السجود، وإن سجد على رأسه فماسّ شيئاً من جبهته الأرض أجزأه السجود إن شاء اللّه تعالى.
ولو سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجزه السجود إلاّ أن يكون جريحاً، فيكون ذلك عذراً.
ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرّق فماسّ شيئاً من جبهته على الأرض أجزأه، لأنّه ساجد وشيء من جبهته على الأرض» كتاب الأم ١: ١٣٦.
وأخيراً نختم الكلام بعبد اللّه بن مسروق التابعي الكبير كان إذا سافر أخذ معه تربة، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه عن ابن سيرين قال: «نبّئت أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها». المصنّف لابن أبي شيبة ٢: ١٧٢.
وفي نفس المصدر أن محمّد: «كره أن يسجد على الخشبتين المقرونتين في السفينة، وكان يأخذ لبنة يسجد عليها».
فالسجود على التربة ليس بدعاً جاءت به الشيعة من عندها أو أُدخل عليها من أقوام آخرين، وإنّما هو من صلب العقيدة الإسلامية السليمة، وكانت سيرة النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم)وصحبه على ذلك.
وبعد الذي تقدم يظهر علينا كاتب في القرن العشرين ليس له أى باع أو اطلاع على التراث الإسلامي ليدعي أنّ السجود على التربة من إبداعات عمر بن الخطّاب.
راجع الشيعة والدولة القومية في العراق ـ حسن علوي📚
__________________________________

👨وقد اتخذ الإمام زين العابدين، وسيّد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام تربة من قبر أبيه أبي عبد اللّه‏ باعتبارها تربة زكية طاهرة سالت عليها دماء سيّد الشهداء(1)، واستمرّ على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا، فنحن لا نقول بأنّ السجود لا يصحّ إلاّ عليها، بل نقول بأنّ السجود يصحّ على أيّ تربة أو حجرة طاهرة، كما يصحّ على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك. 👨
____________

📚1- وفي البحار ٤٦: ٧٩ عن المناقب لابن شهر آشوب ٣: ٢٩، ومصباح المتهجد للطوسي: ٧٧٣ قال: وكان للإمام الصادق عليه السلام أيضا خريطة ديباج صفراء فيها تربة الحسين عليه السلام يسجد عليها [ مصباح المتهجد للطوسي: ٧٣٣، عنه البحار ١٠١: ١٣٥]،
ثمّ لا يخفى أنّ الاهتمام بتربة الحسين عليه السلام كان منذ زمن النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)فقد اخرج ابن سعد عن عليّ عليه السلام أنّ جبرئيل جاء إلى النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) وأخبره بمقتل الحسين وأعطاه قبضة من تربته فشمّها انظر تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ٢٢٥، والصواعق المحرقة ٢: ٥٦٦، مجمع الزوائد ٩: ١٨٧ وقال: رجاله ثقات، وفي مسند أحمد ٦: ٢٩٤: «إنّ ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء»، وهو في المستدرك ٤: ٣٩٨، مجمع الزوائد ٩: ١٨٧ وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
وفي مسند أحمد أيضاً ٣: ٢٤٢: «إنّ أمّتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده، فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أمّ سلمة فصرّتها في خمارها.
قال: قال ثابت: بلغنا أنّها كربلاء»، وهو في مجمع الزوائد ٩: ١٨٧ وقال: «رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار والطبراني بأسانيد وفيها عمارة بن زاذان وثّقه جماعة وفيه ضعف».
وفي صحيح ابن حبّان ١٥: ١٤٢ وقد حققه الشيخ الأرنؤوط: «إنّ أمّتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه.
قال: نعم. فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه، فأراه إيّاها، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر»، وهو في المجمع الكبير ٣: ١٠٦، مسند أبي يعلى ١: ٢٩٨، مسند البزّار ٣: ١٠١.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تكشف عن اهتمام اللّه سبحانه وتعالى بهذه التربة المقدّسة التي سيفاض عليها دمّ صفيّ من أصفياء اللّه، وهو الحسين بن علي عليه السلام📚

ثم اهتديت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن