👨قلت ـ على ذكر سيّدنا الحسين عليه السلام ـ : لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتّى تسيل الدّماء وهذا محرّم في الإسلام، فقد قال (صلي الله عليه و آله وسلم) : « ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليّة »؟(1)
أجاب السيّد قائلاً : الحديث صحيح لا شكّ فيه، ولكنّه لا ينطبق على مأتم أبي عبد اللّه، فالذي ينادي بثأر الحسين ويمشي على درب الحسين دعوته ليست دعوى جاهلية.
ثُمّ إنّ الشيعة بشر فيهم العالم وفيهم الجاهل ولديهم عواطف، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبد اللّه، وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي فهم مأجورون؛ لأنّ نواياهم كُلّها في سبيل اللّه، واللّه سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم.
وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرّسمية للحكومة المصرية بمناسبة موت جمال عبد الناصر، تقول هذه التقارير الرّسميّة بأنّه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النّبأ، فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة، ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك، وأما المجروحون والمصابون فكثيرون.👨
📚1- صحيح البخاري ٢: ٨٢، كتاب الكسوف، باب الجنائز، سنن ابن ماجة ١: ٥٠٤، سنن النسائي ٤: ١٩، السنن الكبرى للبيهقي ٤: ٦٤.📚
👨وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغى على أصحابها.
وإذا كان الناس ـ وهم مسلمون بلا شك ـ يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتا طبيعيا، فليس من حقّنا ـ بناءً على مثل هذا ـ أن نحكم على أهل السنّة بأنّهم مخطئون، وليس لإخواننا من أهل السنّة أن يحكموا خوانهم من الشيعة بأنّهم مخطئون في بكائهم على سيّد الشهداء، وقد عاشوا محنة الحسين وما زالوا يعيشونها حتّى اليوم، وقد بكى رسول اللّه نفسه على ابنه الحسين وبكى جبريل لبكائه(1).👨
__________________________________
📚1- إنّ مقام الحسين عليه السلام ومنزلته تأتي من منزلة ومقام جدّه النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)، فقد ورد
في حقّه على لسان جدّه المصطفى (صلي الله عليه و آله وسلم): «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ اللّه من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط» مسند أحمد ٤: ١٧٢، سنن ابن ماجة ١: ٥١، وحكم المحقّق بوثاقة رجاله، سنن الترمذي ٥: ٣٢٤ وحسنه، المستدرك للحاكم وصححه ٣: ١٧٧، مجمع الزوائد ٩: ١٨١، المصنّف لابن أبي شيبة ٧: ٥١٥، صحيح ابن حبّان ١٥: ٤٢٨.
وقال الرسول (صلي الله عليه و آله وسلم): «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» مسند أحمد ٣: ٣، سنن ابن ماجة ١: ٤٤، سنن الترمذي ٥: ٣٢١.
وقال النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم): «هما ريحانتاي من الدنيا» يعني الحسن والحسين صحيح البخاري ٤: ٢١٧، كتاب الفضائل، سنن الترمذي ٥: ٣٢٢ وحكم بحسنه، مسند أبي داود الطيالسي: ٢٦١، ومسند أبي يعلى ١٠: ١٠٦.
وعن عطاء أنّ رجلاً أخبره: «أنّه رأى النبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم) يضمّ حسناً وحسيناً ويقول: اللّهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما» مسند أحمد ٥: ٣٦٩، مجمع الزوائد ٩: ١٧٩ وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
والحسين عليه السلام صاحب مقام عالٍ لا يضاهيه أحد من الصحابة والمسلمين لما قدّمه من نصرة للدين، وإحياءٍ لشرع اللّه تبارك وتعالى، فالحزن عليه ليس بدعاً أو أحدوثة، وإنّما هو أمر قبل أن يكون مشروعاً عقلائيّاً ؛ للمأساة التي وقعت عليه، مضافاً إلى أنّ الأنبياء عليهمالسلامحزنوا على أبنائهم لما أصابهم في حياتهم فهذا نبي اللّه يعقوب عليه السلام يحزن على يوسف عليه السلامحتّى قال تعالى في وصفه: «وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» يوسف: ٨٤، مع أن يوسف عليه السلام لم يقع إلاّ في مصائب أقلّ بكثير مما وقع فيه الحسين عليه السلام، فهو لم يُذبح، ولم تُسبى نساؤه، ولم يُطاف به في البلدان ومع ذلك حزن عليه يعقوب عليه السلام إلى أن أبيضت عيناه وأصبح أعمى.
وكذلك النبي محمّد (صلي الله عليه و آله وسلم) بكى وحزن، فقد بكى على جعفر وزيد في مؤتة، وبكى عند موت إحدى بناته، وقوله لما سمع النساء يبكين قتلاهنّ في معركة أحد: «ولكن حمزة لا بواكي له».
فالبكاء والحزن أمران مشروعان يجوز للإنسان أن يقوم بهما تأسيّاً بالأنبياء عليهمالسلام.
أضف إلى ذلك إلى أنّ النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) أقام مآتم عديدة للبكاء على الحسين عليه السلاممن يوم ولادته ففي مجمع الزوائد ٩: ١٨٧: «عن أنس بن مالك أن ملك القطر استأذن أن يأتي النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)، فأذن له، فقال لأُمّ سلمة: إملكي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد.
قال: وجاء الحسين بن علي ليدخل، فمنعته، فوثب فدخل، فجعل يقعد على ظهر النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) وعلى منكبه وعلى عاتقه.
قال: فقال الملك للنبيّ (صلي الله عليه و آله وسلم): أتحبّه؟
قال: نعم.
قال: إن أمّتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل به، فضرب بيده، فجاء بطينة حمراء فأخذتها أُمّ سلمة فصرّتها في خمارها.
قال ثابت: بلغنا أنّها كربلاء».
وفي المجمع أيضاً ٩: ١٨٧: «وعن نجي الحضرمي: أنّه سار مع علي رضىاللهعنه، وكان صاحب مطهرته، فلمّا حاذى نينوى، وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبر أبا عبداللّه، اصبر أبا عبداللّه، بشط الفرات.
قلت: وما ذاك؟
قال: دخلت على النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) ذات يوم، وإذا عيناه تذرفان.
قلت: يا نبي اللّه، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟
قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشط الفرات.
قال: فقال: هل لك أن أُشمّك من تربته؟
قلت: نعم.
قال: فمدّ يده، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا».
وفي مصنّف ابن أبي شيبة ٨: ٦٣٢: «قالت أُم سلمة: دخل الحسين على النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)وأنا جالسة على الباب، فتطلّعت فرأيت في كفّ النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)شيئاً يقبله وهو نائم على بطنه، فقلت: يا رسول اللّه، تطلّعت فرأيتك تقلّب شيئاً في كفّك والصبي نائم على بطنك ودموعك تسيل؟
فقال: إنّ جبرئيل أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أن أُمّتي يقتلونه».
وفي المعجم الكبير للطبراني ٣: ١٠٨ بسنده عن عائشة قالت: «قال النبي (صلي الله عليه و آله وسلم): يا عائشة الا أعجبك، لقد دخل عليّ ملك آنفاً ما دخل عليّ قط.
فقال: إنّ ابني هذا مقتول، وقال: إن شئت أريتك تربة يقتل فيها، فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء».
وفي مجمع الزوائد ٩: ١٨٩ عن أُم سلمة قالت: «كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم) في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمّد، إن أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم)وضمّه إلى صدره،ثُمّ قال رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم): يا أُم سلمة، وديعة عندك هذه التربة، فشمّها رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم)وقال: ويح كرب وبلاء.
قال: وقال رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم): يا أُم سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني هذا قد قتل.
قال: فجعلتها أُم سلمة في قارورة، ثُمّ جعلت تنظر إليها كُلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تحولين دماً ليوم عظيم».
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تشير إلى نزول ملك خاصّ من السماء على النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) لأجل هذه القضية، أو نزول جبرئيل عليه السلام وحزن النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)وبكائه على ابنه وهو في المهد صبيّاً، والمجيء بترابه إلى النبي (صلي الله عليه و آله وسلم)، وإيداعه أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ ، وانقلاب التراب دماً عبيطاً إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي تبيّن أن البكاء على الحسين عليه السلام والحزن لأجله من الأمور المشروعة التي قام بها صاحب الشرع جدّه المصطفى (صلي الله عليه و آله وسلم)، واقتدت الشيعة به.
ولأجل ذلك قال ابن كثير في البداية والنهاية ٨: ٢٢١: «فكُلّ مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضىاللهعنه، فإنّه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول اللّه (صلي الله عليه و آله وسلم)التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وشجاعاً وسخيّاً..».
وللمزيد من الاطلاع على مشروعية المأتم الحسيني ارجع إلى كتاب سيرتنا وسنّتنا للعلاّمة الأميني رحمه الله.📚_____________________________
![](https://img.wattpad.com/cover/197649335-288-k16234.jpg)
أنت تقرأ
ثم اهتديت
قصص عامةيتكلم هذا الكتاب عن حياة دكتور محمد التيجاني السماوي ورحلته الى التشيع و اكتشافه الحقائق بكتابته لهذه الكتاب قد بين تفكيره و السبب الذي جعله يتشيع