أبو بكر وخالد بن الوليد

78 10 1
                                    

أما الحادثة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أوّل خلافته، واختلف فيها عمر بن الخطّاب، وقد تأوّل فيها النصوص القرآنية والنبويّة : تلك هي قصّة خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة صبراً، ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة. وكان عمر يقول لخالد : « يا عدو الله قتلت امرءاً مسلماً ثُمّ نزوت على امرأته، والله لأرجمنّك بالأحجار » (١) .

ولكنّ أبا بكر دافع عنه وقال : « هبه يا عمر، تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد » (٢) .

وهذه فضيحة أُخرى سجّلها التاريخ لصحابي من الأكابر، إذا ذكرناه ذكرناه بكُلّ احترام وقداسة، بل ولّقبناه بـ « سيف الله المسلول »!!

ماذا عساني أن أقول في صحابي يفعل مثل تلك الأفعال، يقتل مالك بن نويرة الصحابي الجليل سيّد بني تميم وبني يربوع، وهو مضرب الأمثال في الفتوّة والكرم والشجاعة، وقد حدّث المؤرّخون أنّ خالداً غدر بمالك وأصحابه، بعد أنّ وضعوا السّلاح وصلّوا جماعة وأوثقوهم بالحبال، وفيهم ليلى بنت المنهال زوجة مالك، وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال، ويقال إنّه لم ير أجمل منها وفتن خالد بجمالها.

وقال له مالك : يا خالد أبعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، وتدخّل عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري، وألحّا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر، فرفض خالد وقال : لا أقالني الله إن لم أقتله، فالتفت مالك إلى زوجته ليلى وقال لخالد : هذه التي قتلتني، فأمر خالد بضرب عنقه وقبض على ليلى زوجته ودخل فيها في تلك الليلة (١) .
ماذا عساني أن أقول في هؤلاء الصحابة الذين يستبيحون حرمات الله، ويقتلون النفوس المسلمة من أجل هوى النفس، ويستبيحون الفروج التي حرّمها الله، ففي الإسلام لا تنكح المرأة المتوفى زوجها إلاّ بعد العدّة التي حدّدها الله في كتابه العزيز، ولكنّ خالداً اتّخذ إلهه هواه فتردّى، وأيّ قيمة للعدّة عنده بعد أن قتل زوجها صبراً وظلماً، وقتل قومه أيضاً وهم مسلمون بشهادة عبد الله بن عمر وأبي قتادة الذي غضب غضباً شديداً ممّا فعله خالد، وانصرف راجعاً إلى المدينة، وأقسم أن لا يكون أبداً في لواء عليه خالد بن الوليد (١) .

وحسبنا في هذه القضية المشهورة أن ننقل اعتراف الأستاذ هيكل في كتابه « الصدّيق أبو بكر » إذ قال تحت عنوان : ( رأي عمر وحجته في الأمر ) :

« أما عمر، وكان مثال العدل الصارم، فكان يرى أن خالداً عدا على امرىء مسلم، ونزا على امرأته قبل انقضاء عدّتها، فلا يصحّ بقاؤه في قيادة الجيش حتّى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين، ويسيء إلى مكانتهم بين العرب، قال : ولا يصحّ أن يترك بغير عقاب على ما أتمّ مع ليلى.

ولو صحّ أنّه تأوّل فأخطأ في أمر مالك، وهذا ما لا يجيزه عمر، وحسبه ما صنع مع زوجته ليقام عليه الحدّ، فليس ينهض عذراً له إنه سيف الله، وأنّه القائد الذي يسير النصر في ركابه، فلو أن مثل هذا العذر يقبل لأبيحت لخالد وأمثاله المحارم، ولكان أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله، لذلك لم يفتأ عمر يعيد على أبي بكر، ويلحّ عليه، حتّى استدعى خالداً وعنّفه... » (٢) .

ثم اهتديت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن