الفصل الثامن

117 2 0
                                    

(8)
اعترافات عاشق

أولًا: عرفتك صدفة ..
ثانيًا: رأيتك مختلفًا عن الآخرين ..
ثالثًا: تمكنت من العيش بداخلي ..
رابعًا: وجودك بقربي يسعدني ..
خامسًا: أتمنى محادثتك في كل ثانية ..
سادسًا: عشقتك بكل معنى الكلمة ..
سابعًا: أصبحت سعادتي محصورة بك ..
ثامنًا: أحبك أكثر من أي شي ..
تاسعًا: أحببتك جدًا ..
عاشرًا وأخيرًا: أحببتك أكثر من نفسي فلا تحرمني منك.
كيف للقدر أن يكون كريما معه لتلك الدرجة ؟.. أم هي قدره هو! تتوالى المصادفات دون سابق ترتيب, ودائمًا ما تظهر له في أوقات يكون فيها في  قمة اشتياقه، نعم هو يعترف  الآن أنه يشتاق لأيقونته وبشدة, بضع دقائق فقط هديته من  القدر تجمعه بها فتولد البهجة بين ضلوعه، كلما ابتعد وظنّ أنه اكتفى بدور عابر السبيل يعود الظمأ يتغلغل في روحه ورغمًا عنه يشتاق ..
يستند بكفيه على الجدار الزجاجي أمامه مستقبلا بوجهه رذاذ الماء الدافئ، مغمض العينين، أنفاسه منتظمة مع بسمة هادئة شقت الطريق بين شفتيه, متمنيًا من قلبه لو طالت صدفته الليلة، لما دائمًا تختزل اللحظات الجميلة في ثوان؟..  يفكر ويفكر كيف يستطيع أن يراها مرة أخرى؟ بل هو يبحث عن صدف مقصودة هذه المرة!
بعد أن رآها الليلة, إحساس غريب بالتملك استحوذ عليه لايدري ما السبب! ربما ضحكتها البريئة أو بريق عينيها أم لعلها تلك الغمازات التي ستقوده للجنون.. كم كانت شهية, ومغوية تحت الأمطار.. تتساقط القطرات الشفافة من بين أهدابها الكثيفة قطرة تلو الأخرى وشفتيها الورديتين ترتجفان دون توقف كان حقًا يلزمهما قبلة دافئة حتى تتوقفان عن الارتجاف بتلك الطريقة المثيرة..
لاح على ثغره بسمة عابثة.. كم يتمنى تقبيلها في تلك اللحظة.. الآن!
يقسم داخله لو أنه شعر حينما كان معها بما يشعر به الآن لكان أهداها قبلتها الأولى ولو اجتمع كل البشر لمنعه! كان فعلها رغمًا عن أنف الجميع، لكن وقتها كان فقط يريد طمأنتها وسلامتها لا أكثر.
أنهى حمامه الذي طال عن المعتاد لقد نسي حاله وأخذته موجة الأفكار الجامحة.. ارتدى سروال منامته وتبعها بسترة قطنية ذات أكمام دافئة من ثم عاد مرة أخرى لسترته المشبعة بالماء ليخرج كنزه الثمين حصاد اليوم.
قام بفردها بهدوء متوجس من أن تفقد تماسكها فتنشق لعدة أجزاء.. وأخيرًا تنفس الصعداء والآن أين يمكنه الاحتفاظ بها حتى تجف جيدا, ليتمكن حينها من ملامستها كيف يشاء!..
اللعنة لا دراية له بتلك الأمور..
وبعد تفكيرٍ وحيرة, اختار خزانته بين ملابسه الدافئه وضعها برفق مغلقًا الخزانة جيدًا متبسمًا برضا..
حسنا "العشرون "خاصته حصاد الليلة في أمان الآن.. حان وقت الراحة وكم هو شهي هذا الفراش الدافئ كشفتيها، إن كان للعشق لذة فللنوم لذة من نوع آخر ولا تقاوم أيضا.. أمسك بطرف الشرشف الثقيل يزيحه وقبل أن يتحرك خطوة أخرى أتاه صوت خطوات تمتزج بشهقات خافتة تقترب لأذنيه أكثر فأكثر.. فتح الباب بقوة وركضت طفلته الصغيرة تحتمي به تضمه أكثر محيطة خصره بذراعيها ورأسها بالكاد يصل لقلبه.. كم هي ضئيلة الحجم بجواره..
رباااه.. هل كل نصيبه من النساء فقط شهقات وعويل ودموع لاتنتهي!.. ألن يتذوق طعم الضحكات والبسمات!.. ألن يسطر داخل قاموسه نوعًا آخر غير هذا الذي اعتاد عليه؟!..
شدد ضمها وأحاطها بذراعيه حتى احتواها كليًا، زادت بعدها شهقاتها، لم يتفوه بكلمة, تركها تنهي شحنة البكاء المسيطرةعليها, وما إن هدأت قليلًا حتى رفعت رأسها تنظر لأعلى تواجه عينيه وتخبره بنبرتها الضائعة بين شهقاتها الخافتة:
- أنا عايزة أحب واتحب يا إسلام!
رفع حاجبيه في ذهول قائلًا باستنكار:
- تحبي وتتحبي الساعة إتنين بعد نص الليل!.. ده كلام ياساندي؟! طيب خليكي لبكرة على بعد الظهر كده مش هنقول حاجه.
كورت قبضتها اليمنى وضربته على صدره العريض  بينما اليسرى مازالت محيطة بخصره، تزوم بشفتيها وعاقدة حاجبيها في غضب.. تأوه هو بألم مصطنع بينما تعلو شفتيه الضحكات الصامتة فتابعت هي  بغضب أكبر :
-وأنت ينفع تستظرف الساعة إتنين بعد نص الليل..
صمتت لثوان ثم تابعت وهي منكسة الرأس.. تفرك كفيها بتوتر:
- إسلام انا بتكلم جد.. أنا مش عايزة أتجوز كدة وخلاص.. بابا مقتنع بابن صاحبه ده ومش بيضيع وقت.. عايز يقنعني بأي شكل.. وماما شالت إيديها من الموضوع، يمكن يكون فرصة كويسه زي ما بابا بيقول والشاب مافيهوش عيب.. أنا شفته وقعدت معاه بس ماحستش ناحيته بأي حاجه أنا مش عايزة أتجوز فرصة كويسة ولا حد يكون عايزني عشان أنا بنت فلان.. عايزة أختاراللي يشاور عليه قلبي ويقولي هو ده.. فاهم أقصد إيه؟
ربما فارق العمر ليس بكافٍ ليشعر أنها طفلته, لكن رغم ذلك هذا مايشعر به تجاهها, هي دائما تقتصر المسافات بينهما, تلجأ له ما إن تتعثر في شئ ما وكأنه منقذها، مدللته الصغيرة شبت عن طوق الطفولة وتريد الحصول على ذاك الشغف المجنون المسمى بالحب كسائر الفتيات، داعب أنفها الصغير بسبابته محركا كتفيه بعفوية مع هتافه المرح:
-خلاص ماتوافقيش.
تنهدت بضيق بينما تجلس على حافة الفراش:
-غلبت مع بابا.. العرق الصعيدي مسيطر عليه ومش راضي يتفاهم خالص وكل ما نتكلم نتخانق.
تبسم لها وهو يجاورها محيطا كتفيها بذراعه قائلا بشئ من التفكير:
-اممممم طالما العرق الصعيدي سيطر.. يبجى هتجلب غم يابت أبوي!
لم تبدي أي رد فعل لدعابته فعقد حاجبيه وتحدث هذه المرة بجدية تامة وهو مازال على وضعه :
-ياآآآه لدرجة دي.. عموما ماتشغليش بالك الموضوع ده خرج من إيدك ومسكه العبد لله هتكلم مع بابا ومش هيجبرك على أي حاجه أنت مش عاوزاها إطمني.. فكي التكشيرة دي بقى مش لايقه عليك أصلا.
رفعت رأسها تبادله النظرات:
- بجد يا إسلام هتقدر تقنعه؟
اومأ برأسه متبسمًا بحنو مؤكدًا على حديثه السابق، فرسمت هي ابتسامة مطمئنة, ثم نهضت من جلستها, طابعة قبلة على وجنته مهللة بسرورٍ, وراحة:
- ربنا يخليك ليا يارب.
استغل نهوضها واندس سريعًا داخل الفراش قائلًا بتثاؤب:
-يلا غوري بقى وطفي النور عايز اناااام.
خطت نحو الباب وأردفت بمرح:
- هغور حاضر.. تصبح على خير.
أوقفها نداء باسمها جعلها تلتفت مرة أخرى للخلف, تنظر له باهتمام تستمع لصوته الناعس :
- بس يا سو  لو عنستِ أنا مش مسئول أنا بقولك علشان ماشيلش ذنبك .. آآآه مش ناقصة يعني.
ومع آخر حروفه كانت قد انقضت عليه كثور هائج, تسدد له اللكمات أينما أتيح لها, وهو يكتفها ويوقعها أسيرة بين ذراعيه  بسهولة دون عناء.. هتفت بعدها  بصوت زاعق:
-لااا.. إنت غزالتك رايقه قوي النهاردة.. استحمل بقى!
*   *   *   *   *
تتقلب في فراشها مرة تلو الأخرى وفقط شاردة في ذاك الغريب الذي اقتحم ليلتها، التقت به مرتين من قبل ولأول مرة تستشعر حضوره الطاغي كان الليلة.. حمدت الله أن والديها قد تعبا أخيرا من أحاديثهم الطويلة, والتي شملت المعاتبة وتحميل الذنب, وإهمالها الذي أوصلها لما آل إليه حالها الليلة..
أخبرتهم عن الشخص المنقذ, وماكان منهم إلا الذهول وتبادل النظرات لبضع ثوان, وبعدها ساد الصمت وتبعه أوامر صارمة من والدها بمراعاة الأمور والجدية, حتى لا تكرر ما حدث مرة أخرى, وبعدها تركاها بمفردها, ليكون السهاد رفيقها وهي تعيد ترتيب أفكارها..
ضميرها يؤنبها وبشدة, لكم كانت قاسية معه جريئة في ردها ليلتها.. ويأتي هو الآن ويرد كل ذلك بشهامة ونبل لم يطرأ حتى في خيالها.. حسنًا كانت هناك نظرات غريبة عليها رمقها بها لمحتها بين عينيه المصوبة تجاهها بكل تركيز, وما إن تلتقطها يخفيها  وكأنه ينسى حاله فيعود ويتذكرها سريعا..
يا إلهي لكم عيناه تشبه تلك العيون التي مضت شهور تقاتل حتى تنساها, بل تمحوها من ذاكراتها, كلفها هذا الكثير , لكن هي الآن أفضل بمراحل, اعتادت غيابه, ألقت بحالها داخل دوامة العمل, وامتلأت بعض الفراغات داخلها شيئا فشيئا, حتى أصبحت أكثر حيوية ومرحًا وتقبلت كلماته القاسية وكانت كمحفز لها كلما ضعفت تقوى بها وهي تردد لنفسها..
"لا يستحق أبدًا.. أبدًا "
ويأتي هذا الشهم اليوم ليعود لها بذكراه.. ما أشبه اليوم بالأمس!
نفضت رأسها سريعا, وهي تطبق جفنيها بقوة, ولسان حالها يقول :
" لا لمار.. لن تعودي لذكراه.. لن تعودي بخطواتك للخلف أبدًا، باسل لا يستحق قلبك, إنه مجرد عابث، هو بارع في تحطيم القلوب,  وما إن ينهي مهمته يبحث عن مهرب خبيث ليتسلل منه خفية كاللصوص, فأمثاله لاجرأة لديهم لمواجهة حقيقية.. لا تفكري به! لن يستحوذ على أي حيز من حياتك, هو رحل وانتهى الأمر، وذلك الشهم لا يشبهه البتة, لو كان يشبهه ما كان  فعل ما فعله الليلة.. حقًا من الظلم  المقارنة بينهما "
نجحت في طرد كل ما يتعلق بأي ذكرى قد تجبرها على الضعف والهوان, فقط تفكر في عملها وتقرر عليها أن تجرب كما قالت روان،  في الحالتين  لن تخسر شيئًا إن كانت تلك المشفى كالسابقة, بل تشعر أن أستاذها الذي طالما احترمته وكان لها مثال الطبيب الناجح ستكتسب الخبرة من العمل بقربه.. أغمضت عينيها وبسمة تفاؤول تغمرها، فمن الغد عليها البدء في تنفيذ قراراتها الخاصة بعملها الجديد مع أستاذها المبجل في مشفاه الخاصة.
*    *   *   *   *
اقترب بخطواتٍ هادئة من المنضدة متوسطة الحجم القابعة وسط الحجرة, واضعًا الكوب الدافئ من بين يديه فوقها.. ليتحدث بعدها بنبرته الأجشه:
- اشرب ده هيريحك شويه.. وبعدين أنت ايه اللي نزلك من بيتكم؟ ما كنت ريحتنا منك لحد ما تخف كويس.. كده كده لا عارف تاخد كشوفات ولا تدخل عمليات.
اعتدل الآخر في جلسته بتثاقل, متناولًا الكوب يحتسيه ببطء, ثم أجاب بصوت مجهد:
- زهقت.. عاملين عليا حصار في البيت بقالهم  يومين وهروني أدويه ماكنش دور برد ده ..  حبيت أغير جو ومالقتش حتة أروحها فجيت المستشفى أقعد معاك شويه.
رفع بدر ساق فوق الأخرى يجلس بأريحية أكثر وكفه يجذب بعض الأوراق من أعلى المنضدة.. هاتفًا بتعجب غاضب:
- حرارتك عالية بقالها يومين و تقريبًا دخلت مرحلة الهلوسة وتقول لي دور برد عادي! إتهد بقى ياشيخ وبعدين أنت عايز ايه بالظبط.. قالت لك بحب واحد تاني.. أنت غاوي وجع قلب يابني إنت؟!
هتف إسلام مدافعًا بإستنكار:
- يعني كنت عايزني أسيبها؟
لاحت بسمة ساخرة على جانب شفتيه, وتحدث ساخرًا دون أن يرفع بصره عن أوراقه :
- يا حنين..
صمت ولم يتحدث, فقط اجتاحه بعض الغضب, بينما رفع الآخر عينيه ليراه شاردًا أمامه, وقد تغيرت معالم وجهه، ترك ما بين يديه واعتدل في جلسته يميل بجذعه للأمام.. أصابعه تتشابك ببعضها و ينظر له بتمعن:
- إسلام مش بقول لك كده علشان اضايقك, انا بس بحاول افوقك.. إحنا ما صدقنا انك خلصت من أم الموضوع ده وكنا تقريبا نسيناه، وفي يوم وليلة رجع حالك إتقلب أكتر من الأول.. تقريبا  كل كلامك عليها ، نظرة الأمل اللي في عينيك دي هي اللي أجبرتني أتكلم.. أنت قابلت واحدة كانت محتاجة مساعدة وبما انك شهم وجدع ساعدتها خلاص كده شكرا.. خلصنا..  ممكن بقى تنسى الموضوع ده خالص، صدقني أنت محتاج بني آدمه تستاهلك وتقدرك بجد بلاش ترخص مشاعرك بالشكل ده.
ظل شاردًا في الفراغ يستمع لحديث صديقه بإصغاء.. ليتحدث بعد صمت لم يطُل  هادرًا بغضب يحاول جاهدًا السيطرة عليه:
- افهم أنت..  الحكاية مش مجرد واحدة شفتها عجبتني ودخلت دماغي  وخلاص.. صدقني الموضوع بالنسبالي أكبر من كده بكتير.. أكبرمن نظرة عشق شفتها في عينيها لحد تاني.. أكبر من  كلام سخيف  قالته يوم ما رحت اتقدم لها من غير حتى ما تراعي إنها بتتكلم مع راجل غريب و أكبر من إني أكون عارف ان قلبها مع حد تاني وبردو مش قادرأنساها.. أنت فاكر إني مافكرتش أنها ممكن تكون إرتبطت  بالشخص اللي اعترفت لي بحبه ده؟ ممكن ايه ده لو ماكنش أكيد يعني..
تبسم بسخرية في آخر كلماته, ينظر للمستمع أمامه بملامح يرتسم عليها الحنق بشدة, ليكمل بصوت أجش وقلبه يخفق لاعترافه الصريح بمشاعر لم يكن ليصدق في يوم ما أنها ستتمكن منه بكل تلك القوة:
- أنا بحبها يا بدر وده مش بإيدي.. أبقى كداب لو قلت لك يوم ما أشوفها قدامي هقدر أبعد وكأن عادي كده.. بالعكس لو لقيت أي فرصه تقربني منها صدقني مش هتردد لثواني.
لم ينبس بدر ببنت شفه وما عساه أن يقول! فصديقه غارقٌ في دوامة العشق ولا يريد طوق النجاة، جذبته رياح العشق وتاه في البعيد لكن إلى متى سيظل غارقًا هكذا  بإرادته التامة.. فبر الأمان الذي يرجوه ليس إلا سراب وهو يعلم.. لكنه ببساطة بات عاجزا عن المقاومة.
*  *  *   *   *
إرتسمت بسمة واسعة فوق ثغرها تنبئ عن سعادة حقيقية تشعر بها الآن، هنا في حجرته الواسعة داخل مشفاه الخاص.. فصاحب المشفى بنفسه يتحدث إليها بكل ذلك الود والاحترام، كان من الصواب اتخاذ قرارها والموافقة الفورية على العرض الخاص المقدم لها بل كان عليها أن تأتي منذ أيام, لولا إصابتها بالحمى الشديدة, بالإضافة لأعراض البرد الأخرى أرغمتها على التقيد في الفراش لعدة أيام  جزاء الليلة الممطرة التي تمكنت منها, وما إن شعرت ببعض من التحسن حتى اتخذت قرارها قيد التنفيذ, وخطت داخل المشفى الكبير الذي كان على عكس توقعها لم تتخيله بهذا الحجم, و أعجبتها كثيرًا الجدية والصرامة التي تنتشر  في الأجواء؛ فالكل يعمل بانتظام دون تكاسل..
بينما إستقبلها مراد بكل ترحاب, كم هو رائع هذا الرجل!.. على الرجال أن يتخذوه قدوة لهم فهو الرجل الأفضل على الإطلاق..
همست بسعادة وامتنان:
- أنا حقيقي مش عارفة أشكرك ازاي يادكتور.
من خلف مكتبه الأنيق يطالع تلك الطبيبة الجالسة أمامه بخجل وإرتباك، كم هي بسيطة جذابة برقتها وأنوثتها الهادئة!.. له كل الحق ابن أخيه المعتوه أن يتوه داخل بريق عينيها.. عيناها تطلقان مزيج من البراءة الممزوجه بالشقاوة اللطيفة فيضيع الناظر أمام بريقهما الخاص، تحدث إليها برزانة وعملية:
-الشكر اللي عايزه انك تكوني قدوة باجتهادك والانضباط في المواعيد دون تكاسل او تهاون.. مثال ناجح و مشرف ليكي ولأهلك وللمكان اللي شغالة فيه.
اومأت برأسها بهدوء ثم غمغمت بعملية تماثله:
- بإذن الله ياكتور هكون عند حسن ظنك.
- تمام.. ارتاحي بكره في البيت ومن بعده تقدري تباشري شغلك معانا.
تبسمت برقة وهي تجيب:
- ربنا يقدرني وأكون قد المسؤولية ومخذلش حضرتك أبدا.
بادلها البسمة بأخرى حانية.. محفزة:
- أنت هتكوني من أهم دكاترة الأطفال المميزين يالمار.. ابقي افتكري كلامي.
لكم يخجلها بحديثه المنمق فكلمة رائع لا توافيه حقه الآن.. غادرت حجرته تشعر براحة لم تشعر بها منذ زمن، يعاملها كشخص قريب منه، يا ترى هل هو هكذا مع الجميع؟.. لأول مره تتقرب منه لتلك الدرجة كانت علاقتها به مجرد طالبة جامعيه بدكتورها المفضل، فهو جدي للغاية في حصون الجامعة لكن هنا يبدو كمن يعامل أحد أفراد أسرته.. تنهدت برضا وهي تسير في الرواق الطويل حتى تجمدت في مكانها دون حراك .
إنه هو من جديد! لكن لمَ يرتدي معطفه الطبي؟ ما الذي يفعله هنا؟ أليس مكانه مع أبيه الجراح المعروف  حيث جراحة القلب هذا ما ظنته للحظتها هذه.. إذا ماذا يفعل بمعطفه هنا في مشفى خاص بالأطفال.. بل يتحدث مع إحداهن يبدو أنه يعنفها على خطأ ما؛ فالمسكينة منكسة الرأس تومئ برأسها في صمت وملامح الخوف تعتليها, بينما هو يدقق النظر ببعض الأوراق بين يديه ويعود لها بنظرات حادة غاضبة..
تحدق بمقلتيها اللامعة في ذهول  فهمست من بين شفتيها بخفوت متعجب:
- إسلام!
كأنما تناديه ما إن خرجت همستها الخفيضة حتى رفع أنظاره من خلف عويناته ليقابل نظراتها المحدقة بأخرى عاجزة عن التصديق، رمش بعينيه عدة مرات علها تكون تهيآت, لكن ولسعادته وهنائه هي هنا أمامه.. تحدق فيه بذهول ويا للعجب تتعرف عليه دون حاجة له أن يخبرها من يكون!
اقترب باقي الخطوات وشيئا لا يعرف كنهه يضرب جوانحه بعنف وبسمة حقيقية تلوح على شفتيه.. يقابلها في وقفتها بصمت بينما هي تطالع وجهه كأنها تتأكد من هويته.. بعد صمت دام لدقائق قليله..
واحد..
إثنان..
ثلاثة..
- ااااهتتتتتتتششششششششي.
ياله من توقيت.. وإنفجر كلاهما ضاحكان أنفه الأحمر يقابل أنفها بنفس اللون فتلوح ذكرى تلك الليلة, والممرضة السمينة تطالعهما بحاجبين مرفوعين وفم تعب من الإلتواء والإمتعاض؛ فمنذ ثوان كان يعنفها بشأن أمر بسيط كانت قد نسيت شأنه والآن جلجل المشفى بضحكاته دون سبب! وقررت تلك الملاك قطع صمتهما وضحكاتهما فهتفت ببرود:
- دكتور.. يادكتور إسلام ماقولتليش يعني أعمل إيه دلوقتي مع المريضة؟
تنحنح يجلي حنجرته وسرعان ما عاد يرسم ملامحه الجادة:
- اتفضلي روحي إديها الجرعه دلوقتي وإياك تاني مرة يتكرر التهريج ده.. مفهوم؟
تحركت المرأة متمتمة بكلمات غاضبه بينما عاد هو يواجه الملاك الماثل أمامه.. لا يعلم ماذا فعل ليكافئ بصدفة كتلك في صباحه.. بادلها بسمة هادئه وبدأ هو الحديث:
-ازيك ؟
في حرج وأسف قالت:
- واضح انه دور برد من النوع المدمر.. وكل ده بسببي! أكيد بتدعي عليا دلوقتي.
بادل نظراتها المتأسفه بأخرى شملتها فهي لاتبدو بحال أفضل منه..  تبسم لها ابتسامته الدافئة وهو يردد بداخله
" آآآه لو تعلمين بما يدور داخلي أيتها الأيقونة "
انتابها الخجل إثر نظراته  فأطرقت برأسها للأسفل حتى تبتعد بعينيها عنه .. في حين نطق هو بكلماته الحانيه:
- غالبا مش أكتر منك.. سلامتك.
- الله يسلمك.. سلامتك إنت كمان، آسفه قوي كله بسببي.
كيف يخبرها أنه يتمنى أن تعود تلك اللحظات, ووقتها هو سيطيلها قدرالإمكان, ولن يأبه بما قد تخلفه من آثار على صحته؛ فهي ترياق علته!.. نعم هو يشعر بتحسن الآن كما لم يكن من قبل.. لم يجب على أسفها بل تجاوزه كأنما لا يريد سماع أحاديث لاداعي لها.. على ماذا تعتذر تلك الحمقاء!.. سألها سريعا :
- بتعملي ايه هنا؟
أجابت من فورها بثقة:
- أنا بشتغل هنا.. او بمعنى أدق لسه هبدأ شغل بعد بكره.
جرعة صادمة في أقل من ثوان.. هل تنتوي على قتله بالبطيء تلك اللمار! تحدث بصوت أجش رافعا أحد حاجبيه:
- للدرجة دي ضامنة؟ اللي أعرفه إن مش أي حد يشتغل هنا.. لازم يكون صاحب خبرة وكفاءة.
أجابت بتفاخر وثقه أكبر:
- أنا هنا تحت وصاية صاحب المستشفى.. دكتور مراد شخصيا.
ردد وبسمة عابثة تلوح في الأفق:
-امممم دكتور مراد..
أومأت برأسها, وهمت برحيل تنهي به الحديث الذي على مايبدو أنه قد طال, وأصبح المارة يلقون عليهما بالنظرات في الذهاب والإياب خاصة العاملين.. ما إن خطت خطوتين  حتى استدارت تقابل عينيه من جديد تسأل بفضول وهي عاقدة حاجبيها في استهجان:
-صحيح نسيت اسألك إنت بتعمل ايه هنا؟ كنت فاكره تخصصك زي دكتور عزيز.. ولا هي المستشفى دي فيها تخصصات تانية غيرالأطفال؟
رأى علامات الحيرة قد إرتسمت على ملامحها بقوة, كم أسعده ذلك على مايبدو أن مراد لم يزودها بالمعلومات الكافيه بل يبدو انه تعمد إخفاء كل الحقائق عنها.. حسنًا فليدع تلك القطة مغمضة العينين وتفكك الخيوط المتشابكه بمفردها.. لها كل الوقت.
أجابها بغموض وهو يستعد للإبتعاد:
- هسيبك تكتشفي لوحدك يادكتور و وقتها تأكدي هكون في الخدمة في أي وقت وبعرض خاص كمان.. أنت تخصي مدير المستشفى شخصيا!
حركت كتفيها بعفوية, وهي تكمل طريقها للرحيل متعحبة من إجابته الغامضة, وحتما لم ترى إبتسامته العابثه التي استمرت في الاتساع حتى وصل لحجرة مراد الخاصة ودلف دون سابق إنذار.. يضع كفيه داخل جيبي بنطاله متوسطًا الغرفة بهيئته الضخمه، رفع مراد بصره من فوق حاسبه ليطالع الواقف أمامه وعلى محياة أجمل ابتسامة عابثة رآها يومُا.. لتخبره أنه قابلها وكشف المستور قبل أوانه.. رمقه بنظرات صارمة وعاد لحاسوبه دون حديث.. فتقدم إسلام وارتكز بمرفقيه على حافة المكتب يقابله ويتحدث بنبرة عميقه:
- وربنا أنت أجدع عم في الدنيا.
رمقه بطرف عينيه لثوان ثم تحدث بتهديد جاد:
- اوعى تفتكر شغلها هنا علشان خاطر عيونك الحلوة.. لا أنا محتاجها بجد.. يعني إياك بس أشم خبر انك تعديت حدودك معاها، زيها زي أي زميلة هنا.. لمار تخصني يا إسلام وتحت حمايتي أنت فاهم؟
نظر له إسلام بشبه شرود وهتف بنبرة جادة لا تحتمل العبث مترجمًا ما يدور داخل عقله:
- مافيش أي إرتباط رسمي مش كده؟ أنت متأكد من ده علشان كده عرضت عليها الشغل هنا ودلوقتي بتقولي الكلام ده صح؟
فقط تنهيدة مستسلمة خرجت من العم  ليتلقاها العاشق الولهان بضحكات غزت هدوء الغرفه الباردة ليخرج بعدها سريعًا غامزًا له بسعادة.. ليضحك بعدها  مراد ضاربًا كفًا بآخر؛ لقد كشف ذلك الأرعن كل مخططاته بنظرة واحدة.. منذ أن أدرك أن ابن أخيه عاشق لا محالة  تحدث مع والدها سرًا وتأكد منه أنها حتى الآن لم ترتبط بأحد قط, و وجد الترحاب من نبرة الرجل فقرر من فوره التدخل ليقرب المسافات.. لكن الآن بعد نظرات ابن أخيه العابثه لدرجة خطيرة جعلته يندم على كل ما فعل.
*   *   *   *   *
هل هناك أجمل من النوم تحت السماء مباشرة تعد النجوم اللامعة وتخطئ وتعيد الكرّة وتتخيل أشكالًا وكائنات عجيبة.. لطالما عشق عد النجوم خصوصا هناك في بلدته الريفية صاحبة الجمال الإلهي لكن أين كل ذلك؟ هو الآن ممدد بجسده فوق حشائش صناعية بجوار المسبح الخاص بالفيلا خاصتهم، يطالع السماء متأملًا لوجود نجمة واحدة لكن لا فائدة؛ السماء ملبدة بالغيوم, ولا حياة للنجوم ولا حتى القمر..
تنهد في ملل قبل أن يسمع وقع أقدام آتيه من الجوار, وما إن تأكد من هوية القادم حتى أطلق صفير خفيض يجذب به أنظاره..  حدق فيه إسلام  بذهول وهتف سريعا:
-يخرب عقلك بتعمل ايه هنا أنت مش حاسس بسقعة؟ الجو تلج يلا قوم ندخل جوه.
تحدث دون أن يتحرك إنشًا واحدًا من مكانه:
- تعالى بس الجو مش سقعه قوي يعني.. على الأقل أحسن من الخنقة جوه وبعدين مش كفاية كلكم سايبني لوحدي الأجازه كلها أربع أيام يعني ضاع  يوم كامل ومقعدتش مع حد فيكم الحاج على طول مسافر وبدأت اشك في الموضوع ده وأنت على طول في المستشفى كأن ربنا ماخلقش دكتور غيرك وماما مشغولة بفرح سوزي بنت طنط ماجي فاكرة نفسها أم العروسة وساندي مش بتقوم من سريرها واخداه احتكار تقريبا، من الآخر عيلة خنيقه بفكر جديا اتبرأ منكم.
ضحك إسلام من حديث شقيقه المتهكم, ثم اقترب تمدد بقربه حتى بات يجاوره على الأرض، أذرعتهما أسفل رأسيهما  يتأملان السماء الملبدة بالغيوم!
وساد الصمت..
كل منهما يبحر داخل عالمه الخاص، تردد باسل عدة لحظات قرر بعدها مشاركة بعض من أفكاره مع أحدهم لربما ارتاح قليلًا.. همس بخفوت:
- إسلام ..
- همممم
هم بالنطق إلا أن الجبن عاد وسيطر من جديد وحين طال صمته, التفت له الآخر برأسه حاثّا إياه على المتابعة:
-إتكلم.. سامعك.
تحدث أخيرا وهو يتحرك برأسه ليواجه عيني أخيه قبل أن يصمت فيتراجع:
- في حد أنا أذيته قوي وضميري واجعني.. حاسس بذنب ومش عارف أعمل ايه..
بادله النظرات في ذهول لم يطل فنبرته صادقة, وتحمل بين طياتها حيرة وهمّ لم يألفهما على أخيه من قبل.. سأله ليأكد ظنونه:
-واحدة ؟
ازدرد لعابه وهو يعود ليطالع السماء مرة آخرى واكتفى بهمهمة خفيضه تعني الإيجاب..
اعتدل إسلام جالسًا مقطبًا جبينه ينظر له بتمعن، يحاول سبر أغواره وكشف ما يدور بخلده قبل أن يسأله دون مواراة:
- وفرحة يا باسل؟ انا كنت فاكرك بتحبها بجد ومش هتفكر في غيرها.
إعتدل الآخر يواجهه ونطق بحنق وليد اللحظة:
- مال فرحة مش فاهم إيه جاب سيرتها دلوقتي.. أنا بكلمك في إيه وأنت تسألني في إيه..
غمغم إسلام بجدية :
-كل الطرق بتوصل لنقطة واحدة في الآخر.. بتوصل ليك يا باسل وباين زي الشمس إن فرحه بتحبك وأنت سمحت لها بكده ومن زمان كمان..
ثم أردف بتهكم:
- لكن اللي شايفه إن ضميرك واجعك علشان حد تاني.. أظن فرحة كمان لازم تدخلها في حسابات الضمير دي.
زفر بقوة وهو يبتعد بنظراته بعيدًا حيث الفراغ ثم همس بضيق:
- فرحة بطلة أيام الطفولة والمراهقة يعني كنا عيال.. لكن دلوقتي خلاص كبرنا ومافيش حاجة بتفضل على حالها.
عاد يقابله بنظراته مردفا بنبرة قوية:
- فرحة عايزة حد يستاهلها ويقدرها علشان هي إتخلقت للحب وبس.
رفع إسلام حاجبيه ساخرًا:
-وهي مش عايزة حد غيرك.
صمت باسل لم يتحدث, وعاد ينظر للفراغ بشرود جديد فتابع إسلام:
- طيب سيبك من فرحة دلوقتي.. قول لي جرحتها إزاي لدرجة إن ضميرك واجعك؟!
غمغم بتثاقل كأنما يتخلص من مشاعر هوجاء تضرب روحه فتجعله تائه قسرا:
-كنت عارف انها بتقرب مني كل يوم أكتر من اللي قبله وساعدتها على كده لحد ما ملكت قلبها ببساطة..  بس فجأة ومن غير سبب جرحتها قولت لها كلام ماكنش يصح يتقال بعدتها عني بطريقة رخيصة قوي.
هتف متعجبا:
-وإنت عملت كده ليه.. ؟!
أجاب وشبح إبتسامة باهتة تحوم على شفتيه:
- علشان اكتشفت انها زي فرحة.. اتخلقت للحب بردو مش لأي حاجة تانية.
باستفهام وخشونة حانقة زجره:
- تعلق بنات الناس وترجع تبعد ببساطة وحجتك يستحقوا الأفضل.. طالما مش قد مسؤولية مشاعر زي دي كنت بتقرب ليه من الأول وتورط نفسك؟ أنا مش فاهم لحد دلوقتي إنت عايز ايه..
- والله ما عارف أنا عايز إيه ولا فاهم نفسي حتى.
رغما عنه نال شفقته، نبرة صوته ضائعة و تائهة.. ربت على كتفه بحنو وتابع متبسما ليخفف عنه:
- ولا يهمك مافيش حاجة صعبة الموضوع بس محتاج وقفة مع النفس مش أكتر علشان تقدر تراجع حساباتك وتحدد أهدافك وأكيد هتصحح أخطائك.
بادله  البسمة مؤكدا على كلامه:
-أكيد ..
أردف سريعا حتى يبدد روح الكآبى التي أحاطت بهما ويرحم أخيه من دور الحكيم الذي يجيد إتقانه ما إن يسمح أحد له بذلك هاتفا بمرح:
-قول لي أنت بقى فيك حاجة غريبة الفترة الأخيرة.. فضفص ياراجل كده واحكي لي.
اتسعت ابتسامته حتى وصلت لضحكات مسموعة تحت أنظار باسل المتعجبة ليتكلم بعدها واثقا:
-  يعني تقدر تقول كده حاطط هدف قدامي ومش هرتاح إلا لما اوصله.. بالذوق بالعافيه.. هوصلها.
رفع باسل حاجبيه سائلًا بصدمة مصطنعة عن إثباته لصيغة المؤنث  التى احتلت نهاية جملته:
- هي الجنيه ظهرت لك تاني ولا إيه؟
ليهز إسلام رأسه بهدوء علامة الإيجاب, فيطلق الآخر صفير عالي وهو يلكزه في كتفه بمرح..  فأخوه عاشق لاشك واليوم عيناه  تبوحان بذلك دون خجل.. تابع باسل بحماس وفضول غامزا بعينه اليسرى:
-قول لي بتحبها قد ايه؟
لم يجب فقط استقام واقفا يخلع عنه حذاءه الأنيق.. ساعته الكلاسكيه من ثم ألقى هاتفه وحاملة مفاتيحه فوق الأرض وأخيرا جاورتهم سترته الثقيلة..
راقبه باسل محدقًا والذهول يعلو قسماته ثم تحدث باضطراب عابث:
-في إيه يا إسلام.. لأ لأ مش عايز تطبيق عملي كفايه قوي شرح نظري.
فقط أهداه نظرة وبسمة عابثتيْن وأكمل يفكك أزرار قميصه زرًا يتلوه الآخر!
نهض باسل فالوضع بات لا يحتمل الصمت, عليه أن يوقفه قبل أن يتهور ويصل للبنطال.. زعق فيه بنبرة عالية خشنة رغم تلونها بالذهول والابتسام معًا:
-في إيه يآض مالك إنت اتهبلت.. هتفضحنا يخربيتك.
والآخر كأنما تمت برمجته حتى لا يسمع من الأساس.. انتهى من فك قميصه فقذف به أرضا يجاور البقيه تحت أنظار أخيه الجاحظة, بينما اكتفي هو بنظراته العابثة المثيرة للشك.. عاد للخلف بضع خطوات قليله.. توقف على حافة المسبح الكبير.. أغمض عينيه فاتحًا ذراعيه على مصراعيهما ليلقي بعدها بجسده الضخم فتتلقفه من الخلف أحضان المسبح الباردة!
انتهى الأصغر من مرحلة الذهول وحلت هستيريا الضحك حتى ندت عيناه.. ياللغباء يسأله لأي درجة يحبها!.. فمن الواضح أنه تعدى مرحلة الحب بمراحل وأصبح عاشق من نوع خاص حيث يلقي بجسده داخل مياه المسبح الباردة.. الباردة جدا في الحقيقة في طقس كهذا في منتصف الليل تحت السماء الملبدة وهو لم يشفَ تمامًا من أعراض البرد التي تمكنت منه في الآونة الآخيرة.. حسنًا سبع الرجال غرق وانتهى.
أخرج رأسه ينفض عنه الماء.. يسأله بمرح:
- وصلك الجواب؟
أشار له بإبهامه من بين ضحكاته في علامة تؤكد وصول الجواب تمام الوصول.. فرشقه إسلام بالمياه كدعوة للحاق به وألا يفوت عرض كهذا.. ولم يخذله انضم له بكل ترحاب بعد ما جاورت ملابسه متعلقات أخيه..
كانت ساندي قد وصلت إليهما حينما كان ينضم المجنون الأصغر لأخيه الأكبر العاقل! صرخت بهما غاضبة:
-أنتم يا مجاااانين ماما بتقول لكم اطلعوا ناو  من البسين وكفاية فضايح لحد كده.
وعلى مايبدو أن الباسل قد ندم على مجاراته لذاك المجنون, وهمّ بالصعود بعدما ذاق لذوعة البرودة, فسحبه الآخر عنوةً, وبدأ يغمس رأسه داخل المياه بالضغط عليها بينما يعافر هو بكل قوته..
وساندي مازالت تصرخ بأوامر الخروج وفي النهاية لم يعيرها أيا منهما اهتمامًا وأكملا تبادل اللكمات وسط ضحكاتهما التي صدحت في الأجواء الليلية الهادئة المحيطة بحيّهم الراقي.

دوامة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن