الفصل الثالث عشر

77 1 0
                                    

(13)
أول دقة

قالو من قبل أن لكل عاشق وطن  وأن قلب المحبوب هو المرسى.. وهو أضنته الهجره  وآن الآون حتى يعود، كلمات بسيطة صدرت منها بعفويه كانت لها مفعول السحر وضاع الصبر وسط ذبذبات العشق واتخذ العاشق إسلوب الهجوم.. ألقى شباكه ورحل عنها تاركاً إياها مع كلماته التي خطها قلبه قبل أنامله.. فليكن تخبط المشاعر رفيقها الليلة لتتذوق من ما يؤرق مضجعه كل ليلة..
تلوى بجذعه ينزع عنه سترته في هدوء عاكسه إقتحام همجي دون سابق إنذار:
-كنت فين بالبدله الرمادي.. انطق!
بادل مزاحه ضحكاً ملئ شدقيه:
-كنت بجوز الواد بدر.
غص باسل من كلمات أخيه لا من قضمة التفاحة المحتجزه بحلقه، هتف بعدها بغباء وحدقتيه مندهشتان:
-بدر مين؟
والجواب متذمر:
-نعرف كام بدر يعني.
عقد باسل حاجبيه ودمدم بإستفهام:
-ومين دي بقى إللي قررت تضحي بنفسها وتتجوز سي بدر.. وبعدين أنا مش معزوم ليه؟!
بدل ملابسه بأخرى قطنية أكثر راحة وتحرك نحو الفراش عاري الصدر يرتدي كنزته العلوية بتمهل  مع جوابه الهادئ:
-السؤال الأول أفضل تسأله لبدر شخصياً وهو هيرد عليك بطريقته أظن عارفها كويس.. أما بقى أنت مش معزوم علشان مافيش فرح أصلا، حفلة كده على الضيق يعني مالوش لزوم حضورك.
توقف بصره عند الندب الموجود قرب قلب أخيه يطالعه بصمت ووجوم وهو يعلم لو كان تأخر قليلا لكان ذاك النصل إخترق قلبه دون رحمة ولكان الآن ضمن عداد الموتى.. نفض رأسه من تلك الأفكار السوداء التي سيطرت عليه وعاد يرسم بسمة هادئه توازي إقترابه من الفراش، يتمدد بجسده متكأ برأسه على مرفقه يجاور أخيه بوضع عكسي، يقضم التفاح بصمت ويتابع شرود الأخ.. تنحنح أخيراً مضيفاً في حدقتيه مغمغما:
-وأنت يا نحنوح لسه فقرة التسبيل ماخلصتش؟
تبسم وإسترخى بأريحيه ليهتف غامزا بعينه:
-لا النهاردة لمحت بإعتراف.
مط باسل شفتيه ممتعضا:
-أنت يا بني أنا مش من إسبوعين قولت لك كفاية تسبيل وإمسك خط الهجوم.. وأول الهجوم بوسه!
تنهد إسلام في يأس:
-أبوسها! قلبك أبيض..
إستلقى باسل على ظهره رافعاً ساق فوق الأخرى عاقدا ذراعه أسفل رأسه ويهتف بملل:
-يعني واحد مصاحب بدر زهران هيكون حاله إيه غير خيبه.
عبس إسلام معترضاً على لقب "خيبه" ضاربا ساق باسل بقوة حتى كاد يسقطه أرضا:
-إيش فهمك يا حيوان أنت في الحب والمشاعر النبيلة.. أنت أخرك بوسه ولا حضن في الخباثه.
رماه باسل بإحدى الوسائد في وجهه وهو يعلق ساخرا:
-مشاعر نبيله! الله يرحم..
همس إسلام بسباب لا يمت للمشاعر النبيلة بأي صله بينما الآخر يضحك ويزيد من الدعابات السمجه خاصته.. قطع حديثهم الذي تلون بالفظاظه دخول ساندي، تقف بين إطار الباب تحدق فيهم بإتساع والألوان قد خالطت وجهها، تغمغم في وجوم يناسب وقفتها المتصلبه:
-يا شباب.. في ضيفة هتشرفنا الليلة وإحتمال اليومين الجايين..
تجمدت حركاتهم بوجوم ثم عقد الإثنان الحاجبان وخاض كل منهما وضع التفكير الذي إنقطع مع هجوم مفاجئ دفع ساندي من الخلف حتى كاد أن يسقطها أرضا لولا تشبثها بالباب.. وتطل الضيفة المصون تعدل من وضع نظارتها الكبيرة التي تناسب تماما الجديلتين المتدليتين من أعلى رأسها من كلا الجانبين.. وتهتف بمرح يملئ شدقيها:
-مثاااء الخير.. وحشتوني.
*   *   *   *  *
"مفيش حب من أول نظرة.. بس في خطفه من أول نظرة إللي ممكن منها تبتدي أجمل قصة حب في الدنيا "
يا إلهي!
هل يعترف بحبه هكذا ببساطة! ما إن انتهت من قراءة كلمات رسالته استدارت ترفع بصرها نحوه في تحديق  دون تفكير.. فصدمتها عيناه الضاحكة. يجلس بكل هدوء داخل سيارته يطالعها بإبتسامة دافئه وعيناه تخترق المسافة بينهما و ترسل  ذبذبات عشقه رويداً رويداً حتى انتشرت القشعريرة بأنحاء جسدها وشعرت بأشياء ما لا تفقه كنها تجتاحها دون هوادة بينما صدرها يعلو ويهبط بقوة وبعد دقائق عادت لها أنفاسها الآهثه فدارت متعثرة بعيون زائغه تخطو بعيداً عنه، حتى أتاها صوت إطارات سيارته تعلن رحيلها، فتفست الصعداء ضاغطه على زر المصعد تتوسل وصوله فقدميها لم يعودا قادرين على حملها..
بعد فترة وجيزه دلفت لمنزلها.. تخطو داخله فيقابلها الهدوء إلا من ضوء خافت يتسرب من باب الصغيرة لارا.. أدارت مقبض الباب وطلت برأسها متبسمه فقابلها وجه أختها الباسم وهي قابعه خلف مكتبها الصغير وأمامها أكثر المواد مللا تستذكرها.. تحدثت لمار بإشفاق ونبرة حنون:
-لسه صاحيه.. كفاية مذاكرة وقومي نامي شويه.
تبسمت لارا بتعب وهي تفرك عينيها:
-حاضر شوية صغرين بس وهقوم، أصل في مسألة معصلجه معايا ومش عايزه تتفهم لحد ما صدعت بسببها.
هتفت لمار بلؤم:
- فين سي رامي سايب المسألة المعصلجه دي ليه؟
احمرت وجنتيها في خجل وهي تجيب بصوت خفيض:
-بصراحة صعب عليا بيذاكر لنفسه ومع ذلك مصمم يراجع لي كل حاجة علشان يتأكد أن بذاكر ومش بضيع وقت.. أنا النهاردة كلمته مرتين وفي كل مرة مش أقل من ساعة يشرح لي وياريت في الآخر بفهم في التلفون، ولم زهق مني إتنرفز وقال لي ماتتصليش تاني وبكره هجيلك نذاكر سوا.
تبسمت لمار بخبث وهي تتقدم لداخل الحجرة هاتفة ببراءة:
-طيب هاتي إللي مش فهماه أنا هشرح لك وسيبي رامي في حاله، حرام عليك ده ثانوية عامة بردو كده الولد هيضيع.
إنتفضت لارا من فوق مقعدها وهي تغلق كتابها بقوة.. تتجه نحو الفراش هاتفه بتثاؤب:
-ماهو كده  كده  جاي بكره علشان نذاكر سوا وأنا خلاص مش قادرة أفتح عينيا.. تصبحي على خير يا لومي.
ضحكت لمار بخفوت أثناء خروجها من الحجرة مغلقة بابها برفق.. فشقيقتها الصغرى عاشقة..
بل تفشل في إخفاء ذلك..مرحى!
إتجهت بعدها لغرفتها.. جلست على طرف الفراش تخلع حذائها العالي تقذفه جنبا برفق، مدت يدها عنوه دون تفكير تخرج هاتفها.. تفتح  كلماته تقرأ مرة واثنين وثلاث وأخيراً تنهيده طويلة توازي تمددها فوق الفراش بالعرض.. تطالع السقف بوجوم فيخيل لها وجهه راسما أحلى ضحكة رأتها في حياتها فتتنهد مرة أخرى بيأس وتغمض عينيها..
تنهر نفسها.. ما بكِ لمار؟ لم هادئة هكذا.. الأ يجدر بك أن تغضبي! بكل غباء العالم ترفعين رأسك نحوه كأنك تخبريه أن رسالته وصلت بأمان، بل كان لها بالسحرعليك حتى بت غير قادرة على إبتعاد عن أسر عيناه لدقائق ليست بقليلة.. تعلمين أنه يتسلل لداخلك بسلاسه وليس من الليلة فقط بل من منذ أن وطأت قدمك مشفاه.. لكن الليلة كان إعترافًا صريحًا بحبه لك .. لا تنكري أن وجوده يشغل حيزًا داخل حياتك العملية لا بأس به والليلة لأول مرة تراه خارج إطار تلك الحياة.. كان لطيفا للغاية أضفى لليلة جو رائع بمزاحه وتلك المفاجاة التي أعدها للعروسين فأسعدهما أو أسعد تالا على الأقل.. وكلما وقع بصرك عليه تلتقطك عيناه بشكل لم تعاديه من قبل كأنما يضمك بهما!
حين وصلت لتلك النقطة من أفكارها المتخبطه كانت قد غرقت في سبات عميق.. فاليوم لا يوجد مقارنة بين هذا وذاك لا خوف من خداع جديد أو جرح آخر لقلبها لا مكان لماضٍ يؤرق مضجعها..
الليلة فقط لديها زائر جديد يطوف بوجهه داخل أحلامها طيلة ليلتها فتنفرج شفتيها بين الفينة والأخرى ببسمة ساحرة تخترق سباتها بنعومة مهللةً ومرحبةً بأول دقة.
*  *   *    *   *
شرط أول فيه وعد بطاعة..
وثان إلتزام بعادات وتقاليد..
وآخر ضمن شروطه فيه تخلي عن حياة الرفاهية والرضا بالعيش مع من أختارته زوج و.. و..
عدة شروط وضعها أمامها وهي فقط تحرك رأسها بالموافقة حتى ينتهي من وصلة شروطه الطويلة التي لم تسمع منها واحد بل دخلت كلها من أذن وخرجت من الأخرى.. فكل ما يهمها كان إتمام تلك الزيجة حتى تنتهي من مشكلتها وتفكر بعدها ماذا ستفعل.. هكذا هي عادتها لا تحمل للعالم مثقال ذرة لا تنظر للغد فليأتي على أقل من المهل..
صعد بدر الدرج يتقدمها وهي تتبعه بأنفاس متقطعة، تقبض كفيها على ثوبها ترفعه قليلا حتى لا تتعثر وتسقط متهشمة العظام وهكذا ينتهي زفافها بأجمل النهايات، فهذا حقا ما ينقصه..
تأففت وهي تهتف بتعب و أنفاس لآهثه:
-لسه كتير؟ أنا تعبت..
رمقها بنظرة جانبيه مع إلتواء ساخر زين ثغره إلتقطته هي رغم الأربع درجات الفاصلة بينهم و وصلها هتافه الساخر:
-إطلعي، إطلعي بلاش دلع.
زفرت تالا بحنق وهي تنظر للأعلى متمتمه بسخط.. وما إن توقف أمام إحدى الشقق حتى تنهدت بإرتياح تلتقط أنفاسها.. بينما قام هو  بفتح الباب ودلف بعدها لشقته المتواضعة.. وما إن أغلق الباب خلفهما حتى أخذت تدور في أرجاء المكان تطالعه بصمت.. حسنا شتان بين منزلها وبين تلك الشقة الصغيرة نوعا ما، بسيطة في ألوانها بسيطة في أثاثها.. أنهت جولتها ودارت بعينيها تبحث عنه لكنه كفص الملح قد ذاب!
شعرت بالهلع لثوان وهي تنظر كالمذعوره يمنة ويسرة حتى طل برأسه من داخل الغرفة القريبة من الباب فتنهدت براحة وهي وتلتقط إشارة كفه ونبرته الخشنة:
-تعالي..
تقدمت نحوه ببطء وما إن دلفت إلى الغرفة حتى طالعتها امرأة مسنه بجسد ممتلئ، جليسة فراش تنظر لها من خلف نظاراتها السميكة.. بينما هو تقدم يجاورها يمسك بكفها متبسما هاتفا بهدوء:
- تالا يا أمي.. مراتي.
ودون سابق إنذار انخرطت المرأة في نوبة بكاء وهي تهتف بعتب:
-كده يا بدر تتجوز من غير ما تقول لأمك ياخسارة تربيتي فيك.
حدقت تالا في وجوم بينما رفع بدر نظره للسقف متنهدا ثم عاد لها بوجه متبسم:
-أنا قولت لك يا حبيبتي قبل كده.. معلش أكيد نسيتي.
ربتت المرأة على كفه بحنان وتابعت بحنو:
-يظهر أن بقيت أنسى أغلب الأوقات يابني.. ماتزعلش مني وألف مبروك يا حبيبي عروستك زي القمر.
إعتدل يقبل جبهتها ثم أشار لعروسه الواجمة حتى الآن حتى تقترب، وما إن اقتربت مدت يدها بتردد بينما كف العجوز كانت أقوى حيث جذبتها لأحضانها تقبل وجنتها بعشرات القبل والأخرى ليس بعدد أقل، تربت على ظهرها تارة وتمسك بخديها تارة أخرى والمسكينة تالا تتبسم بذعر من تلك السيدة ومن تلك القبل المهوله التي لم تتلقاها بعمرها كله..
غادرو الغرفة بعد ما ناولها بدر دوائها لهتفت تالا بتردد:
-أنت مش قولت أن مامتك معانا في نفس البيت!
إستدار لها يرمقها بغضب ورغم ذلك أجابها بهدوء:
-أولاً أسمها مقولتليش ياريت تعدلي لسانك.. ثانياً إحنا إللي معاها في بيتها مش العكس.. أنتِ مسألتيش على تفاصيل يبقى بلاش أسئلة مالهاش لزوم دلوقت.. يلا روحي نامي.
أنهى كلامه مشيراً  بسبابته نحو حجرة أخرى والتي على ما يبدو الأخيرة فلا أثر لاي غرف أخرى.. طالعته بصمت حانق من حديثه الصلف والجاف ثن تحركت تحمل حقيبتها الكبيرة، ثقيلة الوزن تخطو بها إلى الحجرة بلآمبالا حتى وصلتها نبرته القوية:
-هاتي موبايلك..
عادت ببصرها عاقده حاجبيها في عدم فهم فزفر هو هاتفا بقسوه:
-مش المفروض إن السيد الفاضل.. والدك ..هيتصل يطمن على بنته ياترى إيه اللي أخرها برا البيت لنص الليل! والواجب إننا نطمنه ولا إيه؟
رمقته بنظرات أكثر حنق، ماذا يعني بذلك الحديث عديم الذوق.. ومع ذلك أخرجت هاتفها النقال من حقيبتها بصمت لتضعه بغضب فوق السفره الصغيرة الكامنة وسط المكان  واتجهت بعدها لتلك الحجرة صافقه الباب خلفها..
بينما هو أخذ يرخي ربطة عنقه حتى تخلص منها تماماً ثم تبعها بسترته وألقى بهما فوق أقرب مقعد ثم جذب أحد مقاعد تلك السفرة وجلس يفكك أزرار قميصه العلويه حتى يتنفس بحرية أكثر، ممد بعدها ساعديه أمامه ينظر لذاك الباب المصفوق منذ ثوان.. يفكر في تلك المخلوقه والتي مع الأسف منذ سويعات قليلة أصبحت حرمه المصون.. فما أختبره معها خلال الأيام القليلة الماضية يجزم أنها كتلة من الآمبالا والإهمال عديمة العقل لا مجال للتفكير لديها.. فقط تفعل ما يخطر ببالها ولا يهمها العواقب أيا كانت.. وضع قائمة لشروط طويلة عريضة حتى يختبرها ويرى مدى جديتها وإستيعابها لم تقوم به، ومع كل حرف كان ينطق به كانت تهز رأسها بالموافقة حيث أنه أعاد بعض الكلمات عدة مرات حتى تلاحظ أو تعقب على أي أمر، وصل أنه خلط الأمور وتحدث بأحاديث واهيه فقط لتنطق وتعير حديثه أي نوع من الجدية والإهتمام لكن كانت تبدو كمن يفكر في أمر ما حتى يتخلص من ذاك الحديث الممل، والذي بالمناسبة يخص حياتها القادمة.
إلى أي حد تلك الفتاة غبية!
مضت ساعة وتلاها أخرى وهو على نفس جلسته يصارع أفكاره التى قطعها رنين هاتفها.. نظر إليه بقوة يتفحص إسم المتصل والذي دون ب
Dady
hلتقطه وقبل أن يضغط زر الرد سمع صوت باب الغرفة يفتح بسرعة.. تقف داخل إطار الباب تنتظر نتيجة تلك المهاتفه باضطراب..
تجاهل وجودها وأجاب بصوت رخيم حتى أتاه الصوت المتعجب بعد ثوان:
-أنت مين.. وجبت الموبايل ده منين؟
ترك التجاهل وقابلها بعينيه.. ينظر لها بعمق مع إجابته الهادئة:
-بدر زهران.. جوز بنتك.
*   *   *   *   *
" أنت نوعك إيه يا أخي في حد ينزل الشغل في يوم زي ده!"
زعق بها إسلام في وجه بدر ما إن رآه يطأ أرض المشفى منذ بداية الصباح.. ليرد له جملته بهتاف بارد:
-مال الجواز بالشغل مش فاهم.
هز إسلام رأسه في قلة حيلة ثم تسآل بنبرة حادة:
-بدر أنت ناوي على إيه..؟
حرك بدر كتفيه بلآمبالا وقال بصوت رخيم.. متبسم:
-هربيها!
حدق في ذهول رافعاً حاجبيه ضاربا كفوفه ببعض بينما تحرك بدر مبتعدًا دون زيادة حديث.
-دكتور إسلام ..
استدار سريعًا إثر نبرتها الحاده، ملامحها المذعوره تبدو كمن وقع في مأزق للتو.. التهم مايفصل بينهما من خطوات يستشعر أنفاسها اللآهثه هاتفًا بقلق:
-في إيه؟
تفرك كفيها في توتر وتجيب بتلعثم:
-روان بتولد ساعدني أرجوك!
.......
ولج برفقتها لإحدى الغرف ينظر لتلك المدعوه روان، وشاحها غير مهندم وبطنها المنتفخ بقوة بينما كائها يختلط مع أنينها.. اقترب منها متبسما حتى يهدأ ويخفف من خوفها وما ان أمسك رسغها ليطمئن على نبضها دفعت بيده بعيداً  صارخه في الصديقة:
-قولت لك لأ يا لمار أنتِ ما بتفهميش!
اقتربت لمار أكثر تربت على كتفها وتهتف بترجي:
-مافيش دكتورة في الوقت ده مافيش غير دكتور إسلام أودكتور بدر.. علشان خاطري يا روان خليه يطمنا عليك أنتِ تعبانه.
هزت روان رأسها برفض غاضب وازى صياحها ببضع كلمات تسيء للواقف بالجوار..
هل تعرض لسبابٍ الآن!
رفعت لمار له بصرها شاهقه، تعتذر بعينيها عن الحماقه التي تفوهت بها صديقتها لتو.. وهو يبادلها نظراتها بعتب أهذا هو الرد على إعترافه ليلة أمس!
ظن أن اليوم سيكون مختلف وبالفعل هو مختلف لكن ليس الإختلاف الذي تمناه على الإطلاق.. تنهد بيأس وصب كل إهتمامه على مريضته المعقده على ما يبدو.. وبعد ترجي لطيف منه سمحت له بمعاينتها بعد ما إستعصى عليها الألم وزاد عن حد التحمل وكانت نتيجة المعاينة التوجه لغرفة العمليات.. فوراً.
.........
ترجته طويلاً حتى يسمح لها بحضور تلك العملية التي تخص ابنة خالتها ورفيقة طفولتها.. إعترض بهدوء وعادت ترجو وترجو وماذا يفعل المسكين غير الإذعان لتلك العيون الراجيه.. بدلت ملابسها بأخرى مناسبة، وقفت جوار روان تمسك بكفها تدعمها رغم غيابها عن عالمهم  بفعل المخدر وما إن بدأ خطواته برتابه وإعتياد حين راقبت النصل الحاد يشق بطنها والدماء تنبثق منه حتى داهمها قسراً دوار طفيف.. ليحرك رأسه ممتعضا، ماذا لو سمعت لرفضه من البداية وبإشارة منه كانت خارج الغرفه.
لا تعلم كم مر من الوقت وهي تنتظر حتى أنتهى أخيراً.. يخلع ذاك الغطاء الأبيض من فوق رأسه، يتقدم إليها ببطء.. وقفت على الفور تسأله سريعا:
-طمني أخبارها إيه؟
أجاب بخفوت:
-ماتقلقيش هي بخير بس..
صمتت وعيناها تلتقط تردده ليتابع بعد برهه:
-واحدة من البيبي دخلت الحضانه وحالتها صعبة شوية..
ثم تابع بصوت أجش وملامح متغضنه:
-واضح جداً أنها تعرضت للضرب!
حركت لمار رأسها بغضب وعبراتها تلتمع في قهر لتهمس بحنق:
-جوزها.. منه لله.
هتف إسلام بخشونه وإقرار:
-لازم تعمل محضر..
جلست على المقعد دون تعقيب فهي أكثر من يعلم أن روان من المحال أن تفعلها.
*   *   *   *   *
ترقد فوق فراش أبيض تنظر نحو النافذة، تطالع السماء الصافية عند بعد، رغم الألم القوي الذي تشعر به أسفل بطنها والذي بدى الآن لا شيء مقابل ألم روحها.. نعم  فألم  الجسد مهما طال أثر حتما سيزول.. لكنها تعاني من ذاك الوجع الذي يمس الكرامة والنفس ليذهب بعدها  بريق الروح.. إلى أي مدى ستتصدع روحك يا ابنة الزيان؟ بأي حق تهدرين حقك كامرأة، إلى متى ستتحملين روحك الباردة والتي باتت موجعة، موجعة حد تمزق الوتين..
لم تكن علاقتها بأمها قوية يوماً بل عادية للغاية بل أقل من العادية فهي لم تلحظ ولو لمرة ذلك الحزن الذي يسكن عيناها ولا روحها المريضة، كأنما المرض يسكن الجسد فقط فهناك أوجاع تفوق وجع الجسد بمراحل حيث لا دواء لها.. شقيقتها الكبرى زوجها وبيتها لم يتركا لها وقتا حتى لمار أصبح فرص اللقاء بها تكاد تكون نادرة تتعمق في عملها حتى باتت لا تغادره والزوج أبعد ما يكون عنها، لا أحد حولها لا أحد يشعر بها..
شردت نحو البعيد.. ما قبل ساعات طويلة حين قررت زيارة "السيدة إيمان" جارتها الطيبة التي تحتويها وتضمها دون حتى أن تطلب، منذ أول زيارة لها حين ضمتها على حين غره إستشعرت الدفء بين أحضانها.. حضن غريب ترمي ما تشعر به داخله لتعود بعدها لحال أفضل، تعددت الزيارات وكثرة الأحضان وكل مرة قبل الإفتراق تربت على يدها بحنو وتبتسم، تخبرها أن هناك غد أفضل هناك آخر مشرق ينتظرها وحين غابت عنها تلك الحنون لعدة أيام متتاليةٍ شعرت بالقلق وقررت الإطمئنان عليها وما إن دقت بابها حتى فتح لها إبنها الشاب الجامعي..
تعرفت عليه من قبل  في إحدى الزيارات صادفته أثناء رحيلها والذي بالصدفة أيضا يسمى "عمر" لاتنسى ضحكتها الساخره آنذاك التي خرجت رغما عنها وكأن ذاك العمر سيظل يلاحقها إن لم يكن بخيالها وأحلامها سيكون بإسمه الذي يجلب ذكراه.. كما لم تنسى أيضا النظرة الذي رمقها بها ذاك الشاب بسبب سخريتها الغير مقصودة..
توترت من مظهره فقد كان قميصه مفتوح لآخره عاري الصدر ، يبدو أنه كان ينوي تبديل ملابسه وهي قررت مقاطعته..  دارت برأسها بعيدا وسألت في حرج:
-أنا كنت جاية أطمن على الست إيمان..
ليجيب بأسى :
-ماما في المستشفى تعبانة شوية وأنا جيت أغير هدومي وأخد شوية حاجات تلزمها وراجع لها.
حزنت لأجلها وأخذت تسأل عن حالها وقبل أن تصلها آخر الإجابات من الشاب كانت أصابعه تنغرس في لحم ذراعها وتجرها للأعلى نحو الدرج بغضب وشتائم لا تعيها بسبب ذعرها وقتها.. كل ما تتذكره أن زوجها قام بسب ابن الجارة بلفظ قمئ ومن ثم سحبها خلفه كمن يجر البهائم غير آبه لبطنها المتكور الضخم ولا الضرر الملحق بها.. وما إن دلف بها حتى ألقى بها للداخل تمسكت بأحد المقاعد بأعجوبه قبل أن تسقط أرضا بينما صراخه يشق الجدران:
-واقفه مع راجل غريب قدام باب بيته تعملي إيييييييه..؟!
وقبل أن تجيب كانت الصفعة لفحت وجنتها بقوة حتى سقطت على الأرض وهي تتمسك ببطنها تحمي صغيرتيها من بطش أبيهم، صرخت.. وضحت.. عله يفهم لكن لاحياة للثور الهائح، هبط لمستواها، جذبها من شعرها بقوة يهزها بعنف حتى تألمت والصفعة أصبحت إثنان وثلاث وهي تصرخ وتترجى أن يتركها وهو فقط يزعق و يصرخ عاليا بقلة إحترامها كامرأة وأن والدته كانت محقه بشأن عدم تهذيبها وبعد ما أخرج شحنة غضبه تركها كما هي على الأرض تتأوه بعذاب وتشهق ببكاء لم تتذوقه يوما وتتمنى لو فقط تعود الأيام للخلف حتى تمحي صورة هذا الكائن من حياتها للأبد ولو كان فيها موتها..
بعد دقائق تعالى صوت الجرس،نهضت بتثاقل وما إن فتحته حتى قابلتها لمار أمامها متبسمة تحمل بين يديها مثلجاتهم المفضلة معا، تعتذر عن غياب طال وترشوها لتحصل على الصلح.. لكن ما إن طالعتها حتى ألقت بهم أرضا واقتربت منها تضمها وهي فقط تنتحب وتشهق بمرارة حتى تحولت شهقاتها لصراخات ألم لم تستطع تحمله وما كان من لمار غير أنها أتت بها للمشفى على الفور..
و وضعت طفلتيها..
وما إن عاد وعيها حتى رأت والدتها وأختها ورامي حبيب قلبها جميعهم حولها يهنئون بقدوم طفلتين رائعتين وللعجب لم يلحظ أيا منهم ما بها الكل يظن أنها توابع ما بعد القيصرية وحدها لمار ترمقها بغضب تنتظر إشارة منها حتى تنفجر في وجه الجميع وأولهم زوجها الحقير الذي تكرم و جاء بعد ساعات طويلة وما إن علم بنوعية المواليد تمتم بشتائم لا تليق أبداً برجل من المفروض أنه أصبح أبا.. يتهمها بالفشل حتى في إنجاب الذكور كما تفشل في أي شئ بحياتها ووالدتها المسكينة تهدئ فيه وتحثه على إخفاض صوته فجو المشفى غير مناسب لتلك الأحاديث وتستعطفه حتى يراعي ظروف زوجته التي لم تنبس بحرف بسبب ألمها وقلقها على طفلتها المحتجزه فما كان منه غير أنه خرج متأففا ساخطا على حظه العثر..
وهاهو يومها الثالث في المشفى حالة من السكون تعيشها لا دموع ولا حديث يترجم ما بداخلها..
لم تحادث أحد ولم تسأل على طفلتها المريضة ولا ضمت الأخرى ولو مرة واحدة، تركتها لأختها المتلهفه للأمومة  تعتني بها لحين تشفى هي من إكتئاب ما بعد الولادة، هكذا طمئنهم الطبيب بأنها حالات واردة وطبيعية فقط عدة أيام بالمشفى وستعود كما قبل بل وأفضل.
*   *   *   *   *
جاورته داخل السيارة بتأفف وهي تعدل من وضع سترتها وتهتف بغيظ :
-إيه مافيش صبر.. إهدى شوية يا أخي.
ضغط على مزود السرعة وهو يغمغم بحنق:
-ساعتين تلبسي حاجه تقرف.. وبعدين أنا كنت رايح لوحدي أنتِ مسكتي فيا زي العيال.
هزت رأسها بملل ثم قالت:
-مش لو رحنا البيت أحسن.. في حد يبارك لحد على جوازه في مستشفى!
أجاب ببساطة:
-كلمته وقال أنه في المستشفى ولسه شوية على ما يمشي .. المهم مشوار ونخلص منه علشان مايمسكش علينا ذله.. أنتِ عارفه بدر قلبه إسود قوي ومش بيسامح بسهولة.
نعم هو لا يسامح القريبين منه بسهولة لكن لا مكان للسواد بقلبه فهو يحمل قلبا أبيض من الثلج.. منذ أن علمت بخبر زواجه من أخيها شعرت بوغز داخل قلبها لا تعلم له سببا بل تعجبت لعدم سعادتها..
ظنت أن يوم يزف لها ذلك الخبر ستصفق بسعادة كما فعلت مع أخيها من قبل.. لكنها لا تدري ربما يعود السبب لطريقة التي علمت بها في سط موجة المزاح الثقيل بين أخويها حين تبادلو كلمات تخص زواج بدر من طبيبة تدعى تالا لتشعرت بضيق غريب يجتاحها وإختلت بنفسها وهي تعقد العزم لمقابلته يكفي فقد مضى عدة أيام وهي تحاول كل يوم أن تهاتفه لكن دون فائده والآن  ستذهب إليه تقدم إعتذارها ولن تتركه قبل أن يسامحها بصفاء قلب وبعدها يمكنها أن تقدم مباركتها لزفافه والتمنى له بالسعادة..
أجفلت على صوت باسل القوي:
-هااااي.. ردي على موبايلك صدعني، ساعة يرن وأنتِ ولا هنا.
تنبهت لصوت هاتفها فتناولته سريعا وهي تهتف باسم المتصل:
-دي فرحة..
للحظة إهتزت حدقتيه وهو يرهف السمع مع شقيقته عل صوتها يطرق مسامعه أو حتى يكون أكثر حظا وتطلب ببساطة محادثته..
خابت آماله حين سمع ساندي تنهي المهاتفه..  تنهد في إحباط وساد السكون والصمت المكان و لكل منهم موال يغنيه..
حتى وصلا وجهتم وترجلوا من السيارة.. أمسك بكف شقيقته يعبر بها الرصيف ليوقفهم في منتصف الطريق شجار قائم بين أحد السائقين وآخر.. وقف يتأفف من الزحام الذي يعيقه من المرور لطرف الآخر حتى يصل للمشفى.. رفع ذراعه بعفوية يحيط كتف ساندي، يضمها إليه حتى لا تلامس جسد ذاك المتطفل الذي يتقدم أكثر وأكثر حتى يسمع سبب الشجار القائم .. وبين حركات رأسه من اليمين للشمال بحثاً عن أي منفذ تسمر مكانه وللحظة تصلبت شرايينه أثناء وقوع بصره عليها تجلس في إحدى سيارات الأجرة وبدورها تحدق فيه.. وبشدة
تلك البريئة التي أنقذها يومًا من بين براثن الأمواج الغادرة، تغنى لها بعدها أمام الجميع ومن ثم تركها مغروقة العينين فوق الشاطئ تبكي عشقها المفقود.

دوامة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن