(29)
عشق باقتشريح جثة الحب
وتشويه البقايا
فلا تفعل..
ولن أفعل
بدأنا الحكاية
قبل الفراق
أنقياء
فلننه الحكاية
بعدالفراق
عظماء
تمضي بنا الأيام والسنون ؛ تأرجحنا تاره وتعود تسقط بنا تاره ، نضحك ..نبكي..نتألم ونشتاق .. نفارق البعض ونعود نلتقي بهم ؛ فندرك حينها كم هو صغير ذاك العالم المحيط بنا ؛ وحينها فقط نشعر ان الأيام لم تمر لم نتغير ونتبدل ، بل عاد بنا الزمن حيث توقفت النبضات وتآلفت ؛ حين تركنا أرواحنا هناك معلقه وغادرناها مرغمين ؛ فدارت بنا دوامات الحياة وعادت حيث نقطة البداية ..حيث لقاء مقل حائرة ؛ وقلوب نابضه بوله غشاه الألم ..حيث هي وهو وتعارف لم يكن في الحسبان:
-غزل
تزوجت ! وتلك الصغيرة هي إبنتك أليس كذلك ؟! وجدت من تنسيك ذاك العشق الذي لطالما تفوهت به حتى ظننت أنه باقي حتى أبد الدهر !
كل تلك أسئلة وأكثر كان يجيش بها صدرها وأكثر ؛تصرخ بها داخليا وقبل اللفظ تموت وتعدم فلا يخرج منها حرفا ، بينما مقلتيها معلقتين بالصغيرة في إنشداه ؛ وحين همست؛ قالتها بتيه وفقط:
-بنتك !
تقطيبة جبين وازت رأسة الملتفة قليلا ؛ يطالع الصغيرة المحمولة بين ذراعيه ؛ وقبل أن ينطق هو ؛ خرج الجواب من الصغيره نفسها ..
والجواب تمثل في زمجرة وذراعين ممدودين بإشارة حيث أحدهم يقترب من الخلف وهمسة "بابا " تخصه
وبابا كان يراقب المشهد على بعد خطوات قليله بإنشداه هو الآخر ؛ قطعته صغيرته المدلله بزمجرتها المعتادة حين رأته ..واقتراب يوازي حملها ونظرات متوجسه بين أخيه وبينها ..والنبرة مع المصافحه السريعة كانت تخصه تلك المرة:
-دكتور لمار ..إزيك ؟
إقتحامه وتلهف الصغيرة له ؛ منادته ونعته بأبوه تخصه قطع عنها شرودها وأسئلتها الصاخبه ، بالإضافه لذاك الشبه الكبير بينهما والغير ملحوظ بالنسبه لها إلا الآن..ورغم ذلك إستعادت رزانتها بمهارة عاليه والرد بإبتسامة هادئة :
-الحمد لله يا كابتن بخير..
والبسمة التالية خصت بها الصغيرة مع مداعبة سريعة لأرنبة أنفها الصغير ؛ فتبسمت لها بدورها :
-جميله قوي ماشاء الله..ربنا يحميها
طالع باسل طفلته ذات العامين مبادلاً إياهم ببسمه هادئه ونظرة عادت وحطت فوق الصغيرة الأخرى داخل العربه ؛ وسؤال مشابه خرج منه وربما كان يثير حيرة الصامت الآخر:
-دي بنتك ؟!
سخرت مع حالها فالموقف المحرج يستدعي للجميع التغافل عن مفارقة الأعمار ومع ذلك سرعان ما نفت بهزة رأس هادئه وهمهمه خفيضه:
-تاليا بنت روان ..بنت خالتي
أبعدت خصلة شارده وقعت فوق أهدابها ؛ وأردفت بهمس بعدما تركت عينيها الصغيرة وصوبتهما نحوه :
-جات للدنيا على إيدين دكتور إسلام
ودكتور إسلام يكسر صمته ويتقدم خطوة ؛ يداعب بآنامله رأس الصغيرة ويطبع قبله صغيرة فوقها ..مغمغمًا بنبرة أجشه:
-ماشاء الله كبرت ..
وإيماءة صامتة كانت ردها وقبل أن يعود لموضعه ويخيم الصمت الحائر من جديد ..كانتا قد عادتا الفتاتين ولم يكن هناك داعي لتعارف جديد ؛ فجميعهم على معرفه سابقه ؛ واكتفت "لارا" بنظرات ساخطه لكلاهما بينما "روان" همهمت بتحية خفيضه مع إيمائة راس هادئه ؛ وعقبها هممن برحيل سريع تحت أنظارهما وجمل وداع مقتضبه.
...........
داخل عربة الأجرة ؛ يجلسن ثلاثتهم في الخلف وحليفهم الصمت ..عائدة برأسها للوراء ؛ تداعبها نسائم الهواء البارده الممزوجه برائحة البحر ؛ تسحبها لرئتيها بقوة ثم تعود تطلقها ببطء ؛ لعل برودتها تمتزج بما داخلها من حرارة فتهدأها ولو قليلا ، كم كانو صادقين حين قالو أن الدنيا صغيرة بل هي صغيرة درجة لم تكن لتتخيلها يوما ، بعد كل ما حدث وكان ، تأتي وتصطدم به عبر المصادفه ، تلتقي بعينيه وتشتم رائحته من جديد ؛ ربااه ! الم يئن للجراح أن تندمل بعد ؟ تركت مشفاه منذ زمن وإبتعدت عنه وعن ذكراه للأبد .. لماذا إذن كلما تناسيته يزور أحلامي وحين أتعمد نسيانه ألقاه بعيني ؟!..
إنحدرت دمعه يتيمه فوق وجنتها فقطعتها بقسوة ..
" لا لن تبكي يا حمقاء ؛ لا يجدر بك ذلك ! لقد تخلى عنك في أكثر أوقاتك حاجه له ؛ يتغنى بعشق ثم يتخذ من الهجر مسلكا "
وتعود النفس تحط فوق مرفأ المبررات وربما حتى ترضها كعادتها
"وماذا كنت تنتظرين غير الهجر ! كاد أن يخسر أخيه وأبيك ومن معه السبب بشكل أو بآخر كان سبب لما حدث معه.. وأنت لم تعودي الطبيبة إبنة المهندس بل كنية" المجرم "أصبحت تسبق إسمك .. من يرضى بك من الأساس حتى تنتظرين منه ذلك ؟!"
تبسمت ساخرة لكم خطاب قصدو باب منزلهم المتواضع وما إن يكشف المستور حتى يفرو هاربين ولا ترى بعدهم حتى ظلهم ..لكن والحق يقال هناك من ينتظر إشارة منها "صلاح " صاحب محل الأحذية المجاور لمسكنهم ؛ ورغم أنه متزوج بالفعل إلا أنه مازال يعرض خدماته وبسخاء ؛ يطمح لإنجاب ولدا يحمل إسمه ويرث ما يملك ؛ فزوجته عاقر وهو يبحث عن اخرى تمنح له ما يريد ولم يجد أفضل منها رغم معرفته بقضية أبيها والذي مازال بين جدران السجن ..أبيها الذي زاره المرض ذات يوم وطلب رؤيتها على وجه الخصوص ولم تكن لترفض ؛ ذهبت مرة وإثنان وثلات حتى أصبحت زياراتها كل إسبوعين بشكل دوري بعد ما ساءت حالته أكثر وإشتد عليه المرض..تجلس بقربه ؛ تقص أخبار والدتها وأختها اللتان ترفضان زيارته ولو لمرة واحده وهو أصبح يكتفي بأخبارهم منها ولا يطمح بأكثر؛ تطعمه بيدها و تطمئنه على حالها ؛ يتبسم لها بإنكسار ونظرة أسف أصبحت تلازمه كلما زارته ؛ يعتذر عن مستقبل أراده أفضل وظن بكثرة المال سيزدهر ويعلو قدرة ؛ طمع لا ينكر وكانت النهاية قاسية بقدر ما كان يفعل ويغفل عن فظاعته ..وما يكون منها غير أن تتبسم له في النهاية ؛ ثم تودعه بقبله حانيه فوق الجبين وعلى الخدين قبل أن يعود لمحبسه على وعد باللقاء قريب ..وغدًا هو اللقاء القريب .
.........
تحركا بدورهم ؛ يجاور أخية داخل سيارته وفوق ساقيه تقبع غزل الصغيرة ..عاد من غربته منذ إسبوع فقط بعد غياب عامين كاملين ؛ إكتفى فيهم بزياراتهم له كل حين وآخر ، ومؤخرا بات الجميع يطالبون بعودته ؛ حتى الجده الحنون تهاتفه وتبكي تريد رؤيته قبل أن يأخذ الله أمانته ، وبدوره كان قد مل الغربه وأكتفى منها فحزم حقائبه وعاد تاركا قرار العوده لها من جديد لبعد حين ..عاد حيث أحبته جميعهم من حوله ؛ حيث مشفاه وإستقبال حار من زملاء وموظفين حتى مرضاه لم ينسوه ؛ عاد ومازالت ذكراها تفوح في الأرجاء رغم غيابها ؛ فهنا كانت تسير دائما وهنا كانت جلستها المفضله مع قدح قهوتها ؛ وهناك كانت تلتقي بصغارها مع بسمتها الحانيه ..عاد بجسد وعقل شارد على الدوام ؛ ليجد قلبه مازال معلقا بها يتيه ويبحث عن طيفها ؛ وصادفها اليوم ليجده باق على عهد عشقه ...
وذاك الذي يجاوره كان يراقب ملامحه المتقلبه ..متغضه ..ثم ساخره..وأخيرا شارده كعادته التي أصبحت تلازمه منذ زمن ليس ببعيد ، كانت رأسه تتحرك تباعا له والطريق ؛ وعلى مايبدو لم يكن شاردا لدرجة لم يلحظ حركات أخيه المغيظه ؛ فزعق عنوه حتى أجفله :
-في إيه يا بني ؛ روشتني ، ما تركز في أم الطريق قدامك.. وبلاش ترغي أنا أصلا مصدع
رفع حاجبيه معترضا بتهكم هاتفا بدوره :
-وأنا إتكلمت ولا فتحت بوئي
وزفرة كبيرة من كلايهما دون تحديث بعدها حتى ترجلا من السيارة ..تقدم هو أولا بالطفله النائمه تركها بين ذراعي والدتها برفق وكان الآخر يتبعه حاملا ما إبتاعه ؛ تاركا إياهم بين يدي الخادمه متقدما بدوره حيث الجميع وسط الردهه ...تقدم إسلام مقبلا كف الجده المتغضن بحكم السنين هامسها بشقاوة:
-وحشتيني يا طمطم
ربتت على رأسه هامسه له بدورها:
-ربنا ما يحرمني منك ياقلب طمطم
إنضم بعدها لأبيه وعمه الجالسان جانبا منغمسان بحديث شيق..بينما تقدم الآخر يقترب من المشهد الأكثر تكرار منذ ان تزوجت .. متربعه الساقين بملابس بيتيه مريحه فوق الأريكه بين كفيها حزمة محارم ورقيه بينما عينيها ووجنيها ومعهم أنفها جميعهم صبغو بالأحمر ..وذلك يعني شئ واحد ؛ أخته المصون قد تشاجرت مع زوجها المبجل ..
إرتمى فوق مقعد مجاور مغمغما بملل:
-عملتي إيه تاني في الراجل يا فوزيه ؟!
رمقته شذرا ولم تجيبه إكتفت بولادة عبرات جديده ..فتقدمت فرحة منه ؛ بعد ما تركت الصغيرة بغرفتها ؛ جلست فوق ذراع المقعد خاصته ؛ تجاوره وتلكزه برفق معنفه إياه بزمجرة:
-إستنى بس يا باسل ده الموضوع شكله كبير المرة دي ؟!
حركت ساندي رأسها تؤكد حديثها ..وكان إسلام قد عاد إنضم لهم من جديد حين هتف:
-إيه ده في إيه ؟ مالك ياسو
وسو أخير تفضي ما في جعبتها بنهنه ونشيج خافت:
-تخيلو ؛ تخيلو واحد من أصدقاء البرنامج قالي إنتي جميله قوي يا ساندي وبما إنه من الفانز وكده رديت بحسن نيه إنت أجمل يا محمد ..البيه بقى عملها مشكله من مافيش ومكبر الموضوع من إمبارح ؛ خنقني يا إسلام فسبت له البيت وقولت له في مسج رايحه عند ماما أريح أعصابي يومين ؛ وبقالي عشر ساعات أهوه وتخيل ماكلمنيش ولامرة!
حك إسلام مؤخرة رأسه في تفكير مغمغما:
-لكن ما طلبش أنك تسيبي البرنامج صح ؟!
كاد محجر عينيها ان يلفظ بؤبؤها خارجا وهي تزعق:
- و هو يقدر !
-دلع بنات ماسخ!
كانت النبرة تخص الجده الممتعضه بشفتيها و هنا تدخل تؤمها زاعقا بها بنفاذ صبر:
-يعني غلطانه وبجحه كمان ..ده الراجل كتر خيره إن لسه باقي عليكي بعد كل عمايلك دي ..وأكيد طبعا لسانك حدف كام شتيمه من بتوعك لزوم القنعره الكدابه اللي عايشه فيها ..ده انتي لو مراتي كنت طلقتك بالثلث يا شيخه
أجهشت في نوبة بكاء عنيفه بعد ما إرتمت بأحضان والدتها ؛ والتي وبخته بدورها قائله:
-بدال ما تقف في صف أختك ؛ حبيبتك وتنصفها جاي عليها !
وأخذت تربت وتهدئ فيها فنهض هو بعاصفه حانقه مخبرا اياهم قبل أن يصعد ويتركهم فكل ذلك يزيد غضبه وحنقه :
-أختي محتاجه تأخد على دماغها ؛ كل إسبوع بحوار شكل دي حاجه تشل
رفعت رأسها لوالدتها بضيق ؛ هامسه:
-مهيب هايطلقني بجد يا ماما !
-ولا يقدر يعملها يا سو إهدي إنتي بس يا حبيبتي
عادت الجده تمصمص شفتيها بإمتعاض بين ؛ بينما رمقهم إسلام بعدم رضا ثم إستل هاتفه ، مخبرا إياها بصرامه:
-هكلمه أعزمه على الغداء بكره بس قبل ما يجي لنا قعدة طويله مع بعض
وافقته بإمائه صامته ..فهي رغم كل شئ تحبه ؛ يكفي أنه يتحمل مزاجها المتقلب وشخصيتها القياديه معه ؛ يأتي على حاله كثيرا لا تنكر يعشقها ويهيم بها مثلها تماما ؛ لكن لو فقط لا يفقد كلاهما صبرهما في كل مشاجره لهما لما كانت تبيت بين أحضان والدتها أكثر من أحضانه .
* * * * *
والبيت المصري له طقوس ؛كرائحة فلافل مقليه كل صباح أو صوت الست يصدح من الشرفات ؛ وربما وجدناه في نبرات أم حنون تيقظ أبناها بتمهل حتى يلحقو بيومهم الدراسي ، وتفاصيل كثيرة تخص الصباح وأكثر منها يخص المساء ..مساء تم ضبطه وبرمجته منذ شهور طويله فباتت طقوس لا شر منها !
والشر هنا يتمثل في زرقة عينيها المشتعله بغيظ وغضب ؛ هل ملت ؟! لا أبدا فالملل بالنسبه لمن في وضعها يعد رفاهية ..فقدت جارتها الحنون حينما إنتقلوا من حيهم المتواضع ذاك وقطنو في هذا الراقي ، بعد ما حول شقتهم القديمة لعيادة خاصه ؛ يذهب لها يومي الخميس والجمعه ؛ يقدم خدماته بسخاء لأهل حارته وجيرانه ؛ مقابل أسعار رمزيه ؛ وباقي أيامه على عهده داخل المشفى ..وعن المساء المفترض أنه خاصتها لكن مساءها حدث ولا حرج ؛ تمثل في فيلمه الأثير " أمير الدهاء " مع عشاء مفتخر يسد به جوعه طيلة نهاره ؛ وعقب عن ذلك "كرش"يبرز دون خجل بينما يهدد بالإنضباط وإطلاق صافرات الإنذار وإلا سيتحول الوضع لكوارث ؛ وبعد ذلك يأتي دور قدح الشاي الثقيل ؛ ومداعبة مع مزاح للصغير قليلا قبل أن يغفو ؛ وقبل نهاية الفيلم بعشر ثوان يكون قد رحل بدوره لعالم الآحلام وإنتهى ..وتظل هي كحالها كل ليله ترتكزبوجنتها على كفها المكور ؛ وحيده ؛ بصحبتها الملل وفقط لا جليس ولا ونيس ..
وعلى ما يبدو غضبها تفاقم الليلة ؛وربما أختها من زادت من وساوسها بعد زيارتها اليوم ، فهي تأتي لزيارتها كل حين ، نعم تشوب علاقتهما بعض المناوشات الدائمه لكنها أصبحت على الأقل ترتقي للقب أختها ؛ خاصتا بعد زيارة والدها لها بعد ما وضعت صغيرها بأيام ؛ أتى لها محملا بالهدايا ؛ باق على غضبه وسخطه لكن يكفيها أنه قرر مد جسر تواصل بينهما ؛ فتزوره هي حين يكون موجودا وتتلقى منه المهاتفات الدائمة ؛ ومع أمها نفس الحال ، حادثة إختفائها ربما كان لها الأثر الطيب عليهما فبات كلاهما يسأل عنها وإن كان عبر الهاتف ؛ يكفي أن تشعر بوجودهما في الحياة ..وعودة لحاضرها الممل ..زعقت فيه قبل أن يتخذ من النوم موضعا:
-وبعدين بقى إقفل الزفت ده وبص لي !
زفر بحنق وضغط على زر الأغلاق حتى يخرس التلفاز علها ترتاح وتهدأ ، إعتدل في جلسته حتى واجهها بعيون ناعسه ، مشبكا أصابعه بنفاذ صبر:
-أفندم..قفلنا الزفت.. إتفضلي
إنفعلت بدورها فنهضت بعاصفه ؛ صارخه:
-زهقت وإتخنقت ؛ عاوزه أخرج أشم هواء أشتغل أعمل أي حاجه
قست نظراته وهو ينهض بدوره يقابلها في وقفتها:
-حكاية الكوافير دي يا تالا قولتلك ألفمرةإمحيها من دماغك ؛ عاوزه تشتغلي إنزلي المستشفى وانا متكفل بتدريبك غير كده إنسي
وتعود بنفس الجواب من بين ضروسها:
-مش بطيق المستشفيات ولا جو العيانين طول الوقت ، فيها أما أشتغل الحاجه اللي بحبها بدل قعدتي دي ..يعني هي كل الناس بتشتغل بشهاداتها ؟!
والزعقه من نصيبه:
-بصي بقى ومن الآخر موضوع الكوافير ده في كفة وطلاقك في كفه ..وعقلك في راسك يابنت الناس تعرفي خلاصك
-كل حاجه أوامر حاجه تقررررف!
والعيون توحشت:
-ماتزعقييييش
وصرختها مدويه:
-مابزعقش
وآخر تحذير:
-صوتك مايعلاش ..نهائي
وبعد نظرة عينيه آن لها أن تتقهقر للخلف وتصمت للأبد بأنفاس لآهثه ؛ ونجدتها كان صوت الصغير الصارخ ؛ بعد ما إستيقظ بعد وصلة الصرآخ الليلية بين أبويه ، تتمنى الفرار من أمامه في لحظتها ، لكنه كان يعترض طريقها بجسده وملامحه القاتمه ، وأخيرا قرر إنهاء الموقف حين تحرك ؛ نحو غرفة أخرى ؛ غرفة تخص البيات في الليالي المشابه ؛ يلجأ إليها المتضرر منهما معلنا بذلك بدأ جولة النكد والخصام ؛ ولا يعود لغرفتهما معا ويرتجع عن قراره ؛ إلا إذا قدم الطرف الآخر فروض الإسترضاء ..وتلك المرة حسب حالة ضمن المتضرريين ، وحين يكون هو.. هنا تكمن المعضلة .
* * * * *
"ما ذنبها ؟! "
والسؤال لم يكن من أحدهم شاخص أمامه بل هو سؤال الليلة وكل ليلة ؛ والسائل حجرات قلبه المهجورة ..؛ ما ذنبها ؟! والجواب لا يتغير ..لا ذنب لها .
خدعت في أبيها ؛ وخدعت بعشق زائف من ثم جار عليها هو من جديد ؛ إبتعد دونما أن يخبرها حتى ؛ لكن ماذا كان يبتغي عليه فعله ؟ فقد قطعت كافة الخيوط من بين أصابعه ولم يعد يملك غير مكنونات عشق يختزنها داخل قلبه خلسه؛ لم يكن ليتقدم ويمضي قدما ومن خلفه كان أخيه قد قدم وضحى في لحظات بحياته لأجل خاطره..ولم يكن ليجد غير الهجر سبيلا ؛ ينفي حاله أم قلبه لا يهم ، فقط حتى تتوازن الأمور ويتمكن من رؤية الصورة واضحه دون غشاوة ...ولكن رغم البعد وتوهم النسيان ؛ والمضي قدما ؛ ما كان يخافه بمجرد عودته صادفه ؛ وبعد رؤيتها عادت الصورة تهتز أمام ناظريه من جديد ؛ عادت نبضاته تفقد سيطرتها ؛ويختل توازنها..ببساطة ؛عاد كما كان ..
وإقتحام مفاجيء يقطع عنه شروده من جديد ؛ بهتاف مزعج:
-إيه ده ..إنت قاعد لوحدك هنا ليه ؟
-عادي رجعت من الشغل تعبان شوية فطلعت على طول
تبسم له بخفوت وتقدم بخطواته حتى جاوره جالساعلى الفراش ؛ مواليا له ظهره ؛ فتابع الآخر ؛ الشبه مدد:
-عاوز تقول حاجه؟
إلتف له براسه ؛ يطالعه بصمت ويهمهم بخفوت:
-عرفت إن ..عز الدين مات في السجن
ولم يدرك إن كان سؤالا أم إقرارا يقدمه له أخيه ؛ لذا أكتفى بغمغمه خفيضه مختصرة:
-عرفت؛ بس ما عرفتش تفاصيل .. مات إزاي؟
-من فترة إكتشفو إنه مصاب بفيرس سي وفي مراحل متأخره ومع حياة السجن طبعا ماكنش هيطول ..ومات إمبارح الصبح
همهم بخفوت فصمت الآخر بدوره ؛ تتشابك أصابع كفيه ؛كأنما يبحث عن طرف خيط ليبدأ به الحديث ،لا يعلم هل الخوض في ذلك الحديث هو من الصواب أم هو فقط دعوة لفتح جراح لم تندمل بعد ولا تنتوي على مايبدو:
-أنا وقت ما قربت منها ؛ أقصد لما طلبوا مني كده ؛ كان عندي غضب وسخط عليهم كلهم وحبيت لعبت الإنتقام وإن كده هأذي حد فيهم حتى لو كان واحد بس ؛مافكرتش في الغلط والصح ، لكن عمري ما تعديت حدودي معاها بكلمه او لمسة ؛ يمكن علشان كنت دايما حاسس إن لابس توب الكذاب والمخادع ، هي ما كنتش شبه أبوها فكنت كل ما أقرب خطوة أرجع خطوتين ، وفي أول فرصة بعدت وماقربتش تاني..هي كانت بريئة وصادقة لأبعد حد سلمت لي مفتاح قلبها بسهولة بس أنا ماسكنتوش سبته مفتوح ومشيت ؛ مشيت علشان تيجي إنت ؛ تسكن وتداوي وتقفله من تاني بس وإنت جواه ...عينيك وعينيها فضحو إللي مستخبي جواكم لما إتقابلتو
وبعد كل ما أرغى وأزبد فيه خرجت نبرة إسلام بإستسلام واهن:
-ماتلومش نفسك يا باسل انا عارف ومصدق كل كلامك ..وبالنسبة لحدوتي معاها دي مش مكتوب لها تكمل من البداية وانا خلاص نسيتها
تبسم ساخرا ومازال على وضعه ؛ ثم هتف دون أن يواجهه:
-وطالما نسيتها ماتجوزتش ليه لحد دلوقتي ؛ مش عاوز يكون ليك بيت وولاد ..ولا ناوي تبقى مراد تاني ؟!
إعتدل بغته يعدل من وضعه حتى أصبح يجاوره ويماثله في جلسته فوق طرف الفراش ؛ مقضبا ما بين حاجبيه ؛ زافرا ببطء ومخبرا إياه بإيجاز:
-وقت ما الآقي البنت المناسبه وأحس إن هي دي اللي حقدر أكمل معاها أكيد مش هفكر مرتين..
رفع رأسه ينظر له ويهمس بهمهمه حائرة:
-مش حتلاقي ؛ طالما ده لسه بيدق ليها يبقى مش هتشوف غيرها
انهى جملته وسبابته تشير لنابض ذاك الذي يجاوره ؛ رمقه إسلام بصمت ثم سأله بخفوت زاويا ما بين حاجبيه من جديد:
-والمفروض نعمل إيه علشان يبطل يدق !
ضحك وأجاب بنبرة مرحة تناسبه:
-العشق عندنا عامل زي اللعنه بالظبط يصيبنا وما فيش منه شفا ..يابني إحنا عيلة حبيبه بطبعها
إفترق ثغره بضحكة خافته بعد كلماته ؛ فرمقه الآخر بتأمل للحظات ، قبل أن يربت على ساقة بحنو ؛ مغمغما بهدوء وجدية لا تناسب مزاحه منذ قليل:
-جايز الوقت مش مناسب لكلامنا ده بس هي تعبت كتير وإتظلمت معانا إحنا الإتنين أكتر ..وأكيد محتاجه حد يكون معاها ؛ سند بعد ما إتكسرت ولسه بتتكسر ، محتاجه لك إنت أكتر من أي حد تاني خصوصا في الأوقات الصعبة اللي بتمر بيها حاليا ...لو شايف نفسك تقدر تكمل المشوار ده ماتترددش وحتلاقيني أول واحد بيساندك ويدعمك في قرارك ده .
أنهى كلماته ببسمه هادئه وربته أخيرة وغادر بعدها بهدوء بعد ما أثار بكلماته زوبعته من جديد ؛ فأصبحت عاصفته الآن أكثر هياجا وأشد ضراوة .
* * * * *
يتصارع العقل مع القلب ؛ فتضيع بينهم ؛ ويختل تفكيرك ، يسقط أحدهما فينهض يلملم شتاته ويتأهب من جديد ؛ ولكم ربح عقله في حين كان قلبة يسقط جريح ينتفض بآخر الأنفاس ، يودعه بنظرات حزينه ويغادر تاركا إياه بصحبتها فوق ملجأها النائي عن البشر والصخب ..كان يعلم أنها ستأتي إليه عاجلا أم آجلا ؛ فهي حين تخوى روحها ويتهشم ثباتها تأتي هنا لترمي بضعفها وقلة حيلتها لموجات البحر المتلاطمه لعلها تتذوقها فتشعر بها ..واليوم صورتها باهته ؛ لا حياة فيها ؛ تتشح بسواد قبض له روحه وإقشعر بدنه لرؤيتها بتلك الهيئه ..
والسطوة والربح تلك المرة كان للقلب وأحكام القلب ؛ ..
ما إن جاورها حتى لفحتها النسائم المعبقه برائحته المميزه ؛ وكانت على يقين أنه سيأتي يوما ما ، طال الوقت أم قصر حتما كان سيأتي ؛ ليست ثقه بقدر ماهو شعور تملك منها حتى صدقته وباتت تنتظره.. أغمضت عينيها بألم ؛ تحبس عبرات تخنقها ؛ أثارها من جديد بقدومه ، وهتافها الغاضب يحمل عدة معان ؛ أولها إشتياق ربما:
-جيت ليه ؟
* * * * *
بعد ثلاث أشهر..
النجاح والسعادة ؛ وجهان لعملة واحدة ..والنجاح تمثل في صالة كبيرة إزدحمت بالحشود والحدث ؛ حفل توقيع " حواء كما يجب أن تكون " كتيب جمع فيه عدة مقالات تخص حواء ؛ همسها وأمانيها ؛ إحساسها ومشاعرها ترجمته في كلمات وإستحق أن يخرج لنور ...والسعادة إرتسمت فوق شفتيها وهي تمسك بالقلم بين أناملها وتذيل بإسمها داخل الصفحات ؛ السعادة تعني تلك البهجه التي إستحوذت على خافقها ..فكاذب من قال أن السعادة تعني رجل أو مال أو أي من تلك الأشياء التي لم تنل منها سوى الوجع والخيبات ؛ فشعورها الليلة ولمعة مقلتيها بدموع الفرح ترجمت لها معنى السعادة الحقيقي..حانت منها إلتفاته لهاتفها المستريح بجوارها ؛ مهما مضى الزمان لاتنكر فضل ذاك الغريب الذي قدم لها يد العون وحبل النجاة وقت حاجتها ،كانت إن ضعفت وأصابها الهوان تفاجىء برسالة جديدة تبث في أوصالها دفعة جديدة من النشاط والحماس فتولد الأفكار وتحلق الأحلام عاليا ؛ بشكل أو بآخر يبقى ذاك الغريب صاحب فضل عليها واقل ما قد تقدمه له ؛ هي الدعوة برسالة خاصه تتمنى بها قبول الدعوة حتى تتمكن من تقديم الشكر المستحق ، ورغم أنها لم تنال رد عقب ما أرسلت إلا أن حدسها يخبرها أنه سيأتي أو ستأتي ؛مازالت تجهل هويته لكنها متشبثه ببقايا أمل ..
............
دلف للمكان بخطوات متزنه ؛ حلة كلاسيكيه ؛ سوداء بقميص رمادي باهت ، منحته تلك الهالة التي تخصه من رقي ولباقة يليقان به ..أول من لمح بين الجموع تلك الطبيبه الناعمه صاحبة عبق الشيكولا وغمزة عين منه عقب ما بدالت نظراته بأخرى أكثر سعادة حينما إفترق ثغرها ببسمه حقيقيه لأجل صديقتها ورفيقة طفولتها ؛ رافق خطواته تتبع عيناها له وللمشهد الذي طالما إنتظرته منذ أن قامت بمساعدته خلسه ...
وعطره القوي مع ظله المشرف عليها ؛ جعلها ترفع رأسها ببطء تطالع عينيه وتمعن النظر دون إرادة ؛ كأنما فقدت شعورها بمن حولها فقط ترتكز بعينيها عليه تحملق فيه ولا تتحرك ..وبدوره يطالعها بتمعن أكبر؛ يتذكر الأمس ؛ يوما ما كانت تلك النظرات كسيرة وضائعه ؛ كان يراقبها خلسة من خلف باب موارب وقتما كانت نزيله بمشفاه ؛ تيه وشرود نابع من ألم وقهر تحياه أنثى ؛ ولم يكن ليصمت ؛ فقط حاول مد جسور لها كي تمضي عليها فتنير روحها بالأمل وغد مشرق ؛ واليوم عينيها تخبراه أنها كانت تستحق بالفعل.. ومن البداية ؛ حياة أفضل ؛ وعالم أنقى تحيا فيه ...
ولم يخرجها من تحملقها؛ غير نبرته الأجشه:
-مبروك
عقب كلمته الممزوجه ببسمه خاصه إمتداد كفه بنسخه من الكتاب ؛ لم تجد غير أن تبادله بسمته بأخرى صافية وهي تذيل الكتاب لكن بكلمات أخرى تختلف عن ما دونت للجميع ؛ فقط إكتفت ب
" ممتنه لك أيها الغريب "
ثم أعادته له ؛ والضحكه تلك المرة تخص عيناه لا ثغره بعد ما قرأ كلماتها ، وحين عاد لها كانت يده تمتد بمصافحه ونظرة بها معنى واحد ؛ تستحقين الأفضل:
-مراد الشافعي
قابلته هي بنهوض ومصافحه مع عيون ضاحكه تماثله ؛و ممتنه له بحق :
-روان الزيان
أنت تقرأ
دوامة عشق
Misterio / Suspensoيقع طبيب النساء والتوليد "إسلام الشافعي" في قصة حب من طرف واحد حيث يخبأ له القدر الكثير من المفاجآت الغير سارة.. على صعيد آخر يحلق كابتن الطيران "باسل الشافعي" على متن رحلة من الأسرار يخفيها خلف قناع المسؤولية والسخرية أحيانًا.. فيما تتقدم الآنسة "ت...