مشهد إضافي "إهداء لقراء الرواية"

70 1 0
                                    

الزواج تهذيب وإصلاح..
عامك الأول يختلف عن الثاني، الخامس.. العاشر!!
عشر سنوات كانت أكثر من كافية لتتبدل فتاة الأمس المدللة لأخرى تُجيد حفر الكوسة والباذنجان دون أن تحدث في أيهما ثقب واحد، أن تصنع الملوخية أثيرة زوجها وتنال الثناء، بل تُبدع وتتفنن في تجربة المطبخ الهندي والأسيوي!
عشر سنوات أثمرت عن..
مصطفى
زياد
آدم
ثلاث صبيان، وللصفة سنقول ثلاث كوارث متحركة..
كان أصغرهم يجذب ثوبها القصير للمرة تعدت تحملها كي تطالعه من وقفتها وهي تقطع البصل من خلف الرخام..
- ماما.. يا ماما ردي!
تمسح سيل أنفها وعينيها بواسطة ساعدها وتجيب بصبر نافذ:
- في إيه تاني يا آدم؟.. روح يا حبيبي العب مع أخواتك ماتزهقنيش.
يتذمر الصغير من تركيزها المنعدم:
- يا ماما الحقي زياد بقى..
- يا ابني ماله زياد.. هاه ماله؟
- بابا هيحدفه من البلكونة..
- يـا لــهوي!
وركض أشبه بهرولة حيث شرفة الطابق السادس مشرعه وزوجها يرتكن إلى سورها بظهره صائحًا في زياد الكامن فوق صدره ومتشبثًا فيه بكلا أطرافه بينما الأول يهدده بملامح جادة:
- لو قربت من اللاب تاني يا زياد الزفت؛ هطيرك من هنا..
يرجوه الصبي وأطرافه تزداد تشبثًا حول عنقه وخصره:
- حرمت يا بابا والله العظيم..
- أنت اتجننت!.. سيب الواد
رفع رأسه يحدجها بحدة كونها تتوسط الشرفة بثوبها القصير، المكشوف.. أطبق نواجذه وأمرها بغضب حقيقي:
- خُشي جوه..
تتشبث أصابعها في صغيرها بفطرة أم تخاف وتفزع على صغيرها وإن كانت مدركة بكون تهديد أبيه لا أساس له من الصحة سوى الترهيب:
- نزل الواد يا بدر..
توحشت نظرته وذراعه يدفع بها حتى تواري جسدها المكشوف:
- بقول ادخلي ومالكيش دعوة!
انصاعت لغضبه مرغمة وعينها على الصغير لا تبارحه، لحظات وكان يتبعها إلى الداخل محررًا الولد من بين يديه زافرًا بغضب فوق رأسها:
- ابنك غرق اللاب ماية يا هانم..
- على فكرة أنا خبطتك بالكورة بس الماية كانت في إيدك!
كان هذا دفاع زياد الغاضب كأبيه، رافضًا لصق التهمة فوق جبينه بالكلية..
- أنت كمان بترد يا****
ركض زياد حتى لا يقع في مصيدة أبيه، يدور حول مائدة الطعام المستطيلة والآخر يلاحقه، يكاد يقبض عليه فيهرب منه في آخر لحظة، توقف الركض والصياح حين اصطدم بقدمه في حافة المائدة، توقف يطلق تأوهًا مغتاظًا  ضحك على أثره الثلاث صبيان وأمهم وجود زياد في شماتة:
- تستاهل عشان تزعق لنا وتدخل الأوضة تضحك مع ماما..
شهقت تالا وتدخلت تضرب الصبي فوق مؤخرته وتتوعده بعقاب ثم تذهب إلى الغاضب تسترضيه وتهدأه..
في المعتاد وفي مثل هذه المواقف المكررة على الدوام تدخل معه هو؛ زوجها عراكًا حاميًا تمطره فيه بسيل من العبارات التي تلخص التربية الإيجابية والآثار النفسية المحتملة نتيجة أساليبه العقيمة التي يتبعها في تربية الأولاد، ما المشكلة لو كسروا نافذة أو مقعد، أو سكبوا الماء فوق جهازه كما الآن!..
كل شيء قابل للجبر إلا نفوسهم وذاكرتهم التي تحفظ ولا تنسى..
وهو يلعن التربية الإيجابية والتحضر بل ويخلع ثوب الطبيب الوقور ليلقي بحاله فوق الأريكة منهكًا ويغمغم كما الآن:
- شياطين دول مش عيال..
العجيب أنها لم تحتج على هذا أيضا، بل أخذت تهدأ من انفعاله الكبير باقتراب:
- يا حبيبي اهدأ فداك ألف لاب!
يعارضها من جلسته المنهكة بسبابة وتوعد:
- لو اللاب حصله حاجة هقتلكم..
- مش حضرتك أوفر شوية يا بابا؟!
جاء التعليق الأخير على لسان كبيرهم، مصطفى الجالس بركن قصي ينقر فوق جهازه اللوحي و يتابع الأحداث بعين المتفرج..
لم يجد له بدر طاقة حتى يعاركه أو يركض خلفه مرة أخرى، فقط اكتفى بتعليق لأمه:
- الواد ده ناقص رباية..
- هيتربى يا بيبي اهدأ أنت بس..
وتبرطم مردفة بتمتمة خفيضة:
- أجازة إيه المنيلة دي!
أمثال بابا لا تليق بهم العطلات، هذا ما مر بخاطر مصطفى وقرر الاحتفاظ به لنفسه قاصرًا للشر، لكن آدم كان له رأي آخر حين راح يركل بالكرة يمنة ويسرة وكأن ماحدث قبل قليل مع شقيقه لا يستدعي التوقف!
زفرت تالا في قلة حيلة وصاحت في كبيرها حتى تلملم الليلة:
- على أوضتكم يا مصطفى، بسرعة..
زفر مصطفى ونهض يتحرك بخيلاء يتبعه زياد الذي سحب شقيقه الأخير ليرافقهما..
شيطنة الأولاد ليست جديدة عليه، هذا هو السيناريو اليومي المعتاد.. لكن الغرابة كانت فيها هي، حالة تالا الغير معتادة..
من أول النهار تلاطف وتهدأ!..
-عملت لك ليمون، روق بقى..
تقدم له هذا وتبتسم، بعد قليل تحضر الصغار ليعتذروا منه مُقبلين إياه، وهو يقبل اعتذراتهم على مضض حتى يكون أبًا جيدًا في عرفها رغم خرس جهازه..
بعد حين يجتمعون فوق وجبة غذاء تليق بعطلة أسبوعية لأسرة سعيدة تخلصت نفوسها من الضغائن وصفت..
أعقبت هذا بكوب من الشاي المنكه:
- الشاي يا حبيبي..
وعقله يحسب كم لفظ تحببي طاردته به اليوم؟
ينظر لها في توجس مضاعف ويتمتم:
- استر ياللي بتستر.

في المساء تراضيه بغلالة نبيذية يحبها، هي امرأة لها باع في أمور النساء وتجيد الاعتناء بنفسها جيدًا، لم يؤثر بها المكوث في البيت أو شقاء الأولاد سوى في اكتساب بضع كيلوات ظهرت فوق مفاتنها و وجهها ومن وجهة نظر بدر الخاصة أنها زيادة موفقة جدًا.
تغادر مقعد الزينة متخلية عن مئزرها الحريري، تقترب تخلع عنه منظاره الطبي وتناوش ثغره بقبلة خاطفة، تعرب عن رغبتها في لقاء حميمي يستقبله بترحاب، تتلاقى رمادية عينيه بزرقة عينيها فتعصف ليلتهما، قبل لحظات الذروة تقرب شفاها من أذنه وتهمس ببطء متوجس:
- أنـا.. حـا.. مـل..
- وحيـاة أمك!!
وكأنما بتصريحها ضغطت زرًا فتعطلت كل متاريسه، تجمد جسده ولسانه وكل ذرة فيه، فقط يحملق فيها دون أن يأتي بأي شيء آخر، احتاج إلى لحظات حتى يبتعد عنها ويلقي بجذعه المكشوف فوق الفراش، يعصب عيناه بواسطة ساعده وأنفاسه تلهث بانتظام، يغمغم بمشاعر متضاربة ظهر فيها الحنق:
- أنتِ بتستهبلي وعملتيها عن قصد..
لملمت الشرشف حول جسدها ورفعت حالها فوق صدره، ترتكز عليه وتتنهد، تزيح ذراعه برفق وتبادل تجهم ملامحه بابتسامة ناعمة تمنت أن تؤثر به، تحركت أناملها تداعب ما بين حاجبيه وتمر بخط أنفه قبل ما تصل ثغره فتتوقف بعبث وتتدلل عليه:
- وفيها إيه يا بيدو..
و"بيدو" يرفض الدلال وصاحبته ويعود بها حيث أرضه الصلبة:
- فيها أنك مش قادرة على اللي معاكي عشان تجيبي عيل تاني..
ويستدرك حاله بلمحة ساخرة:
- تاني إيه بقى نقول رابع..
تتذمر وتحتج بمشاعر حقيقية:
- ماليش دعوة أنا عايزة بنت..
- يا سلام! ولو ماجتش بنت نعملك إيه؟
- هفضل أجرب لحد ما تيجي..
- تجربي!!.. ده هبل رسمي
حوار سريع محتد بغضب من كلا الطرفين، التف بعدها كل منهما برأسه في إتجاه معاكس للآخر، لحظات تمر لا تتحمل تالا أطالتها، هي عارضت رغبته عن عمد وعليها أن تسوي الأمر وتكسب مباركته و رضاه الليلة:
- بدر..
يبقى على صمته المتجهم فتمد يدها تدير وجهه إليها قسرًا.. يتبدل لطفها إلى حدة طفيفة خالطها بعض الرجاء:
- بدررر
يستسلم لنظراتها ولا يتكلم، تضيق عليه خناق رغبتها وما تتمنى، تكسر حاجز رفضه على مهل ونبرتها تمتزج بخليط من سعادة و دلال يناسبها:
- ممكن ما تنكدش عليَّ وتسيبني أفرح وأحتفل بالخبر.. ممكن؟!
أزاح ثقلها عن صدره على مهل، ينهض والتجهم لا يفارق ملامحه فتلاحقه بالقول الحانق:
- رايح فين!
مال نحوها، يرتكز بذراعيه من حول رأسها وينطق باختصار لاق بوجهه العابس:
- هكمل..
انفرجت أساريرها بسعادة توازيها ضحكة عالية، ترفع ذراعيها تحيط بعنقه، تجذبه إليها وتسأله بمرح عابث:
- طيب مافيش مبروك؟
يتمسك برفض واهِ وكبرياء مزعوم:
- مافيش..
تتسع ضحكتها بينما تسحبه إليها أكثر لتداعب أنفه بأنفها في إصرار:
- طيب اضحك..
يصطنع التفكير وما أن تبدأ الابتسامة في مناوشة ثغره لا تمنحه الفرصة..
تقبله بقوة..
بسعادة..
بعشق!
تذوب بين يديه وتنال مباركتها مرات ومرات في حميمية خاصة، وحين يعلو صخب الضحكات لا تفلح الجدارن في عزلها فتصل العدوان الثلاثي القابع بالخارج فيتحدون في شقاوة على تدمير اللحظة بتهليل صاخب وصفير جاء من خلف الباب المغلق على لسان كبيرهم:
- الــــــعب يا دكتور.
ـــــــــــــــــــــــــ
#دوامة_عشق
#بدر_تالا

🎉 لقد انتهيت من قراءة دوامة عشق 🎉
دوامة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن