الفصل السادس والعشرون

57 0 0
                                    

(26)
تشتت

يوم جديد أفضل من أمس راحل ، بدأ بفطور مميز من بين يدي جميلته.. ثم حلاقة ذقن زاد طولها بشكل لا يطاق.. ولا بأس ببضعة خدوش فهو من طلب وعليه تحمل العواقب ، وبعدها المرحلة الأصعب فقد حان موعد الحقن العضلي.. والكابتن يسخط في كل مرة.. يلعن ويسب  بهمهمة خفيضة نظرات زوجته المتبادلة بضحك خفي مع تلك الممرضة السمينة .. وبعدها زفرة كبيرة مع عقدة حاجبين تتراخى بتباطئ ، وقبلة على الفك بتمهل شديد تعني مكافأة للبطل المغوار.. فتلك كانت المقايضة مقابل كل حقنة .. قبلة، وعلى الرغم من مراوغته وسخطه كل مرة إلا أنها التزمت بالإتفاقية بنزاهة ..
واقتحام مفاجئ لزج يشبه صاحبه يقطع لحظاتهم الخاصة داخل المشفى:
-كاااابتن ...وحشتنا يا كبير
وقهقة صاخبة صاحبها ذراعان مفتوحان ثم عناق حار وهتاف أجش:
-وإنت كمان يا نسيم وحشتني ..أخبارك إيه ؟
جذب المقعد المجاور على الفور تحت أنظار فرحة المتعجبة من ذاك الصبي النحيل ذي الطلة المبالغ فيها بينما هو اخذ يرغي ويزبد :
-كله تمام يا كابتن أنا طلعت كذا رحلة مع كابتن محمود.. بس بيني وبينك راجل خنيق ومش بيس خالص إنما إنت يا كابتن مالكش زي وربنا ضحك ورغي ، مضيفة خارجة مضيفة داخلة.. شد حيلك بقى وإرجع لنا عشان نقول لزمان إرجع يا زمان.
أنهى جملته بغمزة ولكزة في كتفه وهو يضحك بتشدق ، بينما باسل يتنحنح تحت أنظار فرحة المتابعة بترقب؛ ثم هتف بخفوت عله يدير الدفة بعيداً:
- حبيبي والله يا نسيم ...هااا أخبار المطار إيه في غيابي ؟
ونسيم لن يصمت الليلة.. تابع بمرح:
- كله إشطااا يا باشا.. ده حتى كلهم باعتين لك سلام مخصوص و سوسو بتقول لك غيرت لون شعرها وعملته أحمر زي ما قولت وكان عندك حق طلع فعلا  يجنن عليها ..وإنجي حددت ميعاد الخطوبة بعد إسبوعين وبتأكد عليك لازم تشد حيلك علشان من غيرك ماينفعش...والله وحشتنا كلنا يا كابتن .
والكابتن يغمغم لحاله :
-الله يحرقك .
والكزة تلك المرة من كف الجميلة ومن بين أسنانها :
-بتقول حاجه يا كابتن؟!
وسارع نسيم بضحكة سمجة:
-إلا ماعرفتناش يا كابتن مين الآنسه ؟!
والرد تمثل في صفعة على جانب العنق مع نظرة متوعدة :
-المدام يا خفيف
تقهقر للخلف قليلا وضاعت نظراته في أرجاء الغرفة بعيداً عن عيني فرحة الساخطة ..ورأس مطلة من عند الباب قطعت الأجواء المضطربة:
-صباح الخير يا باثل عامل إيه النهارده ؟ قولت اعدي عليك قبل الجامعة.
تبسم وأجاب:
-بخير يا ياسمينا ..خالتو فين ماجاتش النهارده ولا إمبارح يعني ؟
جاورت فرحة في وقفتها وتحدثت بنبرتها المعتادة:
-معلش كانت مشغولة حبتين كده .. بث هتعدي عليك كمان شويه
وضحكت نسيم المنفلتة رغما عنه تعني سخرية صريحة لحرف الثاء خاصتها الساقط منها رغما عنها ...رمقته ياسمينا بحنق في حين نهض هو مستأذناً:
-طيب أمشي أنا بقى يا كابتن وأعدي عليك في وقت تاني
-نورت يا نسيم ..خليك جنتل وخد ياسمينا معاك في سكتك وصلها .
وبعد مناوشات مبهمه تحركت ياسمينا مرغمة.. تعدل من وضع عويناتها السميكه ومن خلفها ترمق ذاك الكائن بإذدراء تاركين الكابتن خلفهم وهو لا يعلم أنه ربما قد أصاب هدفاً دون أن يدري ...وقبل أن يتخذ اول خطوة في إصلاح ما هدمه مساعده المعتوه فوق رأسه طلت الفاتنه تقرقع بكعب حذائها .. بينما يتمايل جسدها بغنج طبيعي فتكمل ما بدأه الآخر :
-كيفك اليوم يا حلووو ؟!
تركت باقة الزهور من بين يديها لتجاوره على الفراش واحتلت هي مكان نسيم  منذ قليل ..بينما الأخرى تحركت تجاور النافذة، تطالعها بلا تعبير ، على الرغم من أنها قدمت لها كثيراً من المواساة في تلك الأيام العصيبة حينما كان هو راقداً دون حراك ، لكنها ببساطه لا يمكنها أن تمحي صورتها من ذاكرتها وهي تجذب زوجها مقبلة إياه في العلن دون خجل ، لم ولن تستطيع تقبلها بأي صورة كانت..قطع أفكارها نبرة باسل الهادئة:
-أنا بخير إنتِ إزيك ؟
-منيحه نحمد الله.. وكمان خلاص قررت راجعه لبنان عبكرا
-متأكدة من قرارك ده ؟ أنا شايف لو تفضلي هنا أحسن ..هناك مفيش غير الماضي وذكرياته
تبسمت له برقة هامسة:
-ماتخاف علي انا كتير قوية..
وأردفت بغمزة:
- مش هيك
بادلها بسمتها باخرى مع هزة راس بينما تابعت هي موضحه:
-خالتو نتالي حكت معي كتير وبدها ياني زورها.. وكمان إشتقتلو لتيم وبدي زوره ؛ وإحكي معه كتير..
تنهد ببطء ينظر لعمق عينيها ويرى حزناً دفيناً يلف تلك المرأة ، وصدقاً على الرغم من كل ما حدث معه وما عاناه بسببها وسبب أبيها ..يتمنى لها حياة افضل من تلك البائسة التي تحياها ..وقبل الوداع ، طالعت فرحة لثوان ترى ما بين عينيها من ضيق رمتها ببسمة خافتة ولم تنتظر لها رداً فهي على يقين أنها لن تاتي .. فختمت كلماتها وهي تنهض مغادره:
-دير بالك عليها.. بحياتك ما راح تلاقي حدا يحبك متلها
وإن كانت تظن بكلماتها تلك ستهدئ من روعها فهي مخطئة ..وبعد موجة الزيارات المتتالية حان موعد الغذاء قبل جرعة المضاد المهمة ..قدمته بصمت ؛ وتظاهرت بالانشغال حتى لا تخضع لأوامرة الفذة وتطعمه بيدها ككل يوم بل كلل وجبه ..هي غاضبة بحق ولأجل ذلك تركها وأثر السلامة وتناول طعامه بصمت مطبق ...وبعد حين طلب منها بأدب الكون ان تتكرم وتعدل له من وضع الوسائد من خلف ظهره ؛ وقبل أن تنتهي وتبتعد..حرك بصره على باقات الزهور المعبقة للغرفة وقد ملأت أركانها حتى باتت أقرب لمتجر زهور ، فتبسم بعبث وعاد لها مناوشاً .. حسنا فقد مل من صمتها الغير لآئق:
-إلا صحيح ماجاليش ورد تاني ؟
التأفف والسخط بوضوح من حقها تلك المرة.. مغمغمة بنفاذ صبر:
- على أساس إن كل ده قليل !
إعتدلت في وقفتها ، تنشط ذاكرتها ؛ تضيق في حدقتيها وتعدد على أصابعها  .. يكفي لقد طفح الكيل بل وزاد ، فاخذت تهتف بغضب مكبوت ونبرتها تتلون بسخرية :
-بوكيه من تونسية مع كارت وصاية مكتوب فيه :
" عسلامه بسووول.. أشنيا أحوالك ؟ توحشتك برشا "
والأصبع الآخر يوازي هتافاً حانقاً آخراً.. نزقاً :
-والتاني بقى من المحروسة المغربية
"توحشتك بالزاف وتهلا في راسك.. إنت شخص زوين حبيبي"
والأصبع الثالث تزامن مع نظرات متوعدة :
-واما التالت بقى من مقصوفة رقبة عراقية ودي بقى بتاكد عليك وتقولك
"دير بالك على حالك.. ورمشلي حتى أطمن عليك "
ختمت حديثها بإبتسامة صفراء .. مع رفرفة أهداب لزجة ..وصرير اسنانها يعني الكثر:
-ماتنساش ترمشلها بقى ..ده غير الجزائريه واللبنانيه اللي لسة خارجه واللي جاي من غير إسم خالص بصراحة ما كنش ناقصنا غير سوسو وشعرها الأحمر !..حبايبك كتار يا كابتن  إللي عطاك يعطينا يا سيدي.
والكابتن يرواغ برأس مرفوع للأعلى بفخر واعتزاز مع براءة متقنة :
- جوزك بيدعم الوحدة العربية من قلبه ياروحي
والصمت حليفها.. فلتحبس حنقها أفضل وإلا العواقب غير محمودة ، يظن حاله خفيف ظل ذاك الأرعن.. والأرعن لن يستسلم لصمتها في ثوان جذب معصمها بقوة فسقطت فوق الفراش بقربه..وبات وجهها قريب منه حد تبادل الانفاس ، غمغم بعدها بخطورة مع بسمة عابثة:
-بس ده مايمنعش إن ولائي الأول والأخير لبلدي ..هو في زي بلدي ولا حلاوة بلدي
والنظرة مع النبرة متهكمة :
- هه.. صدقتك !
-عجباً لأمركم أيها المصريون.. يعني لا كده نافع ولا كده نافع ؟!
ثم أرغى وأزبد الفرعون العاشق .. يراوغ.. يبدل الأدوار ، فينال قسرا بسمة ثم ضحكة من بين ثغر الجميلة.. لترفع بعدها رايات الاستسلام في قلة حيلة، وربما القلب هو من يرفع الرايات في حرم العشق فيمنح صكوك غفران طويلة المدى .
......
وبعد ساعات طويلة..
على بعد اميال كثيرة بل بلد آخر، كانت جاثية فوق الأرض اللينة على ركبتيها ، تمسد الحجر الرخامي البارد بكفها بينما الآخر يمحي عبرات تتقافز وتهطل دون إرادة..  نشيجها يعلو رويداً رويداً فيخترق السكون المخيف من حولها..تنظر لأسمه المحفور فوق الرخام أمامها فتعود تضربها الذكرى ، وتغمغم للقبر الصامت بنشيج:
-أخدت لك بتارك تيم ، وتار إبنك ، هلا فيك ترتاح حبيبي
تبسمت وعينيها تقسو وتشرد نحو البعيد ، حين خططت ودبرت بمفردها حتى تثأر لحالها ، والدتها ، زوجها وأخيرا صغيرها..
في منتصف الليل كان عاكفا على بضع أوراق في مكتبه.. وبضع حيل بسيطة كان المنزل خالياً إلا منها وإياه ..وسلاح لم يصعب الحصول عليه مع قفازات سميكة غطت بها كفيها حتى لا تترك أي اثر لبصمات ، وطلق ناري في منتصف الجبين تماثل تلك التي نالها زوجها من أيدي أتباعه ، وحتى تتمم خطتها بنظافة وضعت دليل جريمتها بين أصابعه.. والانهيار والصراخ رافق خبر انتحار الأب في الصباح الباكر ،حتى تأد أية ذرة شك قد تولد في قلب أحدهم ، وكان لها ما خططت لأجله منذ شهور.. فضيحه تودي وتزج بإسمه أسفل سافلين ثم يلاقي حتفه على يدي إبنته بينما الجميع يظنها عملية انتحار لرجل الأعمال المهوس بالعمل وسوق المال وحين سقط إسمه لم يتحمل فأنهى حياته بيده ..
المعضله ليست معقده ياسادة ولا تحتاج كثيرا من التفكير وبذل الجهد ، الرجل زرع من البداية وقد حصد نتاج فعلته.
*  *  *  *  *
بعد أيام التعب والضغط النفسي والعصبي على الجميع عاد الكابتن لكنف بيته ، بين عائلته بأفضل صحة وأحسن حال ، وليست عودته وشفائه وحدهما من ينثران زخات السعادة في الأجواء ، فأميرتهم الوحيدة ستتزوج عما قريب ،  ففارسها يجالس أباها وأخويها بصحبة أبيه ، ها قد أتى وفي عينيه نظرة عشق خالصة حتى يتقدم لخطبتها رسمياً .
تناولت الصينية المحملة بالعصائر من يد "فرحة" التي لم تهدأ منذ الصباح وهي تخبرها عن نصائح تخص الهدوء والرزانة حتى لا يظن الرجل أنها .
"مدلوقه"
وفي كل مرة ترمقها بتهكم وتجيبها بعيون فاضحة.
"شوف مين بيتكلم !"
تهادت بخيلاء بما تحمله بين يديها للخارج والأخرى تراقبها من خلف زاوية جانبية تنتظر إشارة واحدة لتطلق بعدها زغاريد الفرح ، يكفي وجعا آن للفرح أن يرج جدران منزلهم..
لكن وآسفاه زغرودة إختطفها النحس وطار !
و شهقت بدل الزغاريد ، بعد ما صدح زعيق والدها منهياً المقابلة ، وشبه طاردٍ للعريس ووالده خارج منزلهم ، والعروس تحملق في الجميع عند الباب وبين يديها مشروبات لم تمس بعد .. وصوتها مضطرب ، حزين:
-إستنى بس يا مهيب إنت رايح فين ؟ .. بابا في إيه ؟! .. انا مش فاهمه حاجه!
-ساندي إدخلي جوه دلوقتي
وهتاف إسلام الجامد يخرسها بينما مهيب يرمقها شذراً ويغادر المكان بوالده مكتفياً بصمت حانق .. فعادت تصرخ فيهم بتهدج ويدها تتخلى عن ضيافتها فوق منضده قريبه:
-حد يفهمني في إيه ! وإزاي تعملوا كده ؟!
وكانت شاهي هي المتحدثه تلك المرة بزعقه حانقه تشبه نبرة إبنتها كسيرة الفؤاد:
-اتجننت ياعزيز ! ارتاحت دلوقتي  لما كسرت قلب بنتك ؟!
وعزيز يزعق :
-لو إبن رضوان السباعي آخر راجل في الدنيا مش هحط إيدي في إيده ياشهيرة .
وشهيرة تكتف ساعديها بينما ساقها يهتز بغيظ مكتوم بينما إسلام يتدخل على الفور محاولاً تهدئة الأوضاع:
-إهدى بس يا بابا الموضوع مش مستاهل وبعدين أنا شايف إن حضرتك كبرته زيادة عن اللزوم !
نفض ذراع إبنه عنه هاتفاً فيه:
-إنت كمان هتعدل عليا ؟!
-ماقصدش يا حاج والله بس..
-بس ولا مابسش الموضوع خلص خلاص سي زفت ده يتنسي خالص
أنهى جملته وغادرهم نحو غرفة مكتبه ، والعروس تمحي عبراتها وعقلها توقف تماماً علها تعي ما يحدث ..والجالس هناك فوق الأريكه يشرح وباستفاضة ، فقد كان مجاوراً للعريس منذ دقائق ومتابعاً للمشهد منذ بدايته.. هتف في شقيقته وكل ما فيه ينضح بالبرودة بينما يتابع ارتشاف العصير  بأريحيه :
-يعني ياسو مالقيتيش غير إبن خطيب ماما السابق عشان تتجوزيه ؟! من قلة الرجالة يعني
شهقت فرحة التي تركت منصة المشاهدة منذ دقائق وجاورتهم في جلستهم بعد ما رحل عنهم خالها الغاضب، والبارد مازال يرغي ويزبد تحت أعين أخته الباكيه :
-وبعدين مش كفاية إسمه مهيب كمان أبوه رضوان إيه الفيلم القديم ده.. انا بقول إطلعي غيري هدومك وسيبك من الليلة الغم دي أو الأحسن تركزي مع جوز الكناريا اللي هيطلقوا بسببك يا بومة.
لكزته فرحة في قدمه محذرة إياه من المتابعة بعينيها ، فتبسم لها بسماجة قطعها صراخ ساندي الغاضب:
-إنت لو ماكنتش صاحب عيا لسه كنت عرفتك مين هي البومه.
وقبل ان يرد لها الصاع صاعين حشرت فرحة قطعة كبيرة من الشيكولاته داخل فمه عنوة .. بينما الأكبر يقترب منها يهدئ كما عادته:
-إهدي بس ياساندي ، إحنا نسيب بابا يهدي دلوقتي وبعدين نتكلم ..بطلي عياط بقى
قلبت بصرها بينهم ثم طالعت زينتها متحسرة وغادرتهم منكسة الرأس مغمغمة بحزن:
-ربنا يسامحكم على كسرة القلب دي.
زفر إسلام من درامية شقيقته الزائدة وعاد يجاور والدته الحانقة بدورها ، والهاتفة في بكريها بغضب:
-عاجبك عمايله دي ؟!
وقبل أن ينفرج ثغره قهقه باسل مخبرا اياها غامزا:
-بيغير ياشاهي بيغير.
صمتت فرحة وشاهي بعدما فقدتا الامل فيه بينما إسلام كان صاحب اللكزة الثانية مغمغماً من بين ضروسه:
-إنت إيه اللي مقعدك معانا يا بني آدم ؟! مش الدكتور قال لك  تترزع في أوضتك ترتاح..قوم يلا وسعيكم مشكور لحد كده.
حرك رأسه يمنة ويسرة هاتفاً ببساطة:
-مش عارف إنتو مكبرين الموضوع ليه ؟! كلها ساعة زمن والحاج يهدى والبرنسيسة تتسهوك عليه حبة وتتمايص حبتين ولو في دمعتين كمان هيعملوا شغل عالي ، وهتلاقوه راح يجيب الواد من قفاه.
حك إسلام ذقنه مفكرًا .. قطعه هتاف آخر:
-إيه ده أنا إتاخرت قوي كده ؟! وفين العريس معقول لحق يمشي .
إقتحم "مراد "جلستهم مستفسرا ، وأتاه الجواب السريع من الباسل:
-نورت يامراد تعالى ؛ تعالى أنا هحكيلك اللي حصل ده إنت فاتك حتة مشهد.
اقترب منه مراد باستهجان وتعجب ، بينما وثب الجميع من فوق مقاعدهم زافرين بنفاذ صبر ، مغادرين المكان بأكلمه وإلا ستحدث جناية في التو واللحظة والضحية لم يشفَ تماما بعد .
*   *    *    *   *
وداخل حصون الجامعة.. بمكان ناءٍ عن الجموع والأعين المراقبه..كان يوجد صراع قائم بالفعل ، صرخة قابلها صفعة دوت فوق وجنتها علها تصحو من هالة الحماقة التي سيطرة عليها منذ شهور ولم تفق بعد ..دفعت به بعيداً عنها ، يصفع ثم يقترب ليداوي وكأن روحها الكسيره لم تشبع صفعات ليأتي هو ويزيد ..هتفت به ببكاء وشهقات مكتومة:
-إبعد عني يا رامي مش عاوزه أشوفك مش عاوزه أعرفك ..أنا بكرهك أنا بكرهكم كلكم
اقترب تلك المرة ولم يسمح لها برفض .. احتوى وجهها بين كفيه وهتف بقسوة وخشونة:
-مش هبعد ..فوقي بقى وبطلي تصرفات العيال دي ..بصي على وشك كده دي انتي ؟! شوفي لبسك دي انتي ؟! اللي حصل حصل مش هترجعي الزمن ولا تصلحي الكون بعمايلك دي ..أهملتي نفسك ودراستك..حلمك إنك تبقي مهندسه ناجحه بيضيع من بين ايديكي من أول سنه ..ليه كده يا لارا .. بتعملي في نفسك كده ليه؟!
زاد نحيبها ونشيجها المكتوم بين كفيه ..نعم تمنت ؛حلمت واجتهدت حتى تصبح مثله يوما ، فقد كان قدوتها ومثلها الأعلى ..وفجأه أختفى هو وضاع معه الحلم وتوارى..لم تعد تملك قوة لمواجهة العالم وهي ترى في أعينهم نظرات الحقارة والهمهمات الموجعه حولها أينما ذهبت :
-ليه كده ! إنتو اللي ليه كده ..ليه بابا يعمل فينا كده ..ليه نسيب بيتنا وذكرياتنا ، وليه نبعد عن كل الناس كأننا وباء ..وليه انت لسه هنا بتحاول تاخد دور مش دورك ؟ رغم إنك عارف إن باباك أكتر واحد أخد موقف من بابا  بعد اللي حصل..سيبني في حالي يا رامي الله يخليك بلاش إنت كمان تكسرني زيهم .
ربت وضم ، احتوى وطمأن ..وربما هو لا يملك غير ذلك  في وقته الراهن :
-أنا مش هسيبك ولا هبعد ومش هسمح لك تضيعي مني حبيبتي
-حبيبتك !
نطقتها بتهكم وسخريه ، الآن يخبرها أنها حبيبته ..هو يعلم وهي تعلم أنه حتى يكتمل إعترافه ويستمر طيلة العمر عليه كسر قيود التمرد على عائلة  لن تسمح له بأي شكل من الأشكال أن يربط أسمه باسم فتاة يحمل أبيها ماضٍ ملوث يدفع ثمنه خلف القضبان ، في نظر الجميع هي تملك وصمة عار إلتصقت بهما طيلة العمر ..وقليل هم النبلاء..ليس الجميع لديه القدرة على مواجهة  وتخطي العقبات .. وخاصة إن كان محاطاً بعائلة كعائلة رامي ...
تغافل عن تهكمها وسخريتها وقام بتنظيف وجهها بمحرمه نظيفة بعد ما تلطخ إثر إمتزاج كحلها الأسود بعبراتها .. من ثم أمسك بكفها وعاد بها حيث توقفت ، يجب أن تستمر الحياة وتمضي .. بينما القلوب والأروح تتلاقى وتتآلف في ملكوت آخر..لطالما كان هناك خيط رفيع يربط بينهما منذ زمن ، وسيظل رغما عنهما معقود أبد الدهر..ستسقط ربما ، لكنها ستعود وتنهض من جديد ..لن يغتال الحلم ولن يتوارى ،سيدعم ويساند ولن يمل وفي النهاية سيمني نفسه بهزم طوفان العادات والتقاليد وامتلاك الصغيرة ولو بعد حين.
*      *    *
"بعد ثلاثة أشهر"

دوامة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن