الفصل الثاني

171 6 0
                                    



ليتني حجرٌ لا أحنُّ إلى أيّ شيء
فلا أمس يمضي ولا الغد يأتي
ولا حاضري يتقدّم أو يتراجع...
لا شيء يحدث لي
محمود درويش
**********************
انتهى اليوم كسابقيه...
يوم آخر يمر من حياته وصفحة أخرى تطوى دون أن يشعر بشيء....
تمر عليه الأيام متشابهات ونفس الشعور يلازمه كأن جرّارا يمر ببطء فوق قلبه يوميا...
أليس الزمن دواء كافيا لاِندمال الجروح؟!
فما باله مر بالجميع وغيرهم بلمسته السحرية وتناسى جرحه المتقيح الذي لا يزال مفتوحا...
فلم يتغير به شيء..
نفس البرود الذي شعر به أول مرة لا زال يغلفه والنيران لا تزال متقدة بداخله...
فيحترق ويتلظى
نزل من سيارة الأجرة قبل شارعين من العمارة التي يقطن بها
وسار على قدميه ببطء يضع سماعات الهاتف اللاسلكية بأذنيه يسمع أغنية معينة....
يعيد تشغيلها ويعيد دون أن يسمعها حقا...
ظل يمشي الهوينا حتى دلف من باب العمارة ووقف للحظات
أمام المصعد ينظر اليه بشرود قبل أن يتجه للدرج فيصعده بتثاقل....
وكأن جبالا عملاقة تسحق قلبه....

فتح باب بيته وألقى بسترته فوق الأريكة بغرفة المعيشة ثم أتبعها بقميصه واتجه للحمام يخلع كل مرة قطعة من ثيابه....

وقف تحت الماء البارد مغمض العينين يستند على الحائط تاركا للمياه مهمة تهدئته...

كان يهمس مرارا وتكرارا :" أرجوك توقف يا ربيع... كفى!"

حين أنهى حمامه وقف أمام المرآة يطالع البخار الذي غطّاها بأكملها ثم مسحه بشرود لتطالعه صورة ضبابية لوجهه...

ظل ينظر لانعكاسه للحظات قبل أن يخرج من الحمام ليرتدي ثيابه ثم يفتح باب الشرفة على مصراعيه تاركا أشعة الشمس الربيعية تدلف للمكان علها تدفئ البعض من روحه....

رن هاتفه فنظر اليه مرحبا بأي الهاء خارجي... طالعه اسم تسنيم فابتسم بحب ورد سريعا :" تَسُّوو... كيف الحال؟""
وصله صوتها المرح :" كلمتك صباحا وكنت بخير! هل سيتغير حالي في بضع ساعات؟! "
تحركت زاوية شفتيه وأردف:" لحظة واحدة كفيلة بتغيير الكثير"

ثم تابع بلا مبالاة زائفة:" اذا لم تتصلين؟ ماذا تريدين؟"

_"إنما الأمم أخلاق يا ذا العينين الخضراوين... اشتقت لك.... أراك ترفع حاجبك على فكرة
( كان بالفعل قد رفع حاجبه الأيسر كرد فعل استنكاري فأنزل الهاتف من أذنه ونظر لشاشته يتأكد أنه لم يتصل مكالمة مرئية ثم بسمل وأرجعه لأذنه فوصله تذمرها المعتاد).... ومريم عادت إلى منزلهم فبقيت وحدي! "

"من مريم؟"

تأففت تسنيم وردت بحدة:" شريكتي بالسكن...كم مرة سأعيدها؟"

رفع ربيع عينيه للسقف يأسا منها وقال ساخرا :" وهل تتوقعين مني أن أحفظ أسماء رفيقاتك؟"
"بل أريدك أن تهتم بي قليلا "
"حسنا ها أنا أهتم ..تفضلي واشتكي"
سكت للحظات يسمع شكواها الطفولية يشغل نفسه قسرا بها...
ومر بهما الوقت...
هي تتحدث عن كل شيء وأي شيء تحاول الهائه بأي طريقة فهي أكثر من يعلم ما يمثله له هذا اليوم وظل هو يستمع إليها يرد باقتضاب تارة ويسهب في الحديث أخرى حتى أغلقت الخط..
فنظر في ساعته بعفوية ليجد الوقت قد تجاوز العاشرة مساء فتنفس مرتاحا شاكرا لتسنيم اتصالها... وتحرك ليتناول عشاءه...

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن