الفصل السّادس

76 5 0
                                    

"من قال أن الفرح طائر قلق لا يستقر على غصن، ها هو غصن حياتي ممتلئ بالعصافير الميتة "
عدنان الصائغ
**********
"أوقف السيارة يا أسامة"
قالها رامي بجدية تامة أفزعت أسامة فأوقف سيارته التي كانت تقود الموكب مما أدى لتوقف صف السيارات خلفه ...
فتح باب سيارته بقلق ونزل يتجه نحو أخيه الذي ترجل بدوره من سيارته والتقيا في المنتصف ...
قال أسامة بلهفة:" ماذا يحدث يا رامي؟ هل كل شيء على ما يرام؟"
رد رامي بهدوء تام:" لا تقلق يا أسامة ...فقط ننتظر معين .." هدأ قلق أسامة وسأله بتوجس:" ومن معين هذا ؟"
تأفف رامي وقال بملل :" صاحب سيارة نصف نقل ...معه العجل ..ويجب أن يكون هو بالمقدمة لا أنت. اتصلت سارة للتو وأخبرتني بهذا "
كان حاجبا أسامة يرتفعان ببطء حتى أنهى رامي كلامه فضرب جبينه بعصبية وهتف :" صدقا هل تريدون قتلي؟ هل أوقفتني لتوك بسبب هذا الغباء ...اذهب...اذهب من أمامي يا رامي... اذهب هداك الله "
عاد أسامة لسيارته وجلس بقوة شاتما بخفوت ..فسألته تسنيم :" ماذا حدث ؟ " رد أسامة بغيظ :" أخوك أراد أن تتقدمنا السيارة التي تحمل العجل فكاد يصيبني بجلطة .
"قالت غاية متهكمة :"أعذره فوالدة سارة قد تأمر بتأجيل الزفاف للسنة القادمة بسبب خرقنا للتقاليد الملكية الخاصة بسموها"
ضحكت تسنيم ورؤيا بصوت مرتفع ولحق بهما أسامة بعد لحظات وقد أصابته عدوى الضحك ...أما غاية فقد عادت تركز نظراتها على عيني ذلك الشارد الناظر بعيدا...
ترى ما الذي يشغل باله؟
************
وصل موكب السيارات أخيرا لمنزل العروس سارة
...
واستقبل أهلها أهل العريس بحفاوة...انتشرت روائح البخور في الهواء وعلت الزغاريد ... اجتمع الشباب في حلقة واحدة وطوقوا العريس يرقصون على أنغام دبكة شعبية تونسية...
الفرح عم الأجواء وأضاء القلوب...
تراقصت تسنيم في وقفتها جوار رؤيا بملابسهما التقليدية المتماثلة تفرقع إصبعي الإبهام والوسطى متابعة الألحان ..ثم مالت فجأة على رؤيا تهمس في أذنها :" لا أعلم لم يخشى الجميع أم سارة؟ لقد مررنا بضغط عصبي شديد الفترة الأخيرة بسببها "
أومأت رؤيا داعمة فتابعت تسنيم تسألها :" بالمناسبة ..ما اسمها ؟ ظللنا نناديها أم سارة حتى نسيت اسم المرأة ..."
ضحكت رؤيا وأردفت :" اسمها نورة ...وصدقيني معهم حقٌّ في خشيتها فحتى يسر الحديدية استسلمت أمامها ورضخت...وها هو العرس يتمّ حسب العادات بكلّ دقّة. عرس تونسيّ شماليّ أصيل."
أكملت تسنيم باعتزاز:
وليس عرسا غربيا باردا كما أرادت ماما. بصراحة هذه المرأة كسبت احترامي.""
ذُبح العجل وقدمت أطباق الطعام لجميع الضيوف الذين تحلقوا حول الطاولات المنظمة في صفوف طويلة وبعدها وزعت الرّوزاطة (عصير اللوز) والبقلاوة و"أذنا القاضي " وحلويات مشكلة تجمّع حولها الأطفال بفرح..
فيما تجمعت عائلة المحمودي وعائلة العروس بالدّاخل من أجل عقد القران.
بحثت غاية عن ربيع بين الحضور فلم تجده فاتجهت للبحث عن أسامة فوجدته مشغولا مع رامي يشهد على عقد القران...
زفرت بانزعاج ثم أخرجت هاتفها من حقيبة يدها الصغيرة وكتبت رقمه بتردد...
رن الهاتف ورن قبل أن تسمع صوته يجيبها بهدوء ساخر :" مرحبا غابة " ردت تسأله بلهفة حاولت قدر الإمكان مداراتها :" أين أنت يا ربيع؟ كيف تتركنا هكذا ؟"
أجابها ربيع :" أنا في البيت...تعرفينني غابة أمقت الضوضاء "
كان على وشك اغلاق الهاتف حين هتفت متلعثمة :" ربيع....أنت .."
فرد يسألها :" نعم يا غاية ..هل هناك شيء؟"
ضاعت كل الكلمات التي رتبتها وطارت كعصافير صغيرة من ورق فودعته بهدوء وأغلقت الخط...

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن