الفصل الحادي عشر

82 7 2
                                    

"التقينا مرة فضاع مني قلبي والتقينا أخرى فضعت أنا. "
****
("لا يموت السّلام أبدا.")

"أنا سأرافقك."
تعلّق بها زوجان من الأعين ما أن غادرت تلك الكلمات شفتيها.
نظرات والدها المندهشة بالإضافة لنظرات أسامة المصدومة.
فبرّرت بحنق:" سأذهب نيابة عنك بابا. في النهاية أنا أفضل من ينوبك كما أنّ الدّكتور أسامة ليس رجلا آليّا ولن ينجح وحده في إتمام كلّ شيء."
ظلّ عزيز صامتا يقلّب الأمر في دماغه أمّا أسامة فقد ابتسم بعد لحظات بامتنان وردّ:" بإمكانك مرافقتي طبعا يا يارا لكن المكان بعيد جدّا فهل ستتحمّلين تعب السفر ثم تعب توزيع المؤن والتبرعات؟."
جابهته بقوة:" سترى مقدار تحملي بنفسك."
تدخّل عزيز غير مقتنع:" ولكنّك لم تكوني مهتمة من قبل بمثل هذه الأمور فما الذّي جدّ؟"
"أنت مهتمّ وهذا يكفيني بابا."
أومأ عزيز على مضض :" أنت حتّى لا تملكين سيّارة وتلك التي استأجرتها أعدتها بنفسي لصاحبها."
"كوسيلة تعسفية لمنعي من مغادرة البيت." غمغمت يارا بحنق ثم تابعت بهدوء:" وأنت ستحتاج سيارتك غدا. إذن سأذهب مع الشباب لا مشكلة. السيارات كثيرة ."
قال أسامة:" سأقلها بنفسي يا أستاذ فلا تقلق."
فأومأت موافقة.
بينما أردف عزيز:
"حسنا طالما اتفقتما فيسعدني إخبارك أنهم سينطلقون غدا على الساعة الخامسة صباحا وربما قبلها فهل ما زلت متمسكة برأيك؟."
قالت بعناد :" بالتأكيد."
صافح أسامة أستاذه ثم غادر ليستكمل ما تبقى له من ترتيبات بينما عانقت يارا ذراع والدها تقول بامتعاض:" هيا إذن لنستغل ما تبقى من الوقت المحدود أصلا."
ضحك عزيز باستمتاع وهو يكتشف غيرة ابنته الحديثة ثم سألها بمرح وهما ينزلان الدرج:" إذن ماذا أعددت يويو؟ كوكيز أم تيراميسو ؟"
ردّت ببساطة :" عصيدة."
"عصيدة؟ في هذا الطقس؟"
"ما بها العصيدة؟ إنها مناسبة لكل وقت."
جلس عزيز على إحدى الأرائك بغرفة الجلوس وتناول طبق العصيدة الذي قدمته له ابنته برضا وشرع في أكله.
بينما جلست يارا جواره وطفقت تتحدّث وتتحدّث عن كل شيء. ذكريات صباها ..مشاكلها بالعمل ..أحلامها..
وظل هو يستمع لابنته بتركيز وسعادة كما كان يفعل منذ كانت طفلة.
لقد عادت يارا لتضيء حياته.
******
يوم الأحد
الرابعة صباحا
أطفأت يارا المنبه بعنف حتى أنها كادت تلقيه من فوق الطاولة الصغيرة المجاورة لفراشها ثم نهضت متحركة بتثاقل نحو الحمام هاتفة بحنق:" أكان علي أن ألعب دور البطولة وأعرض المساعدة؟ كله بسببك يا أسامة يا سخيف."
خرجت بعد ربع ساعة وقد استفاقت تماما ثم بدلت ثيابها وسرحت شعرها.
نزلت للأسفل فوجدت والدها بانتظارها وقد أعدّ الفطور بالفعل.
فجلست جواره وتناولت حبّة كرواسون ساخنة وهي تسأله بدهشة:" من أين أحضرتها يا بابا في هذا الوقت؟"
ملأ عزيز كوب عصير ووضعه أمامها قائلا :" من المخبز المقابل. أصحابه نشطون جدا ما شاء الله."
شربت العصير دفعة واحدة مغمضة العينين ورأسها يترنح حتى أنها مالت لتتوسد ذراعيها فوق الطاولة فعبث بشعرها بإشفاق وقال:" لا حاجة لذهابك يارا . أسامة رجل حازم ذكي وسيحسن التصرف."
لم يتوقع أن ترفع رأسها كطلقة نارية تجيبه هاتفة:" ولم لا أذهب أنا؟ هل أسامة هذا أفضل مني؟"
" لا ولكنك تبدين مرهقة."
"أنا بخير . وقد جهزت قبل الوقت. هو من تأخر"
قبل أن تكمل كلامها كان جرس الباب يرن فتأففت حانقة ونهضت لفتحه بجمود.
~~~~~~
"أنا سأرافقه."
كلمتان.
فقط كلمتان فعلتا به الأفاعيل
مجرّد شعورها بكونه شخصا عاديا يخطئ ويصيب.
يضعف ويحتاج المساعدة غمره بأحاسيس مبهمة من الامتنان والراحة..
كانت تلك أول مرة يشعر بها شخص ما أن أسامة المحمودي المراعي والمتفهم رجل المهام الصعبة ليس سوى مجرد بشر لا يمكنه تحقيق المعجزات.
كان دوما يفخر بمساعدته لكل من يحتاجه وكونه أهلا للثقة لكن وبمرور السنوات، نمى بداخله شعور بالتعب والعجز.
كان قد استُنزف حرفيا بسبب مراعاته للجميع حتّى نسي نفسه واحتياجاته.
نسي أنه بشر وله قدرات محددة.
وكان عرض يارا قشة أنجدته لأنّه يعلم أنه لم يكن لينجح وحده في مهمة مماثلة ويخشى ما يخشاه أن يضيع حقوق الناس أو يهمل دون قصد.
لذا فحضورها سيكون مناسبا جدا وسيخفف عنه الكثير
حضورها سيغير كل شيء.
أوقف سيارته أمام منزل الدّكتور عزيز واتّصل بمعاذ يتأكّد من حسن سير الأمور حسب ما اتفقا من قبل.
ترجّل بعدها ورنّ الجرس بهدوء ووقف منتظرا بصبر .
وسرعان ما فتح الباب بقوة كادت تفزعه .
كانت واقفة بإطار الباب ترتدي سروالا من الجينز واسعا وسترة خفيفة تغلقها بدبوس بسيط فوق قميص قطني وردي اللون.

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن