الفصل الرابع والعشرون

88 4 0
                                    

لكلٍّ منّا معارك فاصلة تخوضها أرواحنا في وقت ما... تقلب كلّ ما بداخلنا وتعصف بنا... تؤلمنا... تصهرنا وتصقلنا ...
لكنّ ظهورها للسطح خطر لأنها بقدر ما قد تقتلنا.... قد تحيينا ربما! .
لا أحد يعرف!
لأنه لا ضمان للسيطرة عليها سوى تلك القوة التي نجمعها ممّا حولنا من طاقة وأمل قد يغيبان فنهلك..
تلك المعارك اللانهائية هي نتاج مخاوف تراكمت على مرّ السنين دون أن تُمنح فرصة للخروج للسطح لكن إخفائها بدل أن يقهرها غذّاها بسحر مدمّر لا يوقفه سوى تقبلنا لها قبل مواجهتها....
فهل ننجح يوما في احتواء تلك الأشباح بدلا من محاولة دفنها دون جدوى؟

__________________________________________________________

جالت عيناه بما يحيطه والقبضة تزداد قسوة حول قلبه وهو يدرك أنه على بعد دقائق من مكان الحادث القديم فتسمّر مكانه متصلبا وازداد ذهوله وهو يراها تنزل من السيارة وتدور حولها لتقف أمام المحرك..

فخرج بدوره بصعوبة والذكريات تكاد تطيح به... وما أن استجمع نفسه حتى صاح بها بانفعال :"ما الذي تفعلينه يا غاية؟ ما الذي.."

قاطعته بحزم :" لا أصدق أنك نسيت أن ليليا ونافع من نفس البلدة..  والآن القرار لك... إمّا ستواجه خوفك يا ربيع وتوصلني بنفسك لصديقتي أو تهرب كعادتك وسأستقل سيارة أجرة... كفاك تخاذلا. حياتك تضيع وأنا لا أقبل بأن أشاطرك عالمك المنهار. أريد كلك يا ربيع.. لا أريد أن ألجأ لشخص آخر في أزماتي غيرك... وأنت ستختار من سينتصر في هذه الحرب السرمدية التي تخوضها منذ ذلك اليوم ... ما الأعظم حبك لي أم خوفك! "

للحظات وقف متصنما مستندا على سقف السيارة ثابتا بجمود غير أن عينيه كانتا أبعد ما يكون عن ذلك... الصراع فيهما كان محطّما... إعصار من الألم عصف بهما وزوابع من الذنب احتلت خضارهما فاستحال رمادا منثورا...

شعرت غاية بقلبها ينتفض وهي ترى ملامحه المتوجعة وصدره اللاهث وكأنه على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ألما...

شعرت بعبراتها تكاد تنسكب فتطفئ نيرانه ولذلك أولته ظهرها وقالت بقسوة :" إلى متى سألجأ لغيرك كي يساعدني؟ لم عليّ أن ألاحق أسامة بمشاكلي وأنا لدي.. أنت.... ماذا لو تزوجنا وأصبح لدينا أطفال؟ من سيشاركني رعايتهم؟ من سيأخذهم للطبيب عند مرضهم ومن سيسندهم عند الأزمات؟ من سيشاركني مسؤوليتهم؟ ماذا سيكون دورك إن لجأت أنا كل مرة لوالدي وخالي ثم أسامة؟ من ستكون أنت إن شغلوا هم كل أدوارك؟"

كانت دوامة الماضي تسحبه بغدر فتكاد تغرقه وكان صوتها طوق نجاته الوحيد فتشبث به بكل مقاومة وهو يسدّ أذنيه بملأ كفيه محاولا إيقاف الطنين العالي الذي يكاد يصيبه بالصمم.... ينظر لهيئتها أمامه ملأ عينيه عله يبعد صور الماضي... الدم ورائحة الموت.... الأضواء.... والظلام...

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن