الفصل الثامن

76 5 0
                                    

هكذا الأقدار... وجع مكتوب وقهر يعقبه فرج وفرح ممزوج بالشقاء... هكذا هي الدنيا دار نقص.. لن نصيب كمالها! والصبر دوما هو المفتاح!

أوقفت سيارتها أمام بيت والدها بهدوء تحسد عليه وهنأت نفسها داخليا على هذا النجاح فهي تكاد تسقط قتيلة من المجهود البدني والنفسي الذي بذلته اليوم!
ظلت جالسة مكانها مطرقة برأسها فوق ذراعيها المضمومتين فوق عجلة القيادة في عادة منذ الصغر لم تتركها... كانت مرهقة بشدة ولكن الإرهاق هذه المرة طال جسدها أيضا...
روحها التي شاخت كانت قد بليت من كثرة ما حملتها به من سواد وحتى قلبها لو استطاع الشكوى لفعل بسبب قسوتها الحجرية وصلابتها على حساب وجعه...
لكنها الآن لم تستطع دفن ألمها كالعادة لأنه كان ثقيلا وأكبر حجما من أن يحتويه قلبها المثخن بالجراح... هي بحاجة ماسة لحضن دافئ يخطفها قسرا من متاهة جليدها...بحاجة للمسة حانية كمسكن...
تحتاج سكونا يطرد ضجيج رأسها... سئمت الوحدة... وما عادت قادرة على ادعاء اكتفائها بنفسها... كانت صادقة لأبعد حد مع سيسيل...
هي تحتاج الدفء.... تحتاجه بشدة وستحصل عليه ولو عبر تلمسه من بعيد في أركان بلدها الذي استقبلها أخيرا بعد طول سني الغربة والاستلاب...
دخلت البيت وأغلقت الباب خلفها بهدوء...
ووقعت عيناها فورا بعيني ذلك الجالس بغرفة الجلوس في ظلام نسبي ورغما عنها أعادها عقلها قسرا لنفس الموقف منذ سنتين حين التهمت نيران كبرها حقول قلبها اليافع فتركتها جرداء خاوية....
كانت قد تمنت مرارا بينها وبين نفسها في ركن من قلبها لو تكرر الموقف أو لو عاد بها الزمن لتتصرف بطريقة مغايرة...
وهاهو القدر كريم وأعطاها الفرصة التي تمنتها...
وقف عزيز من جلسته وتقدم نحوها هادئا مهيبا... بعينيه يجتمع حنان الكون مخفيا بصرامته المعهودة ولمحة من... الخوف !
سألها بثبات حاول رسمه :" أين كنت حتى هذه الساعة؟ انها الحادية عشرة!"
لم تختر جداله ولا حتى بدر منها أي اعتراض بل ردت بخفوت موجز :"كنت أزور العم رضا... طلبت منه أن يأخذني لسلام!"
بدا متفاجئا بل مذهولا فحين تأخرت عن موعد عودتها اليومي من الشركة بأكثر من ستّ ساعات كاملة فكر في لحظة جنون أنها قد تركته مجددا! ولم يفكر للحظة بأنها من المنطقي أن تزور سلام!
والآن بدأ يستوعب حالتها البائسة وسبب تورم عينيها البسيط!
يبدو أن صغيرته قد بكت بشدة...
توتر ولم يعرف ماذا يفعل وهو يراقبها بعجز تتحامل على قدميها لتتجه لغرفتها بالأعلى
أيلحق بها لكن ماذا لو رفضته وهو بالكاد بدأ في ترميم أنقاض علاقتهما أم يتركها وحدها؟! لكنها بالتأكيد تحتاج وجوده؟
حسم صراعه صوت خطوات حثيثة تطرق الأرض بقوة ثم رآها تعود لتقف أمامه مطرقة الرأس تشبك أصابع يديها بتوتر قبل أن تهمس بخفوت:" هل... هل يمكنك.... أن أعني.. أريد... هلاّ تضمني... بابا؟"
أوجعه قلبه... آلمه بشدة على ابنته التي تبدو كطفلة صغيرة تائهة وفتح ذراعيه دون تردد في دعوة صامتة قبلتها على الفور فألقت بنفسها بين ذراعيه وسمحت للدموع التي كبتتها طوال اليوم أمام رضا وحتى في طريق العودة الطويل بالتحرر أخيرا....
تبكي شاهقة بعنف سنتين ضاعتا هدرا من عمرها....
تبكي خساراتها واحدة تلو الأخرى تتنفس بتلاحق حتى أنه خشي أن تصاب بنوبة فشدد من احتضانه لها وعاد بها ليجلسها على الأريكة بجانبه يضم رأسها لقلبه ويده اليمنى تتخلل خصلات شعرها السوداء الفاحمة بينما اليسرى تربت برفق على ظهرها حتى هدأ ارتجافها بعد وقت ليس بالقصير فحاول رفع رأسها ليحادثها.... يواسيها... يربت على وجعها أو حتى تشرح له عن سبب بكاءها وما أن فعل حتى ذاب فؤاده لمنظرها....
كانت نائمة!
وضع رأسها برفق على إحدى الوسائد ثم استقام يرفع قدميها ينزع منهما حذاءها الصيفي الخفيف ودثرها بلحاف أحضره من غرفتها
…………….....
يالها من محاربة! هذه المحاربة هي ابنته...
يارا الصادق مصدر فخره وعزته وعائلته الوحيدة...
هاتف رضا صباحا بعدما عانى بشدة كي لا يتّصل في الليل فيحرج ابنته ويظهر أنه لا يثق بها وبحديث بسيط جرّه بمكر ليعلم منه كل ما حدث البارحة بالتّفصيل...
ابنته المجنونة قادت سيارتها لمدة تسع ساعات ذهابًا وإيّابًا من أقصى الشمال للجنوب.... كم هي جبّارة... صلبة...وكم هو فخور بها
ومن وقت إنهائه المكالمة وهو يفكر في حل يخرجها به من متاهتها...الحيرة تتلاعب به بين مد وجزر وهو يفكر ويفكر
يارا قبلت بمنحه نصف فرصة لزرعها بأرضها وسيدفع روحه كي لا يخسرها مرة أخرى ... كان مخطئا... يعترف!
وهي من دفعت ثمن أخطاءه واحدا تلو الآخر وكم كان الثمن باهضا!
لم يكن يجدر به إبعادها عن بلدها وهويتها لكنه كان غاضبا... غاضبا بشدة بكبرياء محترق ورجولة مراقة
لم يتفطن في فترة اندفاعه وزواجه السريع بماري أنه قد جلب روحا بريئة ليلقيها في جحيم وجعه.. لم يفكر في مستقبل هذه القطعة منه...
كانت ماري متنفسا لكرامته المهانة وقلبه المكلوم... مسكّنا قصير المفعول أما هو فقد كان مغامرة تاقت لها شابة متهورة جامحة وللحصول عليها رضخت لتقييد نفسها بالزواج منه ليتفاجآ بعدها بحملها!
وردّ فعلها كان متوقعا حين عرضت عليه بمنتهى البرود أن تقوم بالإجهاض طالما لم يتجاوز عمر الجنين شهرين أما هو ورغم موافقته المبدئية على الفكرة خصوصا أنه كان مجرد طالب شاب إلا أنه كان يتلكأ ويماطل مستجيبا لتحذير قلبه وضميره فقد كان يعلم كيف تتم تلك العمليات وكيف سيقتل طفله إلى أن حسم جدله ذات يوم بعدما تلقى اتصالا من مسعود يخبره بأن سكينته ضاعت منه للأبد فقرر إيجاد ملجأ آخر يحتويه وأقنع ماري بالحفاظ على الجنين...
ومرّت الأشهرُ ووُلدت طفلته... ببشرة لبنيّة صافية تميل للوردي وشعر أسودَ كجناح الغراب... وعينين يختلط فيهما موج البحر المجنون مع رمادية السماء الحزينة أسرتاه وأعادتا الطمأنينة لروحه ما أن رآهما
وهكذا كانت يارا نبراسا ومنقذا من الظلمة والوجع الذي أغرق روحه...
كانت عائلته الوحيدة ولا زالت... لم يدعها يوما ابنتي بل حتى أنه سجلها في الهاتف عائلتي!
كانت رفيقة وأختا وصديقة رغم صغر سنها تخفف عنه وتضمه وتؤنسه حين لا يجد أحدا لكنه آذاها.... آذاها وحطمها
تركها لأمها وتنصّل من مسؤوليتها يدّعي أن الأم أولى بتربية أطفالها وبدورها تركتها ماري لمربية عربيّة متمرسة بسبب انشغالها فأمضت طفلته سنيها الأولى في فيلا فخمة وحيدة بمعنى الكلمة لا أب يقوّمها ولا أم تحتضنها...
لم تكن تحظى سوى بزيارة منه كل أسبوع أو أسبوعين كانت تفرحها لأبعد حدّ إضافة الى سويعة أو اثنتين تخصّصهما ماري كل يومين لأجلها
كانت طفلة دافئة متفهمة لكنها كبرت وليتها ما فعلت... كبرت وحيدة وسط مجتمع لا رادع ولا حد يلجمه ورغم كل شيء انتصرت فطرتها البريئة فنُبِذت.. تعرضت للتنمر مرات عديدة..
سكتت لوقت طويل ثم انتفضت منتقمة ذات يوم ووصله اتصال عاجل من مدرستها وقرار بفصلها بعد سحلها لزميلة أكبر منها بثلاث سنوات تفوقها قوة وحجما..
.وقتها فقط قرر إنقاذ روحها قبل فوات الأوان وعاد بها لموطنها واستقر في العاصمة ومجددا تعرضت للتنمر والنبذ فقد كانت جاهلة بالكثير من الأشياء عن دينها ووطنها وعاداتها بسببه!
لا تعرف حتى كيف تنطق الأحرف العربية حتى طالبه رضا بحزم بإحضارها لتتربى وسط عائلتها حيث تنتمي فلبّى وعاد لمسقط رأسه ولاحظ بعدها اندماجها وروحها التي بدأت تتألق...
تعلمت الكثير عن دينها وتاريخ أرضها بفضل رضا وعلمت أن ما كانت ترفضه بفطرتها وتظن في نفسها أنها معقّدة كان صوابا بل أوامر حثّ عليها دينها الحنيف...
تعلّمت ولعبت وركضت وتنفّست فوق أرضها الأصلية فأينعت وكانت لها سلام نعم الرفيقة والأخت...
حينها ظن أنه انتشلها من الضياع لكن القدر أبى أن يمنحه سعادة الانتصار دون عقاب وكانت أنانيته سببا في تحطيمها من جديد.... لكنها عادت مجددا تمنحه الفرصة لينقذها...
كم هي كريمة هذه الفتاة! وكم هو قاس جاحد!
لن ينسى مطلقا النظرة في عينيها وهي ترى احتواء أسامة واندفاعه لحماية أخته...ابنته جائعة للحنان... حنانه هو خاصة وهو لا يعلم كيف يساعدها والحل يكمن في فك معضلته الأبدية التي شرحتها ذات مرة بانكسار :" كنت والدي دوما ولم تكن أبي لمرة"!
***********************
حين استيقظت صباحا استغرقت بعض الدقائق لتتذكر ما حصل في اليوم السابق وحين فعلت تنهدت بخفوت ثم نهضت بخطوات مثقلة للحمام...
أخذت حمّاما طويلا تريح به تشنّج عضلاتها وقد حرمت من عادتها الأثيرة بالسباحة يوميا لساعة أو أكثر قبل الشروق نظرا لافتقار بيت والدها لحمام سباحة...
ترفع رأسها للأعلى مستقبلة المياه التي تنزل على وجهها لتغرقه حتى كادت تختنق... ظلّت هكذا لفترة ثم تحرّكت تلف منشفة طويلة حولها قبل أن تخرج من حوض الاستحمام لتقف أمام المرآة... تمسح قطرات الماء التي علقت بها وهي تتأمل وجهها الشاحب...
عضت شفتها السفلى ونظراتها مركزة على عينيها ثم قالت ببرود :" يارا الصادق! عدت لسيرتك القديمة... لنفس ضعفك المثير للشفقة... كفى... كفى... كفاك ضعفا! كفى ...كفى ..كفى لن تبكي بعد الآن... لن تبكي حتّى تأخذي حقّها... لن أسمح لك!"....
ارتدت ثيابها على عجل ولم تهتم حتى بتجفيف شعرها بل حملت حقيبتها ونزلت السلم سريعا متجهة لعملها...
كادت تصطدم بعزيز الذي خرج من المطبخ حاملا طبقا من العجة وكأس عصير لولا أنه تراجع بخفة وقال :" صباح الخير يا يويو.... تعالي لتأكلي! "
"لن أستطيع حقّا ..لا أملك الكثير من الوقت "
لاحظ حقيبتها الضخمة فهتف: "إلى أين؟ ظننتك ستأخذين إجازة اليوم"
"كنت في إجازة البارحة ...ليست شركة والدي لأتدلل"
نظر إليها مصدوما فهمهمت بتوجّس:" ماذا...هل قلت شيئا سيئا؟ ظننته مثلا شعبيا...خالتي منيرة دوما تردد هذا الكلام"
هزّ رأسه وأجاب :" لا عليك"
بينما مالت يارا لتخطف كأس العصير من يده لتتجرعه دفعة واحدة وقالت بسرعة "يوما سعيدا بابا""
ثم ركضت خارجة تستقل السيارة التي كانت قد استأجرتها...
***************
وعدتُك...
أن لا أُبالي بشعْرك حين يمرّ أمامي
وحين تدفّق كالليل فوق الرّصيف
صرخت
وعدتك..
أن أتجاهل عينيك، مهما دعاني الحنين
وحين رأيتهما تمطران نجوما
شهقت ..
وعدتك ...
أن لا أوجه أي رسالة حب اليك
ولكنني –رغم أنفي- كتبت
وعدتك..
أن لا أكون بأي مكان تكونين فيه
وحين عرفت بأنك مدعوة للعشاء ذهبت
وعدتك أن لا أحبّك
كيف؟
وأين؟
وفي أي يوم تراني وعدت؟
لقد كنت أكذب من شدة الصدق،
والحمد لله أني كذبت ...
نزار قباني
~~~~~~~~~~~~~~~
ما الذي يفعله بنا الحب؟! كيف يحيينا ويشقينا؟
لماذا ذهب إلى هناك؟! كيف نقض وعده لنفسه بعدم الاقتراب؟! لماذا يعذب نفسه...
أينقصه عذاب؟ كيف لم يفكر؟ لكن هل بقي فيه عقل أساسا ليتذكر ذلك الوعد؟
ألا يحق له أن يشبع من رؤياها وجها لوجه بدلا من تعقب أخبارها بلهفة من وراء الشاشات ومجرد سؤال عابر يلقي به لأخته الثرثارة على فترات متباعدة حتى لا تشك؟!
ألا يحق له أن يشبع قلبه منها قبل أن يفقد كل حقوقه فيها؟ ألا يحق له تأملها بحرية لآخر مرة؟!
خطبتها لأسامة باتت أمرا واقعيا مفروغا منه. هذا ما يراه في عيني عمته وزوجها ويا خوفه من غد يدعونه فيه ليحضر جنازة روحه.. ماذا سيفعل حينها؟ كيف سيهرب؟ بل كيف سيتحمل هذا الوجع؟ كيف سينساها؟ كيف يراها كأخت له بعد أن كانت مليكة قلبه؟!
حين فتح له زوج عمته الباب ناظره بتفاجئ... الكل كان مصدوما وكأنه شبح ظهر أمامهم من العدم..
مدّ يده ليسلم على رضوان بأدب ثم تجاوزه ليتجه لغرفة الطعام...
وقعت عيناه عليها فورا....
كانت واقفة تضم كفيها فوق الطاولة تناظره بثقة وشيء لامع يتسلل منها إليه لم يدرك كنهه..
ثم ابتسمت...
تلك البسمة التي تسرق نبضة منه دوما حين كان يراها في الصور التي تشاركها مع متابعيها..
تلك البسمة التي تجعل صدره يتأجج بنيران الغيرة والغضب الأعمى من كل عين ستراها...
تلك البسمة التي تخبره أن كل شيء سيكون بخير.
نظرات أسامة ورؤيا لم تخلو من الدهشة. وحدها تسنيم من التوى طرف شفتيها في شبه ابتسامة ماكرة ثم قالت :" اجلسي غاية... ليست أول مرة ترين فيها ربيع ثم أنه ليس بهذه الأهمية لتقفي له إجلالا... وأنت يا ربيع تفضل بالجلوس وشاركنا"
تسلل الأحمر القاني لوجنتيها ثم قالت بهدوء متلعثمة :"لا...لا... كنت ذاهبة للمطبخ.. أمي نسيت العصير"
ثم فرّت من أمامهم هاربة بينما جلس هو جوار أخته تسنيم وتسلّم بهدوء الطّبق الذي جهزته له عمته الفرحة.
عاد الصخب للطاولة ما أن استقر الجميع وبعد أن أحضرت غاية العصير
عادت للمطبخ مرّةً أخرى لتخرج حاملة طبقا كبيرا وضعت به قطعا من "البراوني" كانت قد حضّرتها صباحا...
نظر إليها أسامة بفزع ثم همّ بالنهوض وقال مخاطبا عمّته: "الحمد لله لقد شبعت عمّتي "
إلّا أنّ غاية كانت أسرع منه وهي تضع أمامه صحنا ممتلئا بقطع المرطبات وقالت بحزم :" ستأكل حصتك من التحلية يا أسامة قبل أن تتحرّك لأيّ مكان"
"ولماذا حصّتي أكثر من الباقين؟" تمتم ببؤس
فناظرته بشرّ وردّت:" لأنك أكثر من يحبّها"
ضحكت بشائر بسعادة وقلبها يمنيها بالكثير
فيما أكملت غاية توزيع قطع المرطبات على الجميع حتى وصلت لربيع الذي كان منهمكا في تناول طعامه بهدوء فتوترت للحظة وهي تقيّم القطع المتبقية وبعد لحظات تشجّعت ووضعت أمامه حصّته فرفع يده يشكرها بهدوء دون أن يرفع عينيه....
كان يصطلي بنيران الوجع والغيرة...هذا أبسط تعبير عن حاله...تائه بين قلب يريد ولكنه مكبّل بالخوف وعقل يردعه بحزم...
ها هي نظريّته تتأكّد وعليه أن يجهّز نفسه ليضع قلبه على مقصلة الإعدام قريبا...
أفاق من شروده على يد بشائر التي كانت تربت على عضده بمحبّة وسألته :"هل أعجبك الطعام ؟ لا بدّ أنك اشتقت لأكلنا "
ابتسم ربيع وسحب منديلا ورقيا لينظف فمه بأناقة ثم قال:" في الحقيقة ...لا... لأنني دوما أزور مطعما تونسيا هناك ...صاحبه موهوب جدّا كما أن والدة بيرم تحضر كل بضعة أشهر لزيارته فتعد لنا الطعام ...لكنني بصدق اشتقت لأكلك أنت عمتي"
ابتسمت بشائر بامتنان بينما علّق أسامة الذي كان يلوك قطعة من الحلوى أمامه يقاوم كي لا يغصّ بها:" وليتها ابنتك تعلمّت منك يا عمّتي"
ضحكت رؤيا وتسنيم بينما أحاط رضوان بكتفي ابنته الحانقة وقال:" توقّف عن إزعاج ابنتي يا أسامة...هي ستتعلم "
قالت غاية بعد فترة:" اقترب عيد الأضحى وسنقيم الحملة السنوية لجمع التبرعات والخرفان قريبا ...هل ستشاركنا يا أسامة؟"
"بالطّبع...فقط أخبريني بالمواعيد"
قالت رؤيا بحماس:" وأنا أيضا سأشارك "
فردّت بشائر بحزم:" أنت ستهتمين بنتيجة البكالوريا حاليا وبعدها لكل حادث حديث"
تجهّمت ملامح رؤيا فتدخّلت تسنيم قائلة:" وأنا أريد المشاركة غاية...ما هذه العنصرية؟ دوما تخبرين أسامة فقط"
رمقها أسامة بامتعاض وقال:" ربما لأن أسامة يهتم"
تجاهلته تسنيم وتابعت:" لم أنسى حتى الآن رحلة وادي الزيتون التي أخفيت أمرها عن الجميع ولم أعرف بها سوى من قصصك على الانستغرام"
تهرّبت غاية من نظرات والدتها وقالت بهدوء:" لم أخبرك لأن الرحلة تقررت في فترة المراجعة التي تقدّمها كليتي وأنت وقتها كنت تدرسين كما أن الأمر كان مفاجئا لنا ولم نعلم بالموعد سوى قبل يومين"
" إذن ستخبرينني بمواعيد حملتكم هذه المرّة."
ابتسمت غاية وردّت بوعد:" سأخبرك...(ثمّ خاطبت أسامة قائلة): قد أحتاج إليك في الأيّام القادمة...وصلتني عديد الرّسائل من حالات في أمسّ الحاجة لرعاية طبية ورغم أنّ الدكتور عزيز غير مقصّر في مساعدتي إلا أنني بت أشعر بالحرج كلّما لجأت إليه فهو مشغول جدّا"
أومأ أسامة :" بالطبع ...سأكون موجودا لمساعدتك دائما وقد نستعين ببعض أصدقائي...سنتدبّر الأمر معا ...لا تقلقي"

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن