الفصل العشرون (الجزء ٢)

83 3 0
                                    

حياة طويلة خالية مضت دونك بين أمواج الضياع والحيرة وحين بلغت مرافئ أمانك أحرقتِ كل مراكبي فلم أعلم أكان الوجع بسبب سراب قتلني أم بسبب حب دمرني.....
ما يزال البحر بعواصفه خلفي مرحبا بعودتي يعدني الأمان..
لكنني لا أستطيع المضيّ.. وليتك تعرفين.
أيا مليكة القلب و... مهلكته...

********

فور أن توقّفت سيّارة عزيز أمام منزلهما اندفعت يارا تمسك عتلة الباب تفتحه مندفعة بسرعة أخافت والدها..

طوال طريق العودة، كانت تكاد تغصّ بدموعها مع كل متر يقطعانه مبتعدين تحاول مجاراته في الحديث والمزاح لكنّ شيئا ما.... شيئا بعينيها كان ينذر بعاصفة شعواء مدمّرة تدور بداخلها.

لأوّل مرّة لا تشعر يارا بالرّاحة لعودتها لمنزلها.. فقط بالألم حيّا يقبض على قلبها ويعتصره معاقبا..

ركضت وركضت حتى بلغت غرفتها فأوصدت بابها ثم خلعت فستانها بعصبية تلقيه أرضا ورفعت يديها لشعرها لتنزع المشابك اللؤلؤية بقوة ضاعفت الوجع بقلبها لينتشر برأسها..

وقفت تتأمّل أرجاء غرفتها شاردة تائهة وقد خسرت قدرتها على التحكّم في نفسها... تتخلّل خصلات شعرها القصير المموّج بضياع غير قادرة على الحراك وكأنّها مكبلة..

ثمّ وكأنها تحررت من عقالها فجأة اتجهت نحو الحمام وفتحت المياه لتسيل غزيرة باردة أصابت جسدها بانتفاضة عنيفة وكأنّ مسّا كهربائيا صعقها فأغلقت الدشّ بأصابع مرتجفة وهي تشهق متلاحقة الأنفاس لدرجة جعلتها تعتقد أن رئتيها ستنفجران...

ابتسمت بوهن وهي تفكّر بأنه انتقام مثالي من قلبها الغبي لكنّ ابتسامتها سرعان ما ماتت لتتحول لشهقة متوجعة تبعتها أخرى وأخرى والألم يعود ليغزوها دون رحمة فانزلقت على طول الجدار خلفها حتى جلست في النّهاية بانكسار وهي تخفي فمها بكفيها تغطي شهقات بكاءها التي علت وعلت وكأن فؤادها يشاركها العويل.
بينما ذابت بحيرات جليدها نهائيا..
لقد حطّم أسامة صرحها الجليدي الشامخ وأحاله أنهارا فاضت من مآقيها حارّة مهلكة..

احتضنت نفسها وهي تستسلم أخيرا تفترش الأرض الباردة  تواسي نفسها شاعرة بحاجة قاتلة لحضن سلام!
...

وفي الخارج، لامس عزيز بقبضة متكورة وجعا باب غرفة ابنته وقد وصلته صرخات انهيارها..
يلامس الباب مرّة بعد مرّة وكأنه يمر بيده على كلومها فيحاول تطبيبها..

وكأنّ التاريخ يعيد نفسه!
ها هو يقف للمرّة الثانية عاجزا عن مواساتها..
عاجزا عن تقديم الدعم وطلب الغفران..
لكن الفرق هذه المرّة أنه لا يعلم حتى سبب علّتها!

وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن