المقدمة 🍃🍃

1.1K 15 4
                                    

اهدااء
لأمي...
كل شيء يبدأ عندك وينتهي 😍😍🙈






يقال بأن مُضِيَّ الزمن يشفي الجراح
ويخفف الأوجاع.... تلك قاعدة وككل القواعد لها شواذ..
الزمن غدّار فما بين لحظة وأخرى٠قد تنهار حياة وقد تبنى! تلك قاعدة أيضا لكن ليس لها شواذ..
**************************************
الليل كائن غامض سريالي ...لعل قتامته تعود لمقدار حفظه للعديد من الأسرار....
بدأ الأمر بمزحة بسيطة بين الأصدقاء... هكذا ظن كلاهما..! لكنه لم ينتهي أبدا!
كانت ليلة باردة لدرجة أثارت استغراب الجميع خصوصا وشهر أوت قد ودعهم قبل أيام قلائل ...لكن في مدينة بنزرت لم يكن أحد ليعترض أو يهتم بتبدل الطقس فقد ألفوا تقلبه المجنون منذ زمن ولعل ذلك يعود لطبيعة السكان الثائرة الجامحة ... كان السكون يطغى على ذلك الطرف من المدينة ولم يعكر صفوه سوى صراخ عال كان يصدر عن شاب ثمل يخرج من احدى الحانات الفخمة المعروفة يبكي شاتما بكلمات متقطعة لم يخفي تقطعها بذاءة الألفاظ يلحقه شابان من نفس سنه يحاولان السيطرة عليه لكن كلما تقدما منه كان صراخه يرتفع أكثر فأكثر مصحوبا بعويله المتحشرج .." ابتعدااااا ابتعدا عني يا نجسين... ابتعدااا.. لم ترتاحا الا وقد لطختماني بوسخكما"
ظل يسير ببطء مترنحا مهرتلا حتى وصل لسيارته بأعجوبة وفتح بابها ليجلس في مقعد السائق يحاول تشغيلها .فهتف به الشاب الأقرب اليه بتوسل وقد هرع ليقف أمام السيارة  :"توقف يا نافع أرجوك...دعني أنا أوصلك ..أنا آسف ..والله آسف دعني فقط أقود السيارة ولن أفتح فمي بكلمة... "
الا أن نافع لم يستجب بل شغل المحرك بالفعل... فأسرع الشاب واستقل المقعد المحاذي له وانطلقت بهما السيارة مسرعة كالبرق الذي يشق السماء القاتمة منذرا بخطورة العاصفة القادمة.

***********
في أقصى جنوب البلاد، كان صوت الطلقات النارية والزغاريد يختلط مع صوت الأغاني العالي...الشباب كونوا حلقة يرقصون دبكة شعبية جنوبية تميز تلك البقعة من تونس... و النسوة يرتدين الملية والبلوزة جالسات بعيدا عنهم يصفقن ويتحادثن...وأطباق الحلو والعصائر توزع  بين الحضور..
العريس كان ضمن حلقة أصدقائه يرقص فرحا...
أما هي فجالسة على كرسي العرائس... متجمدة كلوح جليدي زائغة النظرات... فقط أصابعها  المرتجفة تكمش قماش الفستان الأبيض الناعم بعصبية وتوتر ملحوظين...
حين انتصف الليل،غادر قسم كبير من المدعوين ولم يبق سوى أقلية مقربة من العائلتين..
  ومن وقفته الجانبية الوقورة نظر مسعود لزوجته نظرة ذات معنى ففهمت الإشارة واقتربت من ابنتها العروس ورفعت طرحتها التي تغطي وجهها الشاحب قليلا وهمست لها :" تجهزي سلام.. بعد قليل ستغادرين مع زوجك" ثم رفعت صوتها :" تعال يا ماجد لتأخذ عروسك"
ولبى ماجد دعوتها مسرورا فاقترب من عروسه وانحنى قليلا هامسا بشيء ما لأذنيها فقط...
وعندها انتفضت بجنون متعثرة في طبقات الفستان الضخمة ثم ركضت إلى والدها وانحنت أمامه تمسك بيده مستجدية :" لا.. لا تتركه يأخذني.. بابا لقد وعدتني... بابا! "
نظر مسعود بوجه ممتقع للحضور من عائلته وعائلة العريس ثم اغتصب ابتسامة صغيرة وقال بصوت عال كي يغطي على صوت شهقاتها الباكية:" قلب الفتاة هكذا! لا تريد ترك أبيها..." ضحك قليلا ثم نهرها بجمود حريصا كل الحرص ألا يعلو صوته :" قفي يا سلام وتوقفي عن جنونك والا قسما بالله سأدفنك تحت الأرض! " الا أن سلام لم تنفذ ما قاله لأول مرة في حياتها بل ظلت تهز رأسها رافضة مرتجفة برتم بطيء وشفتاها تهمسان بغير وعي:" لا!" أما عقلها فقد أخذها قسرا لمنطقة محظورة دفنت بها ذكريات بعيدة قريبة بين ثنايا الروح النائية... تصلب جسدها وازداد ارتجافها وتشبثت أكثر بيد أبيها الذي أوقفها قسرا ويده تحفر في لحم ذراعها هامسا بغضب:" سأقتلك يا سلام... كفي عن فضحي.. هل تريدين قتلي.؟ . قلت لنفسك لم تفلح فضيحتي الأولى فلأفتعل أخرى.. بصق أرضا ثم تابع همسه المتشنج فليلعنك الله من سافلة
. أغربي مع من اخترت" الا أنها لم تتحرك قيد أنملة... فقط نزلت دمعتان ثقيلتان من عينيها التان تناظرانه بوجع وتخبطها يزداد.. ...بدأ اللغط يسود  وتعالت أصوات الناس بين مستغرب ومستهزئ  فهتف في العريس :" تعال وخذ عروسك!"
اقترب منها ماجد وحاول امساكها درءا للفضيحة الا أنها دفعته صارخة :" ابتعد... ابتعد لا تلمسني!"
امتقع وجه مسعود أكثر بينما تدخل والد العريس :" توقفي عن جنونك يا سلام هذا زوجك... اذهبي معه وتوقفي عن الدلال الفارغ.. هيا"
لكن سلام عادت لوالدها تتمسك به تقبل يده مرات عدة باكية :" أرجوك يا بابا أرجوك.... دعني أبقى معك أرجوك... سأفعل أي شيء"
اقتربت منها زوجة والدها وخالاتها ووالدة العريس وطوقنها ووالدها يحاولن اجبارها على التحرك متجاهلات رجفة بدنها ونفسها الذي كانت تأخذه بصعوبة وأخذن في جرها... فاستسلمت للحظات وحين ارتخت قبضاتهم عليها جرت بكل سرعة ملكتها يوما تختطف المسدس الذي كان والدها قد وضعه في حزام مخصص تمنطق به بعد أن أطلق بعض الطلقات النارية احتفالا... ثم وجهته إلى صدر ماجد الذي عاود الاقتراب منها يحاول أن يأخذ منها السلاح بعدما لاحظ نظراتها المركزة عليه عند هربها من النسوة...
كانت تنظر اليه بقهر..بغضب.. .  بل بحقد عميق ونيران الانتقام تموج بداخلها تطالب به قربانا... فتراجع خطوات خوفا من الجنون البادي في نظراتهاو َقد عرف أنها لم تعد تملك شيئا لتخسره...
ارتفع صوت مسعود وقد احتقن وجهه غضبا وخزيا :" أنزلي السلاح.. أنزليه... هل جننت؟ ... لو قتلتك لكنت تخلصت من عارك.. لم تجلبي لي سوى الهم من يوم ولدت.."
انتقلت نظراتها لوجه والدها الذي كان يشع كرها وحقدا موجها.. لها! ليس له.. بل لها هي... فانطفئت جذوة النيران عن آخرها وازداد الوجع أضعافا... نزلت الدموع سخية وقد أشفق عليها قلبها المسكين الذي خذلت هي وفاءه فوجهت فوهة المسدس اليه وابتعدت حتى وصلت لحافة السور العالي فارتقتها ووقفت مشرفة على الجميع...
ازداد الهرج وماج الحضور بخوف بينما استشعر مسعود خطورة المصيبة فحاول الاقتراب منها يهادنها بهدوء الا أنها صوبت بجوار موضع قدمه تماما فانتفض مفزوعا ووقف ينظر إليها متصنما كحال البقية...
بينما علا صوتها بتحشرج صارخة :" اخرسوا....َاخرسوووا فليسمعني أحدكم.... الآن أنا سأتكلم وأنتم ستسمعون...."
وعلى بعد أميال عديدة... كانت يارا قد هربت من الحفل وهرعت إلى الحديقة تتصل بصديقتها... ريحان التي كانت تنظر لكل ما يحدث من سطح بيتها القريب فردت سريعا لتخبرها عن حال العروس الغريب وتهديدها للحضور...
" أنا... كل حياتي كنت صامتة.. فقط أسمع.. لا أعرف سوى كلمتين يا بابا... فقط نعم وحاضر.... ألم أكن ابنة صالحة بابا؟ تقطعت كلماتها بفعل شهقاتها المتحسرة المقهورة وكلها يرتجف انفعالا والمسدس مازال ملتصقا بصدرها.... ابتسمت بمرارة ثم ضحكت بهستيرية وكأنما تلبسها عفريت مجنون.... نظرت لوالدها تحديدا وركزت نظراتها على عينيه بألم تقطع له قلبها فجاد بمزيد من العبرات... وتابعت :" لقد وعدتني بعقابه... هو... وعدتني أن تعاقبه هو يا باااابااااا..... هو من قتل روحي لكنك عاقبتني أنا يا بابا.... لماذا تفعل هذا بي..لماااذاااا.. . أقسم بالرحمان أنه لم يحصل بارادتي...والله لم أرد هذا... أقسم بالله ليس بارادتي......
أنا.... أنا حاولت دوما أن أجعلك فخورا لكنني لم أستطع.. سامحني... سامحني يا بابا في حقك... (نزلت دمعتان أخيرتان قبل أن يجف السيل مع جمود وجهها..) . فليغفر لي الله...."
ومع آخر حرف كانت الرصاصة قد انطلقت مخترقة صدرها لتستقر في منتصف قلب تلك البعيدة التي انهارت صارخة :" سلااااااااااااام"...
*******×****************************************

حادت السيارة عن الطريق مرات عديدة وانحرفت...و كان ذلك الشاب يحاول إيقافها الا أنه لا يفلح.. ومرت ساعات عديدة  نزل بها مطر غزير ونافع لم يتوقف بل كان  يزيد السرعة بجنون حتى بعدما أصبحت الطريق زلقة.... وكان صديقه يهتف به بخوف :" نافع أرجوك توقف... نافع.. نااااافع"
وبعدها ظلام!
فقدت حياة ونصف!


وقد حل ربيعك بروحي! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن