الفصل الرابع والعشرون

139 4 0
                                    

الفصل الرابع والعشرون...........

قطبت رجاء جبينها وابعدت بصرها وامسكت جبينها كأنها في وعكة لثواني ثم التفتت وتطلعت بها بعيون دامعة وقالت بشيء من الضعف: "لست دمية قطن وبحياتي لم أفكر ان اؤذيك انت ابنتي الوحيدة ولا اريدك ان تبقين مع عاصم الراسي لأنه كالسرطان يفتك بجسدك رويدا حتى يقضي عليك ومنذ عرفته وانت تذرفين الدموع وتتعذبين وتتلقين منه شتى أنواع الذل والاهانة .... تدافعين عنه وعن حبك له وكأنه يحفظ كرامتك وكأنه يحتضنك ويعدك بالسعادة وهو كل ذلك لم يفعله لحد الان انه مستمر بإيذائك وستثبت لك الأيام والمواقف كم انا محقة وكم عاصم الراسي حقير ولا يستحقك .... ستندمين على حبه يا سارة وستبكين دما منه والأيام بيننا"
اضطربت اهدابها المبللة بدموعها وخفضت بصرها وشعرت بالعذاب من كلامها ليس فقط لانه جارحا بل لأنها قلقة أيضا منه ولأن اتهام رجاء له ليس بافتراء عليه هو فعلا لم يكلف نفسه باتخاذ اي موقف لصالحها بل انه يتحين أي فرصة حتى يغلطها امامه وامام نفسها وكأنه متربص لها!
لكن لا .... لا يجب عليها ان تكون غير منصفة وتحكم عليه بدون وجه حق هي من بدأت بالظلم والخداع والكذب هي من اوجدت القسوة ووجهت اليه الكثير من الطعنات وصدمته اكثر من مرة وكان كلامها حقير جدا معه عندما اشهر افلاسه موقفها كان مخجلا لم تقف الى جانبه ولم تدعمه حتى انها استغلت مهنتها وقلمها للتعرض له والتشهير به وتشويه صورته امام الملأ كل ذلك ترك ندوب بقلبه وجروح انفرته منها وباعدت بينهما المسافات وبات لا يثق بها وبالأخر توجت كل افعالها وعززتها بموقفها الأخير عندما رآها بعينه وهي جالسة بحضن تحسين وبين يديه موقف جارح لرجولته وكرامته وهي مستغربة كيف تمالك نفسه ولم ينهال عليها بالضرب او يقتلها كأي رجل يرى زوجته تخونه مع اخر! لكن يبدو ان عاصم يأس منها وصغرت بعينه كثيرا لدرجة انه لا يفرق معه عقابها وانه يفكر اليوم بتركها لتحسين والتخلص من ذلك العبأ خاصة وانه أخبرها بملء فمه ان عائلتها تجلب له العار وإنها ضعيفة جدا وسلبية ولا تعجبه
لكن املها تجدد اليوم وهذا الطفل سيصحح كل شيء كأن الله ارسله لها ملاك محبة وسلام ليحن قلبه ويسامح ويأخذها في بيته ويحمها من تحسين وبأسه والأيام كفيلة بان تثبت له انها انسانة أخرى وينسى الماضي.

رفعت بصرها ببطء عندما قالت رجاء وبنبرة باهتة وحزينة وهي تقترب: " انا انا اسفة لا اعرف كيف تجرأت وضربتك!"
ارادت ان تلمسها الا ان سارة ابتعدت خطوة ودفعت يدها بنفور وشراسة كأنها تقاوم تأثيرها عليها.
ابتلعت رجاء ريقها وقالت بضعف واحباط: "سارة ارجوك لا تسيئي الظن بأمك التي افنت سنوات عمرها تدفعك للأمام وللنجاح والقوة واغتنام الفرص .... انت أملي الوحيد بهذه الحياة التي لم تذقني حلوها يوما .... انت هدفي الذي لم احققه وحلمي المؤجل وفرحتي وضحكتي المكتومة الاسيرة بداخلي انت ثمرة جهادي وصراعي أعوام مع الزمن حتى اشد عودك واعدك صلبة لا تكسرك الأيام وتذلك كما فعلت بأمك .... كبرت امام عيني وازدت جمالا ورونقا وحليت بعيني فليس من العدل ان اصحى من نومي فجأة لأجدك ملك لعاصم الراسي وعجينة لينة بيديه يصنعك كما يشتهي يعبث بأعصابك ويضحكك ويبكيك متى شاء! انا اعمل جاهدة لأخلصك منه ومن قيوده لتأتي الي بخبر صاعق .... حامل! انفعلت جننت صدمت بالخبر و"
وامسكت يديها وشدت عليهما واغمضت سارة عينيها وهي تنساق مجددا لها وتنجرف اليها وتود ان تأوي الى صدرها لكنها تقاوم بصعوبة!
استرسلت بجدية وقهر ومرارة: " الامومة امر ليس بالهين كما تتوقعين ولا حلم وردي كما تعتقد اي فتاة .... الامومة رباط وقيد وغصة.... سهر ودموع حقيقية وتضحية .... الامومة مرحلة خطيرة وانتقالية بحياة أي امرأة تفقدها الكثير مما تتمتع به من حرية وجمال .... تسلبها مزايا لم تكن تشعر بوجودها حتى تفقدها وتتحسر عليها .... تفقدها العزيمة باتخاذ القرارات المصيرية وتجبرها على الخنوع والاستسلام...... الامومة نقطة ضعف المرأة التي سيضغط عليها الزمن من خلالها ويجهضها احلامها وامنياتها الواحدة بعد الأخرى .... وانت لست مستعدة الان يا سارة .... ظروفك صعبة وحياتك غير مستقرة لازلت لا تعرفين نفسك .... مازال الوقت مبكرا امامك ما زلت صغيرة وغير واعية للصواب ولم تختاري الرجل المناسب الذي ستكملين معه بعد وزواجك هذا فاشل وسينتهي بأي لحظة .... عاصم هذا سيتركك وربما يفكر بأخذ طفلك منك ويجرح قلبك مرارا فهو رجل حقود وانتقامي ويحتقرك لم يثق بك وسيبقى يشك بسلوكك وتستحيل حياتك الى جحيم سيؤذيك بمختلف الوسائل بأخذ طفلك او تركه وعدم الاعتراف به وستعانين .... موضوع الامومة مازال غير مناسب في الوقت الراهن وسيكون النار الذي سيحرقك بها عاصم ويكوي قلبك صدقيني مستحيل عاصم سيحبك ويحميك بقدر حبي وحرصي عليك .... اسمعي لي هذه المرة فقط يا سارة اجهضي الجنين وكوني حرة نفسك طاوعيني هذه المرة ولا تجعلي لعاصم لزمة يلزمك بها من يدك التي تؤلمك"

واغتنمت الفرصة لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن