الفصل السادس والثلاثون والأخير
ج2نهض وذهب بتخاذل الى غرفته وهو يقول بلطف: "سأرتاح قليلا في غرفتي جهزي لي الطعام يا رجاء من فضلك"
ذهبت رجاء الى المطبخ واتجهت سارة الى غرفته وفتحت الباب لتجده جالس على سريره متهدل الاكتاف
أغلقت الباب وادارت المفتاح واسرعت وركعت امامه وهزته من ركبتيه قائلة بعيون متشعبة الاوردة: "من هي هناء سليم الدردري؟"تطلع بوجهها وابتسم ثم هز رأسه وقال برقة ولطف: "اعجبتك الهدية يا سارة؟"
قالت بتهدج: "أخبرني ارجوك؟"تلاشت ابتسامته وبدى الاضطراب على محياه وحدجها بنظرة تحكي لها عن تردده وضعفه إزاء ذلك الموضوع وكأنه اراد ان يهرب من المواجهة بكل ما لديه لكنه محاصر امام عيناها المتعطشتان الى الحقيقة ودموع مترقرقه جعلته يبعد يديها القابضة على ركبتيه كأنها تقيده بقوتها الواهية ونهض وسار بخطوات بطيئة ومتخاذلة وهي تراقبه جاثية على ركبتيها ومستجديه بكل نفس يخرج منها اعترافه لعله يقول لها ان رجاء هي عدوتنا وان أمك ملاك وماتت اثناء ولادتك ليته يقول ذلك ليته!
لأول مرة تراه كبير في السن هكذا بدى لها بظهر محني وتجاعيد كأنها ظهرت لتوها ولم تكن تنتبه لها
نهضت ببطء عندما ذهب بحركة آلية الى خزنته الخاصة وراقبت أنامله المرتعشة وهو يدير الرقم السري وبدى بوجه شاحب وكأنه ذاهب الى حتفه!
اقتربت ومسحت الدموع المختلطة بماكياج عيناها الداكن الذي نزل الى وجنتيها وقطبت جبينها عندما فتح الصندوق واخرج منه صورة بالية وبأنامل مضطربة داعب الصورة وهو يقول بهمس وشفاه مرتخية: "هناء"
التقطت الصورة من يده وبهتت ملامحها عندما شاهدتها!
وتطلعت بعارف قائلة عبر شفاه بالكاد تتحرك: "هذه امي؟ هناء سليم الدردري امي؟ انها امي انظر الى شكلها! لون عينيها! تقاسيمها انا اشبه هذه السيدة كثيرا"
وتبادلا النظرات المرتابة والتفتا معا الى باب الغرفة الذي يطرق وأشارت سارة بيدها الى الباب وهي تقول بنبرة بالكاد تخرج وبنظرة اتهام: "وهذه من؟ من هذه المرأة التي ربتني على يديها سنوات عديدة؟ من تكون هذه التي اوكلتها رعايتي وغرس صفاتها ومبادئها بروحي؟ من هذه التي سلمتها زمام الأمور وانت مطمئن وراض؟"
ازداد الطرق لتقول رجاء بنبرة حادة: "افتحا الباب؟ عارف؟ سارة؟"قال بعيون جامدة وكأنه سافر عبر الزمن مسافات حتى وصل الى ما قبل سنوات عديدة قد تصل الى عشرين عاما او ابعد!
قال وكأنه الجد الذي يروي حكاية لأحفاده قد عفا عليها الزمن: "ارجعتني يا سارة بنبشك في الماضي الى حيث الشباب والعنفوان والهفوات والطيش والجنون والحقيقة وفورة العشق والغرق بإشباع الرغبات الى الشاب الذي غيب عقله امام نزوة .... مجرد نزوة ضاع بها الأول والأخر"
بدأ الطرق يخفت حتى توقف تماما ليردف عارف وهو يقترب منها ويتناول الصورة ويتطلع بها وبعيون تفيض ندم: "كانت هناء ارملة فائقة الجمال وثرية مطمع وحلم لأي رجل .... جمالها وشبابها وغناها جعلها فريسة يتقاتل على خطبتها الشبان وكان المحامي الذي اوكلته قضية ميراثها من زوجها السابق وكل ممتلكاتها وامورها هو تحسين الخوري زوج اختها الذي احتمت به من المشاكل التي تعرضت لها بعد وفاة زوجها وأصبح يبعد اذى الاخرين عنها ويحميها بكل صدق وشفافية حتى وثقت به واعتبرته اخ لم تلده أمها لكنه للأسف ليس كذلك .... تحسين استغل تقربها منه لتقع في نفسه ويغرم بها متجاوز الدين والأخلاق والقيم والاعراف لكنه كان يكتم مشاعره خوفا من خسارتها وكان بنفس الوقت يرفض أي رجل يتقدم لها وبكل عنف وتحدي"
هزت سارة رأسها وتهاوت على السرير ووضعت يدها على جبينها وهو يتابع: "أصبح بين نارين ولا يستطيع التفريط لا بزوجته المحبة ذات الأولاد ولا بالمرأة التي أحبها بجنون وكان يعرف ان هناء لم ترض به حتى لو فرط من اجلها بكل ما لديه ولم تحبه يوما لذلك لجأ الى أسلوب رخيص ابتدعه من عقله المتعفن المريض حيث قرر ان يزوجها من شاب يعرفه حق المعرفة ويدرك مواطن ضعفه ومدى قدراته شاب يستطيع ان يلعب به ويسيطر عليه متى أراد لسذاجته وتصالحه وثقته بالأخرين وبساطته شاب تافه لا ميزة عنده معلم صغير ساذج يعطي الدرس في قصره لطفله المدلل"
شهقت سارة و تلاحقت أنفاسها عندما رن الجرس وهرعت الى عارف قائلة بهمس وهي متشبثة بقميصه: "لقد اقبل تحسين"