الفصل الخامس والثلاثون..........
تنفست بعمق عندما أغلقت الهاتف بعد ان اتصلت بخالة عاصم وطلبت منها عنوان إقامة طارق.
طارق الراسي اول ضحية تخطتها وعبرت .... عليها ان تقف عنده كنقطة بداية وتعيد حساباتها ..... من هذه النقطة الأولى ستنطلق من جديد وكأن عجلة الزمن عادت بها الى اول يوم لقاء واعطتها الخيار برسم كيفية الطريق من جديد وكأنها ستضع نفسها بنفس الامتحان والاختبار الأول الذي رسبت به ومنحت فرصة أخرى ومعها خيار اما اغتنامها او الإخفاق مجددا!..............
طرقت على باب شقة صغيرة بعمارة بسيطة ليس لها أي ميزة ولا تناسب شاب غني مثل طارق .... لماذا يفعل ذلك بنفسه؟
تخلى عن كل شيء واختار العزلة والابتعاد رغم ان عاصم أخبرها انه تنازل عن املاكه وحقوقه له؟
معقول طارق مستاء من اخيه الى درجة التخلي عن حقوقه!
اليس من المفترض ان يكون أكثر شخص يعرف عاصم!
معقول يكون عاصم كما قالت لها رجاء؟ انه السبب بتدمير طارق وابعاد خطيبته السابقة عنه حتى يبقيه تحت سيطرته الى الابد؟ لا لا يمكن ان تقتنع!
اختار طارق ان يعيش بمعزل عن الاخرين لانه رجل نقي وبريء وما حصل له مرة من خطيبته ومرة منها ومرة من عاصم الذي يعتبره سنده الوحيد قضى عليه تماما وقتل الثقة بداخله حتى انه ليس سعيدا بما آل اليه وضعه الصحي! انه يمشي على قدميه بعد ان كان مقعد يائس الا يعني ذلك له شيء؟
فتح لها الباب شاب لطيف الشكل وتأملها وكأنه منتظر ان تتكلم وتعرف عن نفسها وسبب حضورها .... قالت بنبرة مهذبة: "مرحبا .... هنا يقيم طارق الراسي؟"اومأ الشاب موافقا وهو يتفحصها ثم قال باهتمام: "نعم .... تفضلي ان شئت"
قالت بلطف: "اريد مقابلته وعلى الانفراد لأمر ضروري لا اعلم من معه في الداخل لكن"
هو وبسرعة: "تفضلي تفضلي طارق بمفرده الان وانا سأنزل اجلب بعض الحاجيات تفضلي" "
فسح لها المجال ودخلت بخطوات بطيئة واومأ لها محملق بها ثم خرج وهو يتلفت خلفه ويتطلع بها عدة مرات ولا تدرك معنى دقيق لنظراته اعجاب بشكلها ام فضول وابتسمت له بتكلف حتى اغلق الباب .... لا يغرك المظهر ليس كلما يلمع ذهبا!
وسارت على غير هدى في رواق الشقة القصير ثم استجمعت قوتها واقتحمت المكان باحثة بنظراتها عنه حتى لمحته جالس في الشرفة المفتوحة وكأنه يتناول العلاج ودون ان يشعر بوجودها قال: "غيث.... قدح ماء قبل ان تخرج لو سمحت"وضع أقراص الدواء بفمه ودنت منه لتصبح خلفه مباشرة ثم قدمت له القدح وعندما نظر الى يدها التفت بسرعة وامسك بالكرسي بكلتا يديه وهب واقفا وهو محتد الملامح وكأنه يريد الابتعاد لكنها قالت: "تجربتي الفاشلة لم تغير بي شيئا .... ليس من العدل ان نحكم على الناس من خلال فرد خائن او قليل الذوق انا عكس اخي تماما .... اليس هذا كلامك سابقا؟"
تأرجحت نظراته بين وجهها ويدها الحاملة القدح وعاد جالسا واشاح عنها ببصره وقال هامسا: "عندما كنت مغفل"
هي وبسرعة: "عندما كنت نقي جدا وعادل"
وبدى متجهم ومتضايق لكن كلماتها اثرت به ليقل حدة ويتقبل وجودها .... طارق مرن ويتقبل سماع الاخر بخلاف عاصم المتعنت وهذا ما شجعها على مقابلته لأنها تعرفه وتعرف مدى بساطته.
قالت وهي تستدير وتقابله وبنبرة جدية وحزينة: "كرهتني بشدة"
قاطعها وبجفاف: "من فضلك لا اريد الخوض في أي كلام عن الماضي"
جلست على الكرسي المقابل وقالت بنبرة جادة: "جئت لأتكلم عن الحاضر يا طارق .... عن العداء بين الاخوين وزرع بذور التفرقة عن سوء الفهم عن الاتهامات الباطلة عن الحقيقة المدفونة تحت حفنات من الاتربة كلما تحتاجه ازاحت وتنفيض الغبار عنها لتتجلى للجميع عن أسئلة غامضة تم تجاهل اجوبتها"
ابتلع ريقه وادار وجهه اليها وبدى متعب ومكبوت وقال بغضب مكتوم ونبرة باتة: "عاصم وانت وجهان لعملة واحدة كلاكما سرقني وغدرني وطعنني بظهري ربما طعنتك انت اقل وجعا وأهون على نفسي لكونك فتاة غريبة عني لكن طعنة عاصم ماضية ومؤلمة يا خسارته لن اسامحه مدى حياتي ولا اريد سماع أي كلام عنه"
قالت بنبرة راجية وهي تنزل من الكرسي وتجثي على ركبتيها وتمسك يديه: "قبل ان تطلق علي احكامك وتواجهني بما يسترد لك كرامتك اريد دقائق من وقتك دقائق فقط .... لأحكي لك حكاية صغيرة لكنها عميقة تبدو بظاهرها واضحة المعالم لكنها تخفي وتنطوي على الكثير من الالغاز .... حكاية الصحفية سارة عارف التي جاءت الى قصر الراسي من اجل سبق صحفي .... وما حدث من اول لقاء الى يومنا هذا وبمنتهى المصداقية ومن خلالها ستعرف من هو اخوك ويرتاح ضميرك صدقني .... واترك لك الحكم بالنهاية وعلى أساسه اما ان تغير حياتك وموقفك او تزيد بغض وكراهية"....
خفقت اهدابه البنية الكثة وتناول القدح وشرب الماء ببطء وهو ينظر بعينيها ثم قال ببرود: "ما هدفك؟ لماذا يا ترى تريدين حكمي وبماذا يهمك؟ ما المردود الذي يعود عليك من كشف الحقيقة امامي؟ علي ان اعرف ما الثمن بما انك انتهازية"