الفصل الثاني.......
وضعت احمر الشفاه وقالت بجدية: "أحاول ان اعود باكرا... كفاك تظاهرا وكأنك لا تعلمين شيئا...... طارق خطيبي وسنعلن ذلك"
ابتسمت والدتها باستخفاف قائلة: "ترى خطيبك المقعد سيوصلك الليلة؟.... كم مسكينة انت يا سارة لقد أخفقت بالاختيار وستندمين حتما"
التفتت اليها وقالت بحزن: "ماما..... طارق حنون وخلوق وثري... سآخذ بيده واسعده وهو بدوره سيخرجني مما انا افيه ... اتوق لأن أعيش كما احلم يا امي.... اريد ان أعيش"
اومأت والدتها ببطء وهي تراقب تعابيرها بتأمل وتفكير حتى قالت بروية: "افهمك... ولا أنكر إنك تفكرين بعملية وبعقلك"
ضايقتها قناعة والدتها بأمور ليس لها وجود في نواياها مطلقا انها لم تفكر بعقلها قلبها الذي اختار طارق وستثبت لهم جميعا انهم على خطأ.
...............................................كان كل شيء رائع كما توقعت دفعت كرسيه الى حيث الشرفة وتطايرت خصلاتها بفعل تيارات الهواء الرقيقة واغمضت عينيها وهي تستنشق النسيم وعطور ممتزجة بعبق الزهور حتى فتحت عينيها ببطء وجال بصرها على المائدة المعدة وأعجبها التنسيق جدا اذ زينت بعناية وجاذبية بكؤوس فضية وزهور قانية ومناديل زرقاء وشموع حمراء على شكل قلوب لامعة... جلست امامه وتبادلا النظرات وتطلع الى فستانها الأسود الانيق وشعرها المتموج على كتفيها العاريين وتشابكت يديهما برقة وتبادلا العبارات الهامسة... انها مقتنعة به تماما وسعيدة برفقته ومنذ عرفها تخلص من كل همومه ومعاناته وبعث الامل بنفسه من جديد وشعر انه مازال محبوبا ومرغوبا من قبل النساء وان الحادثة التي تسببت بعجزه لم تشكل عائق في استمرار حياته كالآخرين.
لم تمض لحظات حتى شعرت ان هناك خطب ما غير مسار الجلسة الرومانسية وقطبت جبينها وهي تراقب طارق الذي كان يدعك بجبهته ببطء وتعابير بوجهه بدأت تتغير حتى عينيه تغيرتا واصبحتا جامدتين وشاخصتين ... ضاقت عينيها وتراجعت وابتلعت ريقها وهي تراقب حركة يديه الغريبة على حجره والطاولة حتى ان الكأس اهتزت وسقطت لم تتمالك نفسها وتراجعت دون مقدرة منها على مساعدته لقد هالها المنظر ولم تشعر بشيء سوى انها تفكر بالفرار لكن قبل ان تخطو هاربة هزت رأسها بخيبة وقد فهمت ما يحدث بالضبط ان طارق الراسي مريض وان ما رأته ليس الا نوبة تشنج وعليها ان تفكر بإنسانية ولا تتركه هكذا.
بقيت تراقبه وهو نائم في سريره بعد ان انصرف الخدم وشعرت بالخيبة الكبيرة خرجت بتخاذل وأغلقت باب الغرفة واسندت رأسها ببطء وتنهدت
وبدلا من ان تفكر بالتراجع والابتعاد وجدت بداخلها إصرار غريب على المواصلة والتمسك انه مسكين وبحاجة اليها وليس عدل ان تتخلى عن حبها له بمجرد ان رأته بموقفه الضعيف هذا.سارت في الرواق الشبه مظلم وتوقفت فجأة وتسمرت نظراتها عندما شاهدت شبح رجل واقف في نهاية الرواق ومحدق بخطواتها!
لا تدري أي شعور داهمها بهذه اللحظة .... شعور قلق وفزع وعدم ارتياح شل حركة قدميها وبقيت بمكانها....
خطى نحوها بخطواته المعتدة حتى اقترب وقالت وهي تتبين ملامحه وبنبرة خافتة: "عاصم!"
هو وبدهشة: "انت مجددا؟"
ثم ساد صمت وهي تتأمل وجهه على الضوء الباهت المنبعث من السلم حتى قالت بصراحة: "اتفقنا على الزواج"
سرى بريق من الغموض على تعابير عينيه ثم قال بوجه خال من التعابير: "ادهشتني!"
هي وبجدية: "انه بحاجة الي"
كانت مترقبة لردة فعله بدقة وبسرعة هدأت أنفاسها وانفرجت اساريرها عندما سرى تعبير رضا بعينيه وقال بنبرة صادقة: "غريب.... انت مثالية... خطيبته السابقة تركت لدي انطباع سيء حتى فقدت الامل بأن يجد اخي فرصته مع أخرى... ادهشتني حقا"
قالت بسرعة: "كنت خائفة من ردة فعلك خاصة وإنك سافرت ولم تعرف شئيا عن قصة الحب التي نشأت بيننا .... ظننتك ستعارض خاصة بعد سوء الفهم الذي حصل بيننا سابقا"
هو وبملامح هادئة ومشجعة: "لا بالعكس... انت مخطئة عندما تصورت انني لم اعلم بما يحدث كان طارق يخبرني بكل ما يمر به معك ولم اجد أي سبب يجعلني اعارض...... لطالما حلمت ان يتزوج طارق بفتاة جديرة به لا انكر انني عارضت في البداية لكن فكرت بروية وشعرت بالرضا من خلال كلام طارق عنك وكيف أدخلت البهجة الى قلبه"
هي وبدهشة: "تغيرت عن موقفك السابق مني"
هو وباهتمام: "كان سوء فهم ووضعك السابق غير وضعك اليوم... في السابق كنت مجرد صحفية فضولية... لكنك اليوم حبيبة اخي.... يبدو انه محظوظ... اكثر مني"ابتسمت باستغراب عاصم يعلم كل شيء؟... لم يخبرها طارق بذلك وكأنه يريد ان يفاجئها!
عاصم وبجدية: "لكن ....... هناك أمور كثيرة يجب ان نتحدث بها قبل اعلان الخطوبة من واجبي كأخ كبير ان أتكلم معك وافهم مدى تمسك بطارق واعلمك ببعض الأمور ولا اعتقد ان الوقت مناسب الان.... غدا سنتحدث"
وهي تقود سيارتها كانت مبتسمة باستغراب طوال الطريق! كم ظلمت عاصم الراسي سابقا ظننته مغرور وكريه .......انه مختلف ومتفهم وكأنه سعيد بأن شخص سيحمل العبأ عنه.... ربما وجد زواج طارق بها غنيمة ومكسب لانها شابة جميلة مثقفة ومحبة وماذا يريد اكثر من ذلك؟
لكن مازال شيء بداخلها يحذرها منه ان عاصم ليس هو الذي قابلته قبل سنة!استيقظت باكرا وبقيت ساكنة في سريرها وهي تستذكر تفاصيل الليلة الماضية الموعد ...طارق... النوبة التي اصابته واحبطتها... التردد... الإصرار ... مقابلة عاصم .... موقفه من الزواج.
اعتدلت وتنهدت بارتياح كبير ان أكبر عقبة كانت تهيبها قد ازيحت من امامها وبكل يسر... عاصم موافق ومبارك لذلك الارتباط لكن لديه بعض النقاط يريد ان يتناولها معها.... كأن الله يمهد لها الطريق ليوصلها الى هدفها لان نيتها صادقة وسليمة.
قفزت من سريرها مسرعة وتناولت فرشاة الاسنان وتطلعت بالمرآة بشرود...... عاصم الراسي ...مجددا.أدركها الوقت في العمل وكل هنيهة تتطلع بهاتفها وفي الساعة.... عاصم لم يتصل بها ليحدد موعد اللقاء الم يخبرها انه سيتحدث معها غدا؟
انتهى الفصل