فِي ليلة آخر أيام اجازتِي والتِي لا املك وصفًا دقيقًا لها؛ فقد بدت لي كمدينة يعجها الصخب والتناقضات، كانت خليطٌ من المشاعر العجيب، ركودٌ وضوضاء بالغة، فراغٌ وفيض من الأمتلاء، زاولت تناقضاتِي هذه لتسع ليالٍ متتاليات
وفِي عاشرها كنت افترِش فراشِي احمل كتابًا بين يداي، وقد كان علي النوم أو أن استعد ليوم غدٍ لكنني قررت عوضًا عن ذلك أن أقرأ ما بين كفاي
كان يحمل في طياته حبٌ حزين لم يصب، يحكي عن لوعه الحُزن وحرقه الفؤاد البالغة لهذا، وبين كل صفحتٍ بين يداي قُلبت شعرت وكأن ما قرأ يستوطن أوساطِي ويطرحني حزينًا دامعًا له
وأن الحب لطالما كان من الأمور التي تفيض لها مشاعري بصخبٍ لا يزاوله ركود، ولربما كان ذلك لكونِي أقرأ من بين طياته مشاعرًا تحكيني، لكوني أعي وأفهم بأسفٍ بالغ كل حرفٍ كُتب، وكان ما يعويني في ليلِي هذا أنني أفعل
وعلى الرغم من كونها مرتِي الثانية، كنت أحمل بي عين تأثرِي بما كُتب كمرتي الأولى، كانت كل تلك المواقف به وعمق المشاعر شيء يهتز له فؤادِي بقسوة، كانت تلمس مخاوفي وجروحِي بيدٍ باردة، وكيف لصفحاتٍ باليه هزله كهذه أن تفتعل بي حروبًا؟
في مرتي الثانية كان الأمر مختلف تمامًا، حمل خُلدي مخاوفًا عديدة لم أحملها قبلًا، كنت خذلٌ بشده يتلبدني الهلع من أن أُزاول يومًا شعور كهذا ..
وكلما طرأ ذلك لي كنت أُصاب ببؤس بالغ، أرى في عيناي بهتان عارم في حياتِي، وقد كان التفكير فيه وبرفضٍ قد يصدر منه قادرًا لجعلي هاوٍ يتحشدني قنوط لا يزُول
وحينما قلبت آخر صفحةٍ به، وبعدما وضعته جانبًا وأطفأت أضاءات غرفتي أفترشت بجسدي كاملًا فوق الفراش، ثم شعرتُ بشيءٍ بارد يسيل فوقي، ولم تكن عيناي فحسب من تبكي لحزني البالِغ ولفكرة أن الرفض قد يعوي همائمِي وتُطرحني
بل كانت الأركان أجمع والزوايا هامده لحزني هذا وناحت تشكو همي، حتى سماءُ ليلي أبت عجف نفسها من أن تخبر عني فباتت تُرنم أساي كقطراتٍ من الماء كما فعلت، كان كل شيءٍ حزين هذه المرة
لحدٍ لم يزورنِي نومًا الا في مطالع صُبحي، وقد كنت أكثر هوانًا من أن أحضُر وألقى أحدهم فتغيبت، وفي غدوة يومِي وظهيرته وحتى مساءه ولعتمه ليله، كنت أُفكر بأستمرارٍ حيال ذلك
ثم في ضحى يومِي الآخر، سرت أُجرجر اذيالًا من الأرهاق خلفي، وياله من صباحٍ معتمٍ يكسوه البرودة بجرفة يفتقر دفئ بالغ كأفتقاري، وقد أفتقرتُ وفقدت الكثير في ليالي العشر الراحلة
ثم ومن بين كل ذلك الخراب بي ومن بين كل تلك الأطراف المبعثرة في أمورٍ عدة، رأيتك أخيرًا وعدت اليّ مجددًا لأصلاح الخراب وللملمة ما تبعثر في أيامٍ قليلة خلت منك